تشهد الحريات بشكل عام تراجعًا كبيرًا منذ أحداث الثالث من يوليو حتى الآن، فيومًا بعد آخر تخرج علينا السلطات المصرية ممثلة في عبد الفتاح السيسي، قائد الانقلاب العسكري، أو حكومته بقرارات قمعية تدلل على عودة مصر لعصور الإرهاب الفكري.
فلم يكتف السيسي بالاعتقالات المتلاحقة أو الاختفاءات القسرية، بل عمد أيضًا إلى السعي الحثيث لكتمان أي صوت أو حركة أو فكرة، ونحاول في السطور التالية رصد أبرز 5 مظاهر تهدد المصريين بعودة عهود الإرهاب الفكري:
1. إنشاء نادٍ للأمن الفكري
منذ أيام قليلة وقبل بدء العام الدراسي، أعلنت وزارة التربية والتعليم عن إنشاء ما أسمته بـ”نادى الأمن الفكري” تحت شعار مدارس بلا عنف داخل كل مدرسة، وأوضحت أنه سيتكون من هيئة استشارية من الطلاب والمعلمين لمتابعة خطة الأمن الفكري داخل المدرسة، ورصد حالات العنف المدرسي ودراستها ومعالجتها.
وقالت الوزارة، في بيان لها، إنه سيتم تصميم كتيب أنشطة وتفعيلها بالنادي الفكري، وتضمين محاور الأمن الفكري داخل المناهج الدراسية وضمان معالجتها داخل الحصص الدراسية.
وقد قوبلت الفكرة برفض واستهجان من قبل العديد من المفكرين لا سيما الدكتور سيف عبد الفتاح، أستاذ العلوم السياسية، الذي وصف القرار بأنه من مهازل ومساخر الانقلاب، حسب قوله.
2. تدريس حروب الجيل الرابع
كثُر حديث عبد الفتاح السيسي، قائد الانقلاب العسكري، عن حروب الجيل الرابع خلال الفترة الماضية، فلم يترك مناسبة في خطاباته إلا وتطرق لمخاطرها وضرورة التصدي والتسلح بكل الوسائل ضد الحرب النفسية والإرهاب المعلوماتي، وكان لآخر ما وصل إليه أن يتم تدريس حروب الجيل الرابع للطلبة من خلال دورات تدريبية.
لم تأت الفكرة لـ”السيسي” من بنات أفكاره بل جاءت عبر ملف نشره صحفي باليوم السابع يدعى يوسف أيوب تحت عنوان “حرب المعلومات وحروب الجيل الرابع”.
3. حرق الكتب الإسلامية
وفي واحدة من مظاهر الإرهاب الفكري، كانت واقعة حرق مجموعة كتب إسلامية، إذ قامت لجنة من وزارة التربية والتعليم في شهر إبريل الماضي بحرق عشرات الكتب الإسلامية في فناء إحدى المدارس، بزعم أنها تحض على العنف والتطرف وتخرب عقول الطلاب.
وسارعت بثينة كشك، وكيل وزارة التعليم بالجيزة المسؤولة عن الواقعة لتقول آنذاك، إن لجنة “إعدام الكتب في المدارس” قامت بحرق أكثر من 80 كتابا، ممنوع تداولها في مصر داخل مدرسة “فضل” الخاصة بمحافظة الجيزة.
وأوضحت “كشك”، في تصريحات صحفية، أن من بين هذه الكتب التي تم اكتشافها في مكتبة المدرسة، كتب لسيد قطب وغيره من مفكري الإخوان، بجانب مجموعة كتب من قطر، مضيفة أن هذه المدرسة تابعة للإخوان وتستخدمها الجماعة لحسابها الخاص، وتم التحفظ عليها، حسب قولها.
4. حذف وتعديل مناهج التربية الدينية
فجأة ودون مقدمات، قررت وزارة التربية والتعليم في مارس الماضي، حذف بعض الدروس من الفصل الدراسي الثاني لمعظم مراحل الدراسة، وأرجعت الوزارة في بيان له حينها، أنه تم حذف الموضوعات التي يمكن أن تحث على العنف أو التطرف، أو تشير إلى أي توجهات سياسية أو دينية أو أي مفاهيم يمكن أن تستغل بشكل سيئ، حسب قولها.
لم يكن حذف وزارة التربية والتعليم لبعض الدروس بالمناهج التعليمية هو الأول من نوعه، فقد حذفت الوزارة وقت تولي وزير التعليم السابق محمود أبو النصر، دروسا عن “ثورة العصافير ونهاية الصقور”، التي تتحدث عن حرق العصافير لأعدائها، مما وجه انتقادات لمؤلفي المناهج، وما أسموه بالترويج لتنظيم الدولة الإسلامية “الدولة”.
“عقبة بن نافع” و”صلاح الدين الأيوبي”، هما أبرز بطلين تم حذف الدروس التي تتحدث عن سيرتهما من مناهج اللغة العربية هذه العام، حيث تم حذف درس صلاح الدين الأيوبي بالوحدة الأولى للصف الخامس الابتدائي، وحذف الدرس كله الذي يتحدث عن فتوحات القائد العسكري مؤسس الدولة الأيوبية.
5. المعاقبة لمن يقرأ رواية “1948”
“احذر.. الرواية قد تكون سببًا لاعتقالك”، هذا هو ما حدث مع طالب بجامعة القاهرة، كان يسير بجوار جامعته في شهر أكتوبر الماضي حاملا رواية جورج أورويل “1948”، وما إن رآه أمن الجامعة أمسكوا منه الرواية، وقاموا باحتجازه والتهمة “يحمل رواية”، إلا أن الحقيقة أن الرواية كانت تتحدث عن الأنظمة العسكرية الديكتاتورية والاستبداديين الذين يقتلون أحلام البشر، وهو ما أزعج قوات الأمن فعمدوا إلى اعتقاله لعدة أيام ثم أفرج عنه بعدها.