شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

أين المشكل الحقيقي في الديمقراطية إسلاميّاً؟ – أحمد أبازيد

أين المشكل الحقيقي في الديمقراطية إسلاميّاً؟ – أحمد أبازيد
  في معظم الديمقراطيات ثمة مجلس قضائي تُعرض عليه القوانين التي صوّت عليها المجلس المنتخب ليقرر مدى...

 

في معظم الديمقراطيات ثمة مجلس قضائي تُعرض عليه القوانين التي صوّت عليها المجلس المنتخب ليقرر مدى "دستوريّتها", وبإمكانه إلغاؤها.

 

ثمة دوماً مرجعيّة "شرعية" تمنع تجاوز "النص المؤسس" و مخالفة "الشريعة" الحاكمة, ولا تعمل الديمقراطية أو مسألة الانتخاب ضد ذلك, أو باستقلال عن هذه المرجعية, بل هي جزء من المنظومة المتداخلة والمتفق عليها.

 

تضخيم "بعبع" الديمقراطية أو الانتخاب باعتباره تحكيماً للناس مقابل حكم الله, أو باعتبار أن البرلمانات بمجرد أن تعقد ستبيح المثلية الجنسية و تغير عدد ركعات الصلاة, هو هروب من المشكل الرئيس والحقيقي, وهو:

 

أوّلاً مشكل التشريع القانوني, والذي كان دوماً في حيز الأمة (الفقهاء) لا في حيز السلطة, كمشرّعين قانونيين لما يستجد من المسائل والوقائع, بينما ثمة قصور لدى الفقهاء المعاصرين في استيعاب كثير من قضايا العصر, ما أرخى بظلال من القصور على التشريع الفقهي الحالي, وكان مشروع الشهيد عبدالقادر عودة في كتبه المهمة جميعاً (الإسلام وأوضاعنا السياسية, الإسلام وأوضاعنا القانونية, التشريع الجنائي في الإسلام) محاولة في غاية الأهمية لتجاوز هذه الهوة, كما أن كتب الدكتور فتحي الدريني في أصول الفقه توضح حجم المشترك ما بين المنطق القانوني والمنطق الأصولي, ونفي الثنائية المتوهمة عن "وضعية" القوانين و "إلهية" الفقه, والتي تجر تصوّراً خاطئاً عن أن تحكيم الشريعة يعني نفي الحياة ومؤسساتها وقوانينها بالكامل , والإتيان بكائن هلامي ما اسمه الشريعة ليحكم الحياة من جديد, وهي عدا كونه مسألة بحثية بين المختصين, فإنه لا يمكن نفي الطابع الرمزي والسلطوي المعلن عن القانون والذي يقرر لدى الناس شرعية القانون من عدمه بشكل سابق على الاطلاع على تفاصيل هذه القوانين.

 

ثانياً مشكل مرجعية تقرير السلطة, هل هي القوة أم الأمة أم المؤسسة الدينية أم تحالف المؤسسات (العسكرية و الدينية وفي ظلها النخب المدينية والعشائرية والاقتصادية والتقنية), وهذه الأخيرة تبدو المعادل الأكثر شمولاً وإقناعاً للسلفيين السوريين لمفهوم "أهل الحل والعقد", ومع الإقرار بضبابية مصطلح "الشعب" ورومانسية تصور شعب دون مؤثرات مسبقة على قراره, اقتصادية أو سلطوية أو رمزية, فكل ديمقراطية في النهاية تقوم على أساس قوة وتحالف مسبق يتم التصويت ضمن أفقه, ولكن هذا التحالف الذي يُراد له أن يكون هو مفهوم أهل الحل والعقد يقوم في النهاية -من حيث تصوره النظري لدى هؤلاء الإسلاميين على الأقل- على أحد التجليات المذهبية للقوة (وهي هنا الفصائل السلفية) , وليس على إقرار بتعدد هذه المذاهب وتصوراتها وأنماط تدينها, حتى ضمن الأفق الإسلامي وحده, والذي ينتج عنه بداهة عدم وعي وجود سلطة رمزية غير إسلامية في المجتمع, ووجود مسلمين لا يتبنون أحد الطروحات الايديولوجية القائمة بالضرورة, هم في النهاية موجودون ويشكلون قوة اقتصادية وسلطة رمزية وقاعدة شعبية ضخمة, وهذا متصل بالنقطة السابقة حيث لم يطور الإسلاميون تصوّراً نظريا دقيقاً عن الدولة الحديثة بحكم عدم دخولهم في تجربة الدولة الحديثة وتشكّلها في التاريخ الحديث كخصم للإسلاميين يختزن ذاكرة الاعتقال والقمع والمطاردة.

 

ثالثاً , مشكل الصراع الاجتماعي الكامن في السلطة, وهو متصل مباشرة بالنقطة السابقة , أي أن مشكل مرجعية تقرير السلطة , يخفي صراعاً اجتماعياً أيضاً لا محض صراع فكري, ودون تأسيس شكل من التفاهم على إدارة هذا الصراع والإقرار بتعددية القوى فيه, حتى إنتاج قاعدة القوة والمرجعية المتفق عليها هذه والتي يتم تداول السلطة ضمن أفقها وبداهاتها , فإنه لا يمكن الوصول لحكم مستقر, وهذا التفاهم لا بد أن يتضمن تنازلات بطبيعة الحال ليست مطلوبة من الإسلاميين السلفيين وحدهم, والانتخاب كآلية ناظمة على المدى البعيد و كتصور نظري يحتاج الكثير من التعديل الإجرائي, ينبغي ألّا يهمّش لصالح المراهنة على ديمومة الصراع وضرورة حسم أحد أطراف القوة له, وعدم التركيز على تفاصيل التفاصيل السياسية أو الفقهية كخيط فاصل ما بين الإسلام والكفر, وعدم اشتراط تبنّي أي مسلم لخط سياسي بالضرورة.

 

وأخيراً فإن هذا التحديد لهذه الإشكاليات الثلاث, هو محاولة للخروج من المعركة الثنائية التقليدية بين أنصار الديمقراطية كشعار سحري أو رافضيها كتهديد وجودي للدين, وهو محاولة لوضع النقاش ضمن إطار أعمق وأكثر تركيباً, فأرجو عدم أخذ النقاش نحو الثنائية التقليدية المختزلة



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023