شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

هدم الدولة.. اغتيال العقول وسجنها! ـ شعبان عبد الرحمن

هدم الدولة.. اغتيال العقول وسجنها! ـ شعبان عبد الرحمن
    الأساس فى بناء «الدولة».. أى دولة.. هم عقولها المتميزة التى تفكر وتخطط وتنفذ وتبنى تلك الدولة بكل...
 
 
الأساس فى بناء «الدولة».. أى دولة.. هم عقولها المتميزة التى تفكر وتخطط وتنفذ وتبنى تلك الدولة بكل أركانها الاقتصادية والمعمارية والعسكرية والحضارية والتعليمية.. إلخ، ومن يخطط لهدم «دولة».. أى دولة.. تكون نقطة الارتكاز هى تجريدها من عقولها المتميزة؛ أى كوادرها التى تبنى نهضتها.
 
كلنا يعلم تاريخ تأسيس الولايات، وكيف أن جلب العقول من شتى بقاع الأرض كان حجر الزاوية فى النهضة، واحتلال الولايات المتحدة المركز الأول والقوة الأولى على مستوى العالم.. فقد نزح إلى الولايات المتحدة معظم بناة حضارتها من العالم، بدءًا من بناة ناطحات السحاب وعمال المصانع وشق الطرق، وكل الأعمال الشاقة الذين تم اقتيادهم من القارة الإفريقية بالقوة الاستعمارية، وجلبت العلماء والخبراء والعقول الماهرة عبر حشد امتيازات وتقديم إغراءات وتوفير أجواء جعلت كثيرًا من العلماء فى العالم يتسابقون للعمل هناك، ثم يستقرون على أراضيها.. وما زالت الولايات المتحدة تخصص برنامجًا طموحًا عبر وزارة الخارجية لجلب أوائل المدارس المتوسطة والثانوية فى العالم الإسلامى لنيل قسط من التعليم هناك؛ ومن ثم ترتيب عقولهم لتتفق مع الهوى والثقافة الأمريكية، فإذا ما عادوا كانوا سفراء لواشنطن فى بلادهم، فى برنامج متواصل أسميته فى مقال سابق «سرقة العقول».
 
وعندما قرر الاستعمار الرحيل عن بلادنا فى منتصف القرن الماضى لم يرحل إلا بعد أن رتب من يخلفه ممثلًا فى أذرع سياسية وثقافية وعسكرية ومخابراتية واقتصادية من أهل تلك البلاد، وقد أعد طبقة  كبيرة إعدادًا علميًّا ومهنيًّا، وأنفق عليها وبوَّأها قبل أن يرحل مفاتيح الحياة فى بلادنا، فكانوا شر خلف لشر سلف، وما نشاهده ونتابعه ونعانيه فى بلادنا من تلك الطبقة خير شاهد ولا يحتاج إلى مزيد من التفصيل..
 
وفى المقابل -كما أسلفت– فإن هدم «الدولة».. أى دولة.. يكون بتجريدها من عقولها وبناة نهضتها.. فإذا قضت على العلماء والخبراء والأساتذة ورجال القانون والتعليم والاقتصاد بقتلهم أو سجنهم أو نفيهم أو منعهم من العمل، فذلك كافٍ لتخريب الدولة ووقف نموها وإلحاقها بدائرة التخلف وإسقاطها فى دوامة الضعف والانهيار، فيسهل ابتلاعها من أى قوة كبرى، كما يسهل قيادها ورهن قرارها وتوجهها لمن هو أقوى منها، هكذا فعلوا فى ألمانيا بعد سقوطها وهزيمتها فى الحرب العالمية الثانية، وهكذا فعلوا فى العراق بعد إزاحة المجرم «صدام حسين»، ولم يكن الهدف أبدًا إزاحته فقط، وإنما تبين أن الهدف الأكبر هو تركيع العراق وإلحاقه بالتخلف، وكان من السبل الرئيسة لتحقيق ذلك هو تجريد هذا البلد الذى كان غنيًّا قويًّا من عقوله حتى ينهار.
 
وأتوقف هنا أمام ذلك التقرير الموثق الذى نشرته الصحافة البريطانية ومواقع إعلامية أخرى.. فى 22/3/2013م كشفت مجلة «المشاهد السياسى» البريطانية فى ملف خاص عن هدم الدولة وتخريب الوطن العراقى عن قتل 5500 عالم عراقى من العلماء والدكاترة والأطباء العراقيين، نقلًا عن صحيفة «أخبار جهينة» التى كشفت عن أن عملية وأد العقول العراقية التى بدأت فى اليوم الثانى لسقوط بغداد، تتوزع بين أطراف ثلاثة هى:
 
«الموساد  الصهيونى» الذى أوفد مجموعات سرية إلى العراق لمطاردة العلماء والباحثين والمفكّرين والدكاترة والأطباء، لا سيما الطاقمين النووى والكيميائى والهندسى والصناعى، وتصفيتهم.. بناء على قرار اتخذ على أعلى المستويات الأمنيّة فى الكيان الصهيونى.
 
المخابرات الأمريكية المركزية، التى قدّمت عروضًا مغرية للعلماء العراقيين من أجل التعاون معها، بينها تأمين عقود عمل لهم فى الولايات المتحدة وضمان سلامتهم، والذين رفضوا هذه العروض تمّت مطاردتهم وتصفيتهم على مراحل.
 
أما  الطرف الثالث فهو فريق عراقى، وقد صدرت إليه التعليمات بالانخراط فى حملة التصفية بناء على توجيهات خارجية.
 
وقد نشر موقع «العراق – ٥» الإلكترونى معلومات أكثر تفصيلًا، مستندًا إلى تصريحات أدلى بها د. زياد عبد الرزاق، وزير التعليم العراقى السابق (فى زمن صدّام) يقول فيها: إن ١٥٥٠٠ عالم وباحث وأستاذ جامعى عراقى فصلوا من أعمالهم فى سياق الحملة الأمريكية-الصهيونية التى استهدفتهم.
 
ومن هنا، فلن أجد بعد هذه المقدمة الطويلة جهدًا فى القول بأن عملية الانقلاب الغادر التى وقعت فى مصر ترافقها حرب غير معلنة لتجريد مصر من عقولها وعلمائها وقادة فكرها الأحرار الوطنيين؛ سعيًا لهدمها مثل العراق وغيرها من الدول التى يغرس الصهاينة والأمريكيين فيها مخالبهم.. ووفق الإحصاءات الشحيحة المضروب عليها ستارًا حديديًّا عن أعداد العلماء والعقول المتميزة الذين سقطوا  شهداء خلال فض الاعتصامات والمظاهرات المقاومة للانقلاب، وكذلك الذين تم الزج بهم فى غياهب المعتقلات، فمن بين الذين سقطوا شهداء وجرحى نسبة العقول الكبيرة بينهم تصل إلى 50% على أقل تقدير، وهى نفس النسبة تقريبًا من بين الذين تم الزج بهم خلف القضبان (حوالى 13 ألفًا) وما زال العدد يتزايد من شهداء وجرحى ومعتقلين.
 
وقد كانت صرخة العالم الجليل د. صلاح سلطان من خلف القضبان أمام محكمة الانقلاب قائلًا: "أنا محكِّم دولى فى الترقية لمستوى الأستاذية، وأشرف على 40 رسالة دكتوراه، ولى أكثر من 70 كتابًا وأكثر من 1000 برنامج تلفزيونى"، كانت صرخة لفتت انتباه كل الأحرار لما يحاك لهدم الدولة المصرية تحت ذريعة اتهامات باطلة!
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
مدير تحرير مجلة المجتمع الكويتية *


تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023