سلطت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، الضوء على المعاملة القاسية التي تعاملها مصر لسكان قطاع غزة، منذ حرب 1948، وحتى الآن، كاشفة في مقال للكاتب الفلسطيني «محمد شهادة»، أنها المسؤولة عن تسليم ثلث مساحة غزة للاحتلال الإسرائيلي عام 1950، حينما كان يحكمها الحاكم العسكري المصري محمد رياض بعد احتلالها، مسلطا الضوء أيضا على الطريقة التعسفية وحملات الاعتقالات والتعذيب التي طالت النشطاء الفلسطينيين خلال تلك الفترةة، وهي الحملات المستمرة حتى الان ضد كل ما هو فلسطيني.
ووفق ما ترجمت «شبكة رصد»، تعد مصر البلد العربي الوحيد المتاخم لغزة، وترتبط ارتباطا وثيقا بالمعاناة التي يعانيها سكان القطاع والبؤس الذي يعتريهم، إلا أنه طالما ظلت مصر واقعة تحت حكم الديكتاتوريين والاستبداديين فإن غزة محكوم عليها أن تظل تعاني.
في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، استولى الجيشان المصري والأردني على 22% من مساحة فلسطين، حيث ضمت الأردن الضفة الغربية ومنحت سكانها حقوقهم كاملة، بما فيها الجنسية الأردنية، وحتى اليوم يوجد فلسطينيون حاملون لجوازات سفر أدرنية دائمة أو مؤقتة، كما أنهم يستطيعون السفر إلىا لأردن دون أية قيود.
إلا أن مصر رفضت ضم قطاع غزة، وقامت بفرض حصار عليها، وثبتت قوة احتلال فيها مكونة من المخابرات الحربية وعينت عليها حاكما عسكريا، وكان أول حاكم لها هو محمود رياض والذي أصبح فيما بعد الأمين العام الثالث للجامعة العربية، وكانت أول خطوة لرياض، هي التخلي عن حوالي ثلث القطاع «200 كيلو متر» إلى إسرائيل في عام 1950، بعد أن اشتكى الجيش الإسرائيلي من أن اللاجئين الفلسطينيين في غزة، كانوا يعبرون باستمرار خط الهدنة لزيارة قراهم المدمرة.
وشملت غزة حينها 247 قرية مدمرة، فيما رفضت مصر تحمل المسؤولية تجاه سكانها البالغ تعدادهم مليون نسمة حينها، ورغم أن غزة كانت إحدى الخطوط الأمامية للدفاع المصري في صراعها مع إسرائيل، إلا أن موقف النظام المصري تجاه سكان غزة كان مخزيا، وتحملت قوات الاحتلال المسؤولية باعتبارها قوة احتلال وفقا للقانون الدولي، وهو الموقف الذي مازالت مصر تحتفظ به حتى الآن.
كما احبطت مصر الجهود الفلسطينية للتعبئة السياسية ومحاولة اختيار قادتهم، وشرعت في تجريد قطاع غزة حينها من السلاح من فصائل المقاومة، تحت مظلة وعد مصر لم يتحقق أبدا «تحريركم واجب علينا لا عليكم».
وعلاوة على ذلك، قاد الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، حملة اضطهاد ضد جماعة الإخوان المسلمين والشيوعيين واليهود، وشملت الحملة اعتقالات تعسفية للنشطاء الفلسطينيين والنقابيين والمثقفين في قطاع غزة.
وقال محرر الصحيفة، إنه التقى مؤخرا في كوبنهاجن «أم فادي»، وهي سيدة فلسطينية وأم لثلاثة أبناء وهي الآن في الثمانينات من عمرها، واسترجعت بذاكرتها خلال حفل عشاء كيف قام الجيش المصري عام 1959 باعتقال الآلاف من النشطاء في قطاع غزة خلال حملات ليلية، ونقلهم إلى سجن عسكري في مصر، وكان زوجها «فخري» أحد هؤلاء المعتقلين، مشيرة إلى أن اعتقالهم كان دون سبب واضح.
وبحلول الفجر حينها، سارعت أم فادي إلى معبر رفح كي تتمكن من زيارة زوجها، إلا أن الانتقال من غزة لمصر عبر المعبر حينها كان مهمة مستحيلة، دون دفع رشوة لا يمكن تحملها لحراس المعبر، في حين لم يكن يملك الفلسطينيين حينها خاصة اللاجئين سوى وثيقة سفر أصدرتها لهم مصر، كي يعبروا بحرية، وهو مالم يكن يحدث.
وتحكي أم فادي، عن جدتها الفلسطينية ذات الأصول المصرية، والتي عانت أيضا أثناء محاولتها عبور الحدود إلى مصر، مشيرة إلى أنها أخبرتها بأن الأمن طلب منهم دفع الأموال أولا من أجل السماح بعبورهم، مؤكدة أن من يقدم مبلغا أقل من المطلوب كان معرض لخطر الاعتقال من قبل الضباط القائمين على المعبر، ولا يزال هذا التقليد قائما حتى يومنا هذا، حيث يضطر المسافرون إلى دفع رشوة لا تقل عن 2000 دولار كي يتمكنوا من عبور الحدود.
وبعد تمكنها أخيرا من الوصول إلى السجن العسكري في مصر، طالبت أم فادي بتوكيل محام لزوجها غير أن طلبها قوبل بالرفض، بحجة مخاوف أمنية قومية، ولحسن حظها كان لديها صديقة تدعى «عفاف أبو حصيرة» متزوجة من ضابط عسكري مصر، وهو الذي سهل لها لقاءمأمور السجن حينها «حمزة البسيوني» لتقدم التماس كي ترى زوجها.
لكن ذلك لم يتم بسهولة، حيث طلبت عفاف من أم فادي دفع رشوة مالية للسجن كي تتمكن من رؤية زوجها، واضطرت إلى بيع مجوهراتها للحصول على تصريح بالزيارة، وبعدما دخلت ساحة السجن صدمت من مناظر المعتقلين، ممزقة ملابسهم، يتعرقون بغزارة تحت أشعة الشمس الحارقة، وتقريبا جوعى حد الموت، وأجسادهم ممتلئة بالندوب والكدمات جراء عضات الكلاب وجلد الحراس.
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، حيث تم ابتزازها مرة أخرى لتجنيب زوجها حفلات التعذيب اليومي والإهانات داخل السجن، وكان على أم فادي أن تبيع أرضها في قطاع غزة بسعر أقل من ثمنها الحقيقي كي تستطيع دفع قيمة الرشوة الضخمة، لنقل زوجها إلى سجن غير عسكري في الواحات، وفي كثير من الأحيان لم تستطع أم فادي زيارة زوجها، وبقي في السجن لمدة 4 سنوات دون تهمة محددة أو محاكمة.
وفي عام 1967، فقدت مصر سيطرتها على قطاع غزة، إلا أن النظام ظل معاديا لسكانه، غير أن حملة أنور السادات اختلفت عن عبدالناصر، حيث شرع الرئيس الراحل في اعتقال وترحيل الطلاب فلسطينيين بالجامعات المصرية عام 1987، حيث يقول كاتب المقال، إن والده كان يدرس الطب في جامعة القاهرة عندما ألقت قوات الأمن المصرية «سيئة السمعة» القبض عليه، وكان هدفهم الأساسي هو ترهيب المعارضين للنظام، وأجبرت والدته أيضا على بيع ممتلكاتها كي تتمكن من رشوة الحراس في السجن المودع به نجلها، وكي تتمكن من إعادته للجامعة.
وظلت مصر هكذا حتى ثورة 2011، حيث أعيد فتح الحدود بين غزة ومصر، وانطلقت وفود بين الجانبين، وكان الغزاويين فخورين بتمكنهم من زيارة مصر اخيرا دون قيود، إلا أنه من المؤسف أن العصر الذهبي لم يدم طويلا، حيث قام ديكتاتور عسكري آخر بإغلاق الحدود مرة أخرى، وأعاد القطاع مرة إلى عصر الظلم والبؤس والخوف، ثانية.
وغير ذلك، وفقا للمحرر، يخشى المصريون من الاضطهاد إذا ما ثبت صلتهم بأحد من غزة، وكأن سكان غزة كالطاعون أو العيب الأخلاقي الذي يجب الابتعاد عنه، مضيفا «في 2014، اختير ابن عمي بشكل عشوائي من الشارع ليكون شاهدا في قضية لم يكن لديه أي اتصال بها، وعندما علم الضابط أنه من غزة رغم أنه يحمل الجنسية المصرية، وصفه بأنه إرهابي، واحتجزه عدة أسابيع دون إبلاغ أسرته والتي بحثت عنه وتمكنت من الوصول إليه».
«وأصبح من المستحيل عمليا على سكان غزة البالغ تعدادهم 2 مليون نسمة السفر من سجنهم إلى أي بلد عربي، منذ صعود عبدالفتاح السيسي إلى السلطة،خاصة وأن مصر هي بوابة القطاع الوحيدة على العالم الخارجي، وهي من تقرر إعطاء أو سلب هذا الحقه من تريد، وقبل أسبوعين فتحت المعبر لثلاثة أيام فقط بعد إغلاق طويل، وفشلت أسرتي، في مغادرة غزة للمرة الخامسة على التوالي؛ لأنهم لم يتمكنوا من دفع الرشوة».