رأى الكاتب نوح فيلدمان أن الربيع العربي تحول إلى كابوس لتنظيم الدولة وتوقع مستقبلاً غير متفائل لهذه الدول؛ حيث قال: “مرت الآن خمس سنوات منذ أن حرق بائع الفاكهة التونسي محمد بوعزيزي نفسه، فهل لنا من الممكن أن نسأل نفسنا السؤال الصعب: هل كان الربيع العربي جيدا بالنسبة للدول المتحدثة بالعربية ؟ هل الناس في حال أفضل عن خمس سنوات مضت؟”.
وتابع قائلاً في مقال له: “إنه باستثناء تونس بلد ” البوعزيزي” فإن جميع الدول العربية التي شهدت الربيع العربي قد تم إحباط ثوراتها من قبل الحكام القمعيين والملكيات أو أدت إلى الفوضى أو الحرب الأهلية، ولم يكن الربيع العربي كافيًا للمواطنين للمشاركة من أجل التخلص من القهر السياسي والانخراض في الحكم الديمقراطي”.
واعتبر الكاتب أن المؤرخين سيبدأون تقييمهم لثورات الربيع العربي بالإشارة إلى أن تغيير النظام حدث فقط في الدول المحكومة برؤساء ديكتاتوريين، أما الملكيات فنجت من التغيير إلى حد كبير، وحتى في البحرين؛ حيث احتجت الغلبية الشيعية فقد تم سحقها من قبل القوات الملكية التي تم استدعاؤها على عجل من السعودية.
وأضاف: “سينظر إلى الربيع العربي إلى أنه نموذج لعملية الانتقال السياسي للبلدان التي شهدت ديكتاتوريات رئاسية طويلة الأمد؛ إذ إنه من الصعب لهذه الدول أن تشهد انتقال جيلي للسلطة وهو ما حدث مرتين في كوريا الشمالية باستثناء حافظ الأسد الذي نجح في نقل السلطة إلى ابنه”.
واستطرد قائلاً: “في البلدان التي شهدت تغيير النظام ظهر هناك شكل محدد؛ فعندما حدثت انتخابات في تونس ومصر فاز الإسلاميون الديمقراطيون بالأغلبية وقاموا بوضع دستور انتقالي، ونجحت صياغة الدستور التونسية لأسباب معقدة تتضمن مجتمعا مدنيًا قويًّا ورغبة الإسلاميين ومعارضيهم العلمانيين في الوصول إلى حلول وسط، أما في مصر فلم تكن تلك الرغبة متوفرة وقام الجيش بغطاء من الإحتجاجات الشعبية بالإطاحة بالإخوان من السلطة، وعادت مصر الآن إلى حيث بدأ يحكمها ديكتاتور عسكري جديد حل محل العجوز الأسبق”.
وزعم الكاتب أن ما أسماه القمع في مصر هو أفضل من الكوارث التي تواجه اليمن وليبيا وسوريا؛ قائلاً: “ففي ليبيا التي حولها القصف إلى بقايا دولة لم تكن منذ البداية قوية، وتطورت البلاد إلى ساحة للقتال بين الميليشيات المتنافسة، وفي اليمن غرقت البلاد في حرب أهلية متعددة الجهات، وتعد سوريا أسوأ السيناريوهات إذ لم تتم الإطاحة بـ”الأسد” بالرغم من إصرار الدول الغربية على رحيله”.
وأردف الكاتب قائلاً: “صعود الدولة الإسلامية يعتمد على التوسع في العراق وسوريا، وهو ما يجعل الدولة الإسلامية مميزة عن القاعدة هو سعيها إلى تحقيق السيادة الإقليمية وهي إستراتيحية هدفها ملء فراغ السلطة الذي خلفته الدول الفاشلة”.
وتابع “فيلدمان” مقاله قائلاً: “الدولة العراقية كانت ضعيفة بالفعل في أعقاب الغزو الأميركي والانتفاضة السنية هناك لكن دون الحرب الأهلية في سوريا فإن تنظيم الدولة لم يكن ليحقق المكانة الحالية، وفي هذا الصدد فإن تنظيم الدولة هو نتيجة غير مباشرة للربيع العربي، وهناك عدة أسباب لذلك من فشل الولايات المتحدة في احتلال العراق إلى التردد الغربي في استبعاد الأسد من السلطة إلى الحفاظ على نظامه خوفًا مما سيتبع ذلك”، مضيفًا: “وفي هذه التراجيدية فإن الربيع العربي سيرى أنه من فتح الباب لتنظيم الدولة، ولأكثر من جيل فإن الحكام القمعيين العرب سيبررون وجودهم المستمر بمواجهة خطر التنظيم”.
وختم الكاتب مقاله بقوله: “إنه من الصعب أن نرى إرث الربيع العربي يتحول إلى أمر إيجابي، لقد أظهر الربيع العربي أن الدول العربية متمسكة فقط بالكرامة والحكم الديمقراطي مثل أي شعب في العالم لكن الموقف السياسي كان في الحقيقة أسوأ من شعوب شرق أوروبا وأميركا اللاتينية الذين حققوا في النهاية الإستقرار الديمقراطي بأنفسهم، وبالنسبة للأجيال السابقة فإنه ليس هناك طريق واضح لمحاكاة تونس وتحقيق شيء ما أفضل”.