سلّط الباحث المشارك في كلية القانون بجامعة لندن «أحمد حسين آدم»، في مقال له على «شبكة الجزيرة»، الضوء على التحوّل المفاجئ للبشير تجاه روسيا بعد وقت قصير من رفع العقوبات الأميركية على السودان واستعداد واشنطن لرفع بلده من قائمة الدول الراعية للإرهاب، موضحًا أنه يسعى إلى تثبيت نفوذه في السلطة والحصول على دعم روسيا لترشحه في مدة انتخابية أخرى.
واعتبر الباحث، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ ما يفلعه البشير مخاطرة بكل شيء تقريبًا لحساب مصالحه الشخصية؛ ففي 23 نوفمبر زار روسيا رسميًا والتقى بالرئيس فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف ووزير الدفاع سيرغي شويغو؛ في تحدّ لمذكرتي الاعتقال الصادرتين من المحكمة الجنائية الدولية بحقه، لاتهامه في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية ارتكبت في دارفور.
ولم يدعُ بوتين الزعيمَ المثيرَ للجدل إلى روسيا وحسب؛ بل أرسل أيضًا طائرة روسية إلى الخرطوم لضمان سلامته وراحته أثناء الرحلة.
وعبّر البشير عن نواياه الحسنة، بتأييده مواقف روسيا في الشرق الأوسط، وكانت هذه الخطوة رسالة تحدّ لواشنطن والرياض ومحاولة يائسة من البشير للتعلق بالسلطة على حساب مستقبل بلاده.
التقاطع مع الولايات المتحدة
وأثناء اجتماعه مع بوتين في سوتشي يوم 23 نوفمبر، وجّه البشير اتهامات خطيرة ضد الولايات المتحدة، وعبّر عن امتنانه لروسيا لدعمها في المحافل الدولية، وقال البشير لبوتين: «إننا نعارض في المقام الأول التدخل الأميركي في الشؤون الداخلية للدول العربية؛ خاصة في العراق»، كما أعرب عن تأييده لدور روسيا فى سوريا، وقال إن البلاد تعاني بسبب التدخل الأميركي.
وفي مقابلة خاصة مع وكالة الأنباء الروسية «سبوتنيك»، اتّهم البشير الولايات المتحدة بالتسبب في انفصال جنوب السودان عن شماله في عام 2011، وادّعى أنّ واشنطن تخطط الآن لتقسيم بقية السودان إلى خمسة بلدان. وقال إنّه بحث مع بوتين ووزير دفاعه إقامة قواعد عسكرية على ساحل البحر الأحمر، كما كشف عن رغبته في شراء نظام الدفاع الجوي S-300 وطائرات «سوخوي سو -30».
والسؤال الرئيس الذي تثيره تصريحات البشير: لماذا اختار مهاجمة الولايات المتحدة بعد أسابيع قليلة من رفع العقوبات الاقتصادية المستمرة منذ عقود على السودان وفي خضم حوار دبلوماسي رفيع المستوى مستمر يهدف إلى تطبيع العلاقات بين بلدين؟
هذا التحوّل المفاجئ محاولة يائسة من البشير للبقاء في السلطة نتيجة الانتخابات المقرر إجراؤها في عام 2020، وهناك تقارير تفيد بأنه اكتشف مؤخرًا أنّ الولايات المتحدة ليست على استعداد لدعم ترشحه.
ربما افترض البشير في البداية أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يبدو أنه لا يبالي بحقوق الإنسان والديمقراطية، سيساعده على الهروب من قضايا المحكمة الجنائية الدولية ويسمح له بالترشح في انتخابات عام 2020 مقابل التعاون في قضايا كجهود مكافحة الإرهاب.
لكن، يبدو أنّ الولايات المتحدة ألمحت مؤخرًا إلى وزير خارجية البشير إبراهيم غندور أنّ الرئيس السوداني سيتعين عليه مغادرة منصبه قبل رفع العقوبات المتبقية ورفع السودان من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب.
كما شعر بخيبة أمل أخرى عندما لم يلتق به «جون سوليفان»، نائب وزير الخارجية الأميركي شخصيًا، أثناء زيارته السودان في منتصف نوفمبر. إضافة إلى ذلك، قال جون إنّ واشنطن تتوقع أن يقبل النظام بإصلاحات بعيدة المدى، بما في ذلك إلغاء عقوبة حد الردة، وإدخال تحسينات على سجل حقوق الإنسان في مقابل إبعادها عن قائمة الدول الراعية للإرهاب.
وفي ضوء هذه التطورات، من المرجّح أن يتخلى البشير عن أيّ دعم أميركي في المستقبل، وقرر أن يصل إلى روسيا لإبقائه على قيد الحياة، وكان رد فعل الجمهوري السوداني وحتى أعضاء حكومته الاندهاش لهذا التحول غير المتوقع، الذي يمكن أن يسبّب ضررًا دبلوماسيًا خطيرًا للسودان في الوقت الذي يبدو فيه أنّ علاقات البلاد مع العالم تتحسن.
وحاول غندور على الفور السيطرة على الأضرار التي سببها البشير، وقال إنه غير مقتنع بأنّ طلب البشير الحماية الروسية يعد عملًا عدوانيًا تجاه أميركا.
التخلي عن التحالفات الخليجية
ولم تكن الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي يبدو أن الرئيس السوداني أدار ظهره لها بزيارته روسيا. إذ قال البشير لـ«قناة روسيا اليوم» إنه سيعارض أي حرب عربية ضد إيران، وبالتالي ينأى بنفسه عن السعودية والإمارات العربية المتحدة.
ويقال إنّ البشير أعرب عن خيبة أمله لأنه لم يحصل على المكافآت المالية التي اعتقد أنه سيتلقاها من حلفائه الخليجيين بعد تحركه السريع لقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران في مطلع عام 2016 وإرسال آلاف الجنود السودانيين للقتال مع التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين في اليمن.
وعبّر البشير عن استيائه من الرياض عندما رفض دعم الحصار الذي تقوده السعودية ضد قطر، وحاول السودان حتى الآن الحياد في الأزمة الحالية، وادعى أنه يدعم المحاولات الكويتية للتوسط.
ويبدو أنّ البشير خلص إلى أنه سيكون من الأفضل الانحياز علنًا مع روسيا وإيران بدلًا من الولايات المتحدة والسعودية، كما يبدو أنه ينوي الفوز على جبهات في الشرق الأوسط؛ بعد أن شهد نجاح روسيا في إبقاء بشار الأسد في السلطة، وقد يكون البشير أيضًا تحت انطباعٍ بأن بوتين يمكنه أن يحميه إذا ما لعب الأوراق الصحيحة.
ويرى مراقبون أنّ تقارب البشير الأخير مع المحور الروسي الإيراني ليس سوى مناورة تكتيكية لابتزاز الولايات المتحدة والسعودية لتقديم الدعم السياسي والمالي لرئاسته، ومن الممكن أن يستخدم البطاقة الروسية الإيرانية طريقة للضغط على الولايات المتحدة لدعم نظامه وحلفائه الخليجيين لتلقي اموالهم، وإذا كان الأمر كذلك؛ فمن المؤكد أنها مقامرة شديدة الخطورة. ومن المؤكد أنّ عرضه للروس بإنشاء قاعدة عسكرية على ساحل البحر الأحمر لن يكون مقبولًا في واشنطن.
أيضًا، من السابق التأكد من مدى جدية الروس تجاه رد فعل البشير؛ فمن حيث الجغرافيا السياسية، السودان ليس في مكان قريب من الأهمية الاستراتيجية مثل سوريا؛ لذلك قد تختار روسيا جيدًا ألا تضع وزنها وراء شخصية مثيرة للجدل مثله، كما فعل مع الأسد.
ومن المرجح أن تواصل روسيا دعم السودان في مجلس الأمن الدولي والمحافل الدولية الأخرى، وربما تكون على استعداد لتزويد السودان بأسلحة أكثر تقدما؛ لكن من غير المرجح أن يكون مستعدًا للتدخل عسكريًا كما هو الحال في سوريا لحماية البشير من الأعمال «العدوانية» الأميركية.
ومهما كانت استجابة بوتين، يجب ألا يكون السودان ساحة معركة للقوى الإقليمية والدولية المتنافسة، وينبغي ألا يسمح البشير باستغلال هذه التنافسات للبقاء في السلطة.
فبعد 28 عامًا في السلطة، لا يملك البشير كثيرًا لتقديمه إلى حلفائه أو الشعب السوداني، وحتى بعد رفع العقوبات الأميركية أصبح اقتصاد البلاد على وشك الانهيار. كما فشل الحوار الوطني الذي بدأه في عام 2014 في إقناع قوى المعارضة الرئيسة، ولم تُنفّذ أيّ من توصياته الـ800 تقريبًا، بما في ذلك المتعلقة بالحريات الأساسية؛ حتى إنّ أعضاء من حكومته يعتبرونه مسؤولًا على عاتق البلاد وليس زعيمًا قويًا يمكن أن يحقق الاستقرار للسودان.
والآن، يبدو أن البشير مستعد للمخاطرة بكل شيء للبقاء في السلطة، ويجب على القوى السياسية السودانية أن تعمل بجد أكثر من أي وقت مضى للدفع من أجل التحول الديمقراطي الحقيقي في البلاد.