نشرت صحيفة «ناشيونال إنتريست» تحليلًا سياسيًا لـ«جيرالد جيري»، المستشار الأول لمركز الدراسات الاستراتيجية الدولية، عن كيفية انقلاب «ابن سلمان» داخل بيت آل سعود على تراتبية السلطة التقليدية، والاستراتيجيات التي اتبعها لتدعيم سلطته وكيفية إنهائه للمعارضين للسياساته، حتى المحتملين، وتخطيه محاولة إحداث تغييرات على المستوى الإقليمية التي فشلت حتى الآن؛ آخذًا على ترامب دعمه ومحاولته تقويض جهود وزير خارجيته في إعادة التوازن داخل دول الخليج.
وأكد الكاتب، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ الاضطرابات الأخيرة التي شهدتها السعودية أكبر من تطهير أو تدعيم لنفوذ سلمان ونجله، وأكثر عمقًا من ذلك؛ فما حدث «انقلاب» أدى إلى تغيير دستور المملكة ونظام حكمها الأساسي المتعارف عليه، والغريب فيه أنه تم بواسطة الملك وليس قوات الجيش، و«لا شك أنّ النظام الجديد والقديم استبداديان، وساعدت التحركات الأخيرة على تغيير آلياتهما الرئيسة، على الأقل في الوقت الحالي».
وبدأت الأحداث الأخيرة في السعودية بإطاحة الملك سلمان بولي العهد الأمير محمد بن نايف، نجل مؤسس بيت سعود، والزج بابنه مكانه. وحتى حينها، كان اختيار الملوك السعوديين بعد الملك عبدالعزيز بن سعود من بين أبنائه، بواسطة ترتيبات سرية ومعايير مجهولة. والمعروف أنها تتم بعد توافق الآراء بين أبناء. وأيًا كان الترتيب وما يقترن به من تعويض للخاسرين، قُبلت النتيجة على الأقل حتى الآن.
والآن، يشارف أبناء مؤسس السعودية على الانتهاء، ولن يستمر نظامهم كثيرًا؛ ورأى «سلمان» أنّ الخلافة لا بد أن تنتقل إلى جيل جديد، لكنّ هناك أحفادًا للملك عبدالعزيز؛ لذا اختار تمريرها إلى نجله «محمد».
وأدى الاستبدال المفاجئ لمحمد بن نايف إلى تسريع «الساعة البيولوجية» للحكم في المملكة، وهذه البذرة الأولى للانقلاب. وصحيح أنّ للملوك السعوديين سلطة مطلقة؛ لكنها لم تُستخدم من قبل «لتخريب» النظام «الدستوري» المتعارف عليه. وبعد تولي «ابن سلمان» منصب ولي العهد، تطوّرت أحداث بسرعة داخل المملكة، وتسببت في تغيير «الساعة البيولوجية»؛ إذ شرعت وزارة الدفاع، التي تولاها ابن سلمان، فورًا في توسيع دورها بشكل كبير.
وغير ذلك، سارع ابن سلمان، بمباركة والده، في وضع «رؤية 2030» لخصخصة اقتصاد المملكة وتنويعه؛ سواء عن طريق إيجار شركات النفط واعتماد نظام تكنولوجي مواكب للتطور العالمي ومنح المرأة مزيدًا من الحرية، كما بادر في توريط المملكة في حرب أهلية باليمن ضد الحوثيين المدعومين من إيران، نيابة عن الرئيس عبدربه منصور هادي، وكذلك الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وهو خصم تحوّل إلى حليف.
وبعد إطلاق الحوثيين صاروخًا على الرياض، سارع ابن سلمان في تشديد الحصار البري والبحري والجوي على اليمن. وغير ذلك، اتفق مع الإمارات على حصار قطر وعزلها عن دول مجلس التعاون الخليجي، ثم حصارها بريًا وبحريًا وجويًا، بزعم دعمها لجماعة الإخوان المسلمين وتمويل الحركات المتطرفة في أماكن عدة من العالم، وطلبوا منها إغلاق قناة الجزيرة لدعمها للإخوان وغيرها من الحركات الإسلامية الذين عارضوا المملكة الخليجية.
كما وقف ابن سلمان خلف استقالة رئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري»؛ ما هدد باندلاع اضطرابات في لبنان. إضافة إلى ذلك، عين الأمير متعب بن عبدالله رئيسًا للحرس الملكي المسؤول عن حماية بيت سعود. وكان ينبغي أن تدق هذه النقطة جرس الإنذار الأول لنية «ابن سلمان»؛ ففي أيّ نظام استبدادي يُعد «الحرس الإمبراطوري أو الحرس الشخصي» أمرًا بالغ الأهمية لأمن الشخصيات المركزية، واستبدال رأسه يشير إلى حالة الشك؛ خاصة فيما يتعلق بالتغييرات الرئيسة التي يعتزم إجراؤها.
ومؤخرًا، شرع ابن سلمان في اعتقال قرابة مائتي أمير، ونخبة من الوزراء وضباط عسكريين ومسؤولين ومدنيين ورجال أعمال بارزين ومعارضين سياسيين؛ بتهم متعلقة بالفساد.
وبغض النظر عن صحة التهم، فهذا التطهير يبدو وكأنه «انقلاب تقليدي»؛ إذ يقبض على الشخصيات المهمة في النظام القديم ويلفّق لهم تهمًا للقضاء عليهم، وشُكّلت اللجنة القابضة عليهم بواسطة الملك سلمان نفسه «لجنة مكافحة الفساد»، وأعطى سلمان للجنة برئاسة نجله صلاحيات القبض على أي شخص وتجميد أصوله وحساباته والاستيلاء عليها أو منع نقلها، وحظر سفر من يشتبه في فساده.
وكل هذه التحركات قد تأتي بنتائج عكسية على سلمان ونجله؛ بعدما كان استثماره في منطقة الملك عبدالله بالرياض (بعشرة مليارات دولار) مخيبًا للآمال. وعلى خطاه، ستفشل رؤية 2030 التي وضعها نجله، بما في ذلك إعادة السعودية لما يسمى «الإسلام الوسطي»؛ فمن شأنها إلغاء الاتفاقات الضمنية مع الزعماء الوهابيين الذين يدعمون بيت آل سعود مقابل إفراد نفوذ لهم.
ومن شأن الرؤية أن تحدث تغييرًا جذريًا في الأسس الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمملكة، بما في ذلك استيراد العمالة الجنبية من الخارج وتحرير المعايير الاجتماعية السعودية؛ وهي أمور لا يرحب بها كثيرون في المملكة المحافظة، باستثناء الشباب السعودي.
وغير ذلك، كانت حرب اليمن بمثابة استنزاف اقتصادي وعسكري لقدرات المملكة، ولم تسر على ما يرام، وأيضًا استطاعت قطر اجتياز الحصار الاقتصادي الذي فرضته السعودية عليها، وساعد الحصار «الشيخ تميم» على توحيد المواطنين خلفه.
وبناءً عليه: «هل سيستطيع ابن سلمان إبقاء الأمراء والمحتجزين خلف السجون؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما هو الترتيب الدستوري الجديد؟ وكيف سيساهم في استقرار المملكة، وكيف سيفعل ذلك؟ هل تتحول المملكة إلى نظام استبدادي أكثر تقليدية تدعمه قوة أمنية كبرى موالية لابن سلمان، وتقدم تقارير مباشرة للملك الأكثر استبدادية؟ وهل لا يوجد ضابط لما يفعله على غرار الديكتاتوريات الأخرى في المنطقة؟».
وتقف السعودية والإمارات بجانب المصالح العسكرية والسياسية الأميركية في الشرق الوسط، لا سيما في مواجهة إيران. وذهب السعوديون إلى أبعد مما تريده الولايات المتحدة، بإعلانهم أنّ لبنان يهيمن عليه «حزب الله» الشيعي بشكل مباشر، واستطاعوا تحييد سعد الحريري بالضغط عليه وجعلوه يقول إنّ الحزب أداة لإيران.
وبالرغم من اندلاع حرب افتراضية بين السعودية وقطر، التي توجد فيها كبرى قاعدة جوية إقليمية أميركية، وتعد مركزًا لانطلاق أنشطتها الحربية في أفغانستان والعراق، ولا يخدم الخلاف بين البلدين المصالح الأميركية. وبالرغم من ذلك، عبّر ترامب عن دعمه الفوري للصعوديين، ولم يُصدر أي عقوبات ضد ابن سلمان بالرغم من اختلاف ما فعله مع القانون الأميركي.
وعلى ترامب ضرورة تجنب الانحياز لصالح دول على غيرها، على الأقل علنًا؛ وأن يدعم جهود وزير خارجيته ريكس تيلرسون للقضاء على الخلاف بين دول مجلس التعاون الخليجي، كما يجب على الولايات المتحدة أن تنأى بنفسها عن «خطة المراوغة السعودية». وفي الوقت نفسه، يجب عليها أن تشجع الجهود المبذولة للتنويع الاقتصادي السعودي والتحرير الاجتماعي وإصلاحات أعلن عنها «ابن سلمان»؛ باستثناء القيود السياسية المتنامية التي يفرضها باستمرار، وعليها أن تحاول استعادة الصداقة بين حلفائها بحذر ويقظة.