علق الدكتور نادر الفرجاني، أستاذ العلوم السياسية، على الوثائق الاستراتيجية للمؤتمر الاقتصادي الذي عقدته الحكومة مؤخرًا في شرم الشيخ، واصفا أنها امتداد لفكر الحكم الفاسد.
وكتب، في تدوينة عبر صفحته الرسمية على موقع "فيس بوك": "الوثيقة الأساسية هي (116 صفحة) بالعربية وتاريخها، غير المذكور في صدرها، هو نوفمبر 2014، وكل صفحاتها مذيلة بعبارة "نسخة لأغراض الحوار المجتمعي"، الذي لا أظنه قد جرى إلا في دوائر ضيقة وغرف مغلقة، وأن الوثيقة الأقصر (15 صفحة) بالإنجليزية تحمل تاريخ 14 مارس 2015، مما يشي بأنها أعدّت على عجل لتكون متاحة في المؤتمر، لذلك سيتركز هذا الفحص السريع لمضمن الاستراتيجية على الأصل بالعربية، وإن كان النقد في الموضوع الموجه للأصل يسري أيضا على الملخص بالإنجليزية".
وأضاف: "ولنتفق بداية على تعريف مبسط للاستراتيجية مؤداه أنها بناء منطقي ينقل نسق (مجتمع أو بلد) ما من حالة ابتدائية محددة إلى حالة مستقبلية مبتغاة"، مبيّنا الوسائل والأدوات الكفيلة بإحداث هذه النقلة التاريخية، وبكل تأكيد فإن وضع استراتيجية محكمة لها فرصة معقولة في التحقق، إن توافرت مقوماتها وطبقت بإخلاص، ليس بالأمر اليسير، خاصة إن كان الأفق الزمني طويلا، والوضع الابتدائي معقدا وشديد البعد عن المرغوب،كما في هذه الحالة.
وتابع: "بداية توحي غرابة بعض المصطلحات المستخدمة باللغة العربية بأن الوثيقة الأصلية قد أعدت أولا بالإنجليزية ثم ترجمت إلى العربية، ولا أستغرب هذا في ضوء تخمين من قام بالإشراف على إعداد الوثيقة، كانت، على الأرجح، من أساتذة الاقتصاد بالجامعة الأمريكية المقربين من نظام الحكم منذ ما قبل الثورة الشعبية، وأشرفت على إعداد وثائق سابقة مماثلة للحكومة، لم ير أغلبها النور".
وأكمل: "وعن طريقة إعداد الوثيقة، يبدو جليا الحرص على مشاركة تركيبة مؤسسية متعاطفة مع الحكومة، مثلا المجتمع المدني ممثل بالمجلس الحكومي للمرأة، بينما تستبعد نقابات العمال المستقلة ومنظمات حقوق الإنسان، وشارك بقوة في التركيبة منظمات أصحاب الأموال، ومانحو المعونات الأجانب، وتشير الوثيقة إلى اعتمادها على استراتيجيات حكومية سابقة يمكن القول إنها فشلت جميعا".
وأردف: "في الموضوع تتفادى الوثيقة تشخيص الواقع الحالي بشمول ودقة، إلا لماما وبشكل مبطن، أشير إلى أمثلة عليه فيما يلي: وبهذا تقفز الوثيقة فوق مشكلات الواقع، التي يتعين تشخيصها بدقة إن أريد التغلب عليها بكفاءة، وكذلك تتغافل الوثيقة عن المخاطر الجسيمة التي تحيط بمستقبل مصر (أذكر فقط المخاطر البيئية المحتملة وعواقب تنفيذ سد النهضة في إثيوبيا التي يبدو أصبحت خطرا قريبا)، ربما لتركز على الأهداف المستقبلية الوردية لنشر نوع من التفاؤل الخادع، ولهذا تركز الوثيقة على وضع مجموعة من الأهداف الإيجابية، الجيدة إجمالا في مجموعة من المجالات الفرعية، ولكنها لا تضع سبلا ووسائل كفيلة منطقيا بالوصول إليها، ولا تقيبم الصلة بين خصائص الواقع الحالي وهذه الأمنيات، وهي من أوليات التخطيط الاستراتيجي، ولا تناقش مدى مواءمة التصرفات القانونية والسياسات الحالية لنظام الحكم الحالي لإمكان التوصل لها".
واستطرد: "مع ذلك، يتعين، بداية، الإشادة بالغاية النهائية للاستراتيجية، "بقوة وعزيمة المصريين وبحلول العام 2030 ستكون مصر الجديدة القائمة على العدالة والتنمية المستدامة، ذات اقتصاد تنافسي ومتنوع يعتمد على الابتكار والمعرفة، يستثمر عبقرية المكان والإنسان ويرقى بجودة الحياة وسعادة المصريين، غير أن تهافت البناء المنطقي للوثيقة كمخطط استراتيجي يجعل من تلك الغاية مجرد صياغة إنشائية رغبية، ويثير شكوكا قوية حول إمكان تحقق هذه الغاية النبيلة".
وأكد أن بعض الأهداف الموضوعة تقع في مضمار الخيال المحض والتمنيات الخيالية، قائلا: "ملحوظة: توصيف الوضع الحالي في الهدفين الأولين يمثل رأيي الخاص، بينما الباقي مستقى من الوثيقة نفسها".
ومضى في تدوينته مشيرا إلى أن الوثيقة لا تتضمن مشروعات تنموية محددة وتقديرات للتكلفة المطلوبة، ما يؤكد أن التفاخر بحصد عشرات المليارات لمشروعات في التطبيل المدوي لعوائد للمؤتمر لم يتم على أساس علمي، بحسب قوله.
وألمح إلى أن الوثيقة تفتح المجال لخصخصة التعليم، خاصة التعليم العالي، بما يفضي حتما إلى إهدار تكافؤ الفرص لمصلحة الأغنياء، على حساب أبناء الفئات الاجتماعية المستضعفة.
واختتم تدوينته: "وفي النهاية، عندي أن الوثيقة، ككل الحكومات التي قامت الثورة الشعبية العظيمة لإسقاطها ولم تفلح بعد، تغافلت عن وضع رؤية استراتيجية محكمة لنيل غايات الثورة الشعبية، ناهيك بالحرية والكرامة الإنسانية، ولذلك أعتبر الوثيقة، كمن أشرفوا على وضعها، والوثائق السابقة التي دبجوها، امتدادا لفكر نسق الحكم التسلطي الفاسد الذي قامت الثورة الشعبية العظيمة لإسقاطه".