شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

المضربون عن الطعام بسجون الانقلاب: أمعاؤنا الخاوية أداة المقاومة

المضربون عن الطعام بسجون الانقلاب: أمعاؤنا الخاوية أداة المقاومة
  «عاملين إضراب لغاية ما يعاملونا كويس.. أنا لسه مضرب عن الأكل وما أكلتش حاجة وأنا عايزك تعرفي الدنيا كلها...

 

«عاملين إضراب لغاية ما يعاملونا كويس.. أنا لسه مضرب عن الأكل وما أكلتش حاجة وأنا عايزك تعرفي الدنيا كلها وتنشروا على النت كدا إن معتقلي دكرنس عاملين إضراب».

 

بهذه الكلمات أبلغ عمر البدراوي (17 عاما) أمه بأن إضرابه عن الطعام دخل يومه الخامس، وطلب منها في نهاية رسالته المأساوية التي وصف فيها أحواله القاسية وتعرضه -هو ومن معه- لصنوف شتى من العذاب ألا تأتي لزيارته مرة أخرى -إشفاقا عليها- طالبا منها الدعاء.

 

وبهذه الرسالة التي رأت النور مؤخرا.. انضم البدراوي ورفاقه إلى طابور من المعتقلين بالسجون المصرية منذ الانقلاب العسكري أعلنوا إضرابا مفتوحا عن الطعام، كوسيلة سلمية للضغط في سبيل الحصول على حقوقهم المشروعة، لعل أشهرهم إعلاميا د.محمد البلتاجي، القيادي بجماعة «الإخوان المسلمين»، المحبوس احتياطيًا بسجن طرة، والنشطاء السياسيين أحمد ماهر (مؤسس حركة 6 أبريل) ومحمد عادل وأحمد دومة.

 

وفي صباح الأحد 29 ديسمبر أعلن البلتاجي تمسكه بمواصلة إضرابه عن الطعام كوسيلة سلمية للمطالبة بحقه بعد أن أرسلت إليه إدارة السجن واعظًا لإقناعه بالتراجع عن إضرابه عن الطعام الذي دخل يومه التاسع، ووفقا لرسالة تم تسريبها من محبس «البلتاجي» ونشرت عبر صفحته على «فيس بوك» فإنه قال: «جاءتني إدارة السجن بواعظ ليقنعني بالتراجع عن قرار الإضراب عن الطعام، فسألته: ما حكم حرمان معتقل سياسي (بل أي إنسان مسلم) من صلاة الجمعة وحبسه في هذه الظروف غير الإنسانية؟ فأجاب بأنه حرام بالطبع، فقلت له: إذن أخبرهم أن يرفعوا هذا الظلم قبل أن تعظني بالتوقف عن الإضراب».

 

المصريون.. المضربون الجدد

 

ولم تعرف مصر إضرابا جماعيا عن الطعام متواترا ومتزايدا على هذا النحو، حيث غالبا ما كان يلجأ إلى الإضراب فرد أو اثنان، لكن يوما واحدا بعد الانقلاب (الأحد 29 ديسمبر) شهد لجوء عمال فندق شهير بالقاهرة (شيبرد) للإضراب عن الطعام والاعتصام على خلفية حقوقية بالتثبيت في أعمالهم وتهديد عمال مصنع للأقلام (تابع لمؤسسة الأهرام) بقليوب بالدخول في إضراب للسبب ذاته، وهوا يلقي الضوء بقوة على تزايد اللجوء لهذه الوسيلة للمطالبة بالحقوق.

 

وبهذا العدد غير المسبوق في التاريخ المصري، تدخل البلاد بقوة في صف البلدان التي اشتهرت تاريخيا باستخدام هذه الوسيلة باعتبارها وسيلة من المقاومة السلمية أو الضغط حيث يكون المشاركون في هذا الإضراب صائمين ممتنعين عن الطعام كعمل من أعمال الاحتجاج السياسي، أو ربما تكون لإشعار الآخرين بالذنب. وعادة هذا الإضراب ما يصاحبه غاية لتحقيق هدف محدد، ومعظم المضربين عن الطعام لا يضربون عن السوائل، فقط الطعام الصلب.

 

وفي الحالات التي تكون فيها الدولة قادرة على احتجاز المضرب عن الطعام كسجين، فإنها أحيانا ما تلجأ لإنهاء هذا الإضراب عادة عن طريق استخدام التغذية الجبرية أي استخدام القوة لإطعامهم.

 

الفلسطيني أطول مضرب

 

ويعد أطول مضرب عن الطعام في التاريخ هو الأسير الفلسطيني سامر العيساوي الذي أتم تسعة أشهر من إضرابه عن الطعام، وهو بذلك يكون صاحب أطول إضراب عن الطعام، وكان العيساوي قد اعتقل عام 2003 وحكم عليه بالسجن لمدة 30 عاما، قبل أن يفرج عنه عام 2011 في إطار صفقة الإفراج عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليت مع حركة حماس، وقال بعد دقائق من الإفراج عنهمن أمام سجن شرطة داخل إسرائيل: "هذا الإضراب نتاج تربيتي بألا أتنازل عن حقي، لقد انتصرنا على هذا الاحتلال".

 

العيساوي لم يكن الفلسطيني الوحيد المستخدم لهذه الوسيلة، ففي فبراير 2012 بدأ ما يقرب من 1800 سجين فلسطيني محتجزين في السجون الإسرائيلية إضراباً جماعياً عن الطعام احتجاجا منهم على تطبيق الاعتقال الإداري، حيث تحتجز إسرائيل قرابة 4.386 سجينا فلسطينيا، 320 سجينا منهم رهن الاعتقال الإداري، وتضمنت مطالب المضربين عن الطعام حق الزيارات العائلية للسجناء من غزة، وإنهاء تمديد الحجز الانفرادي، وإطلاق سراح المعتقلين إداريا.

 

وفي 14 مايو، تم الإعلان عن موافقة السجناء على إنهاء إضرابهم عن الطعام بعد توصلهم لاتفاق مع السلطات الإسرائيلية بوساطة مصرية وأردنية في أعقاب طلب رسمي من الرئيس محمود عباس. وبموجب الاتفاق، فقد وافقت إسرائيل على قصر مدة الاعتقال الإداري على 6 شهور فقط عدا في حالات تظهر فيها أدلة جديدة ضد المشتبه به، وعلى زيادة الزيارات العائلية وعلى إعادة المحتجزين انفرادياً إلى الزنزانات العادية.

 

إيرلندا الأقدم إضرابا

 

وتاريخيا، عرف الإضراب قديما عندما استُخدم كوسيلة من وسائل الاحتجاج في إيرلندا ما قبل المسيحية، حيث كانت توجد قواعد محددة للإضراب عن الطعام في ذاك الوقت، وفي كثير من الأحيان يكون الإضراب عن الطعام أمام منزل الجاني، ويعتقد العلماء أن الإضراب أمام منزل الجاني يرجع إلى الأهمية العالية في حسن الضيافة آنذاك، حيث يعتبر السماح للشخص المضرب عن الطعام بالموت أمام المنزل عارا كبيرا لصاحب هذا المنزل.

 

ونظرا لتجذر الإضراب عن الطعام بعمق في المجتمع الإيرلندي والروح الإيرلندية فقد استخدم الجمهوريون الإيرلنديون هذه الطريقة منذ العام 1917 وأيضاً خلال الحرب الإنجليزية-الإيرلندية في العقد الثاني من القرن الماضي. وأول إضراب عن الطعام قام به الجمهوريون قابله البريطانيون بالإطعام القسري، والذي تصاعد في العام 1917 ووصل ذروته بوفاة “توماس آش” في سجن “مونتجوي”.

 

«غاندي» الأشهر

 

ولعل أشهر من لجأ إلى الإضراب كان «المهاتما غاندي» الذي سجن لدى الحكومة البريطانية، وبسبب مكانته العالمية فقد كرهت الحكومة البريطانية أن يموت وهو في عهدتها، وذلك خوفاً من تأثر سمعتها بهذا الحدث. وشارك “غاندي” في العديد من أحداث الإضراب عن الطعام وذلك احتجاجاً على الحكم البريطاني في الهند، وكان الصوم وسيلة غير عنيفة وفعالة لإيصال الرسالة ويساهم في تحقيق أهداف الاحتجاج بشكل كبير أحياناً.

 

وبالإضافة إلى “غاندي” فقد استَخدَم كثيرون آخرون من الهنود خيار الإضراب عن الطعام خلال مرحلة استقلال الهند، ومن هذه الشخصيات جاتين داس” (الذي صام حتى الموت)، و”بهجت سنغ” و”دوت”.. وخلال هذا الإضراب الذي استمر 116 يوماً وانتهى بخضوع الحكومة البريطانية لمطالبهم اكتسب “بهجت سنغ” شعبية كبيرة بين عامة الهنود حيث كانت شعبيته قبل الإضراب محصورة في إقليم البنجاب بشكل خاص.

 

"المضربات" في بريطانيا

 

كما خاضت المُطالِبات بحق اقتراع المرأة في مطلع القرن العشرين إضراباً عن الطعام في السجون البريطانية. وكانت “ماريون دونلوب” أول من بدأ الإضراب عن الطعام في العام 1909. وقد أُطلق سراحها حيث أن السلطات لم ترغب في إظهارها بمظهر الشهيدة. وحذت حذوها باقي المُطالبات بحق اقتراع المرأة في السجن وبدأن الإضراب عن الطعام، مما دفع سلطات السجن إلى إخضاعهن للإطعام بالقوة، الأمر الذي صنفته المُطالِبات كنوع من أنواع التعذيب. وقد توفيت كل من “ماري كلارك” و”جين هيوارت” و”كاثرين فراي” وغيرهن نتيجة لما تعرضن له من إطعام قسري بالقوة.

 

وخلال 1980 وبعد الانقلابات العسكرية، ازدادت عمليات قمع الحركات الإشتراكية، وتم سجن العديد من النشطاء السياسيين والقوميين في ظروف قاسية وغير إنسانية أبداً. ورداً على ذلك، سجل في العام 1984 أول إضراب عن الطعام في تاريخ تركيا، احتجاجاً على أساليب التعذيب والمعاملة الوحشية التي يتلقاها السجناء السياسيين. وقد أودى هذا الإضراب بحياة أربعة من اليساريين الثوريين: “عبد الله ميرال”، و“حيدر بسباق”، و“فاتح أوكتولموس”، و“حسن تيلسي”. الجدير بالذكر أن السجناء السياسيين في تركيا قد تبنوا تقليداً معيناً للإضراب عن الطعام يستعمل حتى الآن، ويذكر أنهم استوحوه من الجمهوريين الإيرلنديين.

 

ومن الناحية الطبية، فإنه من المعتاد في أول ثلاثة أيام من الإضراب عن الطعام أن يقوم الجسم باستخدام الطاقة الممتدة من الجلوكوز، وبعد ذلك يبدأ الكبد بمعالجة الدهون في الجسم وتسمى هذه العملية بـ الكيتوزية، وبعد ثلاثة أسابيع يدخل الجسم في وضع الجوع، وفي هذه الحالة تنقص العضلات والأجهزة الحيوية في الجسم للحصول على الطاقة، وأيضاً فقدان نخاع العظم الذي يهدد حياة الإنسان. وهناك أمثلة لبعض المضربين عن الطعام توفوا بعد ٥٢ حتى ٧٤ يوماً من الإضراب عن الطعام.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023