قالت «شبكة الجزيرة» إنّ السياسة الأميركية للشرق الأوسط في السنوات الماضية مهّدت الطرق لإيران وساهمت في توسيع نفوذها دون أن تدرك ذلك؛ فجهودها طيلة هذه المدة للحفاظ على الحدود السياسية فقط، ولم تستطع اتّخاذ أيّ رد جاد تجاه وجود إيران بشكل فاعل؛ سواء في العراق أو سوريا، وهو ما ساهمت فيه سياساتها.
وأضافت، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ التطلعات الكردية من أجل الاستقلال واجهت مقاومة عنيفة من جهات فاعلة في الشرق الأوسط، وهي الدول التي فضّلت السلامة الإقليمية للعراق؛ وحجّتهم أنّ استقلال كردستان سيقوّض استقرار العراق. وبغض النظر عما إذا كانت هذه التنبؤات صحيحة، فالمنطقة الوحيدة والمستقرة في العراق شابها الآن الاضطراب.
ظهور إيران
دفع المأزق السياسي الناشئ عن الصراع الكردستاني وسياسة بغداد العدوانية للسيطرة على الحدود كردستان العراق بسرعة إلى الاضطرابات، كما زادت العقوبات المفروضة حديثًا عليها من تفاقم الوضع، بجانب المفاوضات بشأن الميزانية العراقية لعام 2018، التي تعمّق الأزمة الاقتصادية الجارية.
وأدى استمرار السياسات الدولية والإقليمية المتعلقة بالعراق إلى ظهور لاعب رئيس آخر، وهو إيران؛ فنفوذها المتزايد على بغداد أثناء الحرب ضد تنظيم الدولة انتهى بسيطرة وكلائها على «المناطق المتنازع عليها» وكردستان، وأصبح مستقبل العراق الآن في أيدي إيران وليس أي جهة إقليمية أو دولية أخرى.
وفاجأ الدور الحاسم للحرس الثوري الإيراني، بتدخله مع القوات العراقية في كركوك بعد يومين فقط من فرض ترامب عقوبات جديدة على الحرس الثوري، بدعمه للإرهاب.
موقف الولايات المتحدة
كما إنّ تصريحات وزير الخارجية الأميركي «ريكس تيرلسون» وطلبه بعودة المليشيات في العراق إلى ديارها بعد أسبوع من تدخل الحشد الشعبي المدعوم من إيران لأول مرة للسيطرة على كركوك لم يكن جادًا، وكان موقف الولايات المتحدة غير مبالٍ، إن لم يكن داعمًا؛ وأوضح أنّ رد بغداد على تيرلسون كان السيطرة المتزايدة لإيران في العراق.
وفي ضوء التطورات السعودية التي تدعمها الولايات المتحدة وتستهدف إيران وحلفاءها مباشرة في المنطقة، اختارت واشنطن التخلي عن الأكراد وترك المجال السياسي العراقي مفتوحًا على نطاق واسع لطهران.
وترى الولايات المتحدة أنّ السلام يعني السلامة الإقليمية، ولم تنجح أميركا أبدًا في التوصّل إلى أيّ اتّفاق سلام دائم لأيّ نزاع اندلع في الشرق الأوسط، بالرغم من حصول الرئيسين «جيمي كارتر وباراك أوباما» على جائزة نوبل للسلام لجهودهما لتحقيق هذه الغاية.
وسجّلت الولايات المتحدة نجاحًا نسبيًا في احتواء الصراعات داخل مناطق معينة، وكانت حماية الحدود السياسية القائمة في الشرق الأوسط الأولوية الأولى للولايات المتحدة، كما عُرّف الاستقرار الذي تجلبه اتفاقات السلام على أنه مجرد حالة من «السلامة الإقليمية».
لذلك؛ لم يكن رد فعل واشنطن تجاه الأزمة المندلعة في الشرق الأوسط بسبب الربيع العربي استثناء، وبما أن الطبيعة العابرة للحدود للربيع العربي كانت قبل كل شيء تهديدًا للحدود السياسية القائمة، وحاولت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي ككل الحفاظ على الاستقرار مرة أخرى؛ بتعزيز السلامة الإقليمية لكل دولة، عن طريق الدعم المستمر للنظم الديكتاتورية.
ومن العدل الادّعاء بأنّ تنظيم الدولة شكّل تهديدًا عالميًا ليس بسبب أعماله الوحشية فحسب؛ بل بسبب إزالته الحدود السياسية بين سوريا والعراق.
في النهاية، كانت المعركة ضد تنظيم الدولة، ومحاولة احتواء الصراع داخل العراق وسوريا، للحفاظ على الحدود السياسية القائمة؛ بينما لا يوجد جهد ملحوظ لإحلال السلام في حقبة ما بعد تنظيم الدولة، ولا توجد سوى محاولات لإعادة الوضع كما كان عليه سابقًا، الذي تسبب أصلًا في نشوء تنظيم الدولة.
الأكراد وتعزيز موقف إيران
أصبح دور الأكراد اليوم عودتهم إلى مكانهم الصحيح داخل الحدود السياسية القائمة، وظلّت هذه المشكلة قائمة حتى اندلاع ثورات الربيع العربي؛ لكنّ الحرب في سوريا وصعود تنظيم الدولة حوّلا القضية الكردية إلى قضية إقليمية، واختفت الحدود التي تتنازع عليها.
وفي أعقاب هذا التحوّل الوجودي، تحوّل الكفاح المثمر من أجل الحقوق الديمقراطية إلى صراع من أجل الدفاع عن كردستان، ومهّد الطريق للتطلعات الكردية بالحكم الذاتي، وكانت الولايات المتحدة أهم مساهم فيها حتى لو لم تؤيّد أيًا من هذه الرغبات الكردية صراحة.
ودعمت الولايات المتحدة أكراد العراق وسوريا للسيطرة على أكثر من 210 كم من الحدود العراقية السورية، وشجعتهم على التعاون. على سبيل المثال: في كوباني عام 2014، حتى بدأت اجتماعات «دهوك وأربيل» لبناء شراكة سياسية وعسكرية بين حكومة إقليم كردستان وإدارة روجافا.
وفي هذا السياق، مواقف الولايات المتحدة المتناقضة من التطورات الأخيرة في العراق مراجعة لسياسة متناقضة أوسع نطاقًا تتعلق بدورها في أعقاب توازن سياسي كردستاني جديد في الشرق الأوسط.
وفسّر الأكراد في العراق رد الفعل الأميركي على الاستفتاء الكردي دليلًا على أنه يجب ألا يتجاوزوا حدودهم المخصصة، ويرى الأكراد السوريون أنّ الإجراءات الأميركية تلفت إلى أن التوقيت ربما كان خاطئًا.
وإذا كانت النية مجرد الحفاظ على الاستقرار في العراق، فالولايات المتحدة يمكن أن تدير بسهولة الاستفتاء الكردي وبطريقة سلمية، وأكّد رئيس حكومة إقليم كردستان آنذاك «مسعود بارزاني» مرارًا أنّ الاستفتاء لا يعني إعلانًا فعليًا بالاستقلال وأنه تعبير عن الإرادة الكردية.
لكنّ الولايات المتحدة لا تفضّل أن تؤدي إلى التوترات التي مهدت الطريق في نهاية المطاف لمزيد من النفوذ الإيراني في العراق وحسب؛ ولكن أيضًا الجلوس ومشاهدة حكومة إقليم كردستان، لكنها –الحكومة- اكتسبت حتى الآن قيمة تمثيلية رمزية وقوة معبرة عن جميع الأكراد خارج حدود كردستان العراق، وتشير هذه التطورات جميعها إلى فشل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.