منذ اندلاع ثورات الربيع العربي في الشرق الأوسط في عام 2011م، دخلت المنطقة في حالة من الاضطراب، وأصبحت الدول العربية عاجزة عن السيطرة أو التغلب على الانقسامات المحلية، وحتى قبل 2011م فشلت دول مثل لبنان والعراق والصومال وفلسطين في التماسك، وبعد 2011م انضمت إليهم سوريا واليمن؛ وبالمثل عانت مصر من أزمة سياسية انتهت بانقلاب عسكري، وفي نهاية المطاف انشغالها بالبحث عن الطعام.
من الرابح والخاسر إذًا؟ هذا ما تجيب عنه صحيفة «ميديل إيست فوريم» في تقريرها التالي.
تقول الصحيفة إنّ الأنظمة الجمهورية في المنطقة أصبحت تحت ضغط متزايد من بعد ثورات الربيع العربي، وبينما نجحت الأنظمة الملكية في النجاة من هذه العاصفة السياسية؛ فإنّ مستقبلها غير مضمون حتى الآن.
النفوذ السني والإيراني
ووضع تزايد النفوذ الإسلامي ضغوطًا إضافية على الدول العربية، بجانب الارتفاع السريع لتنظيم الدولة في سوريا والعراق، الذي تجاوز حدود الشرق الأوسط. وعلى الرغم من هزيمته العسكرية؛ لا تزال أيدولوجيته رنانة في أحياء إسلامية. ولذلك؛ ما زالت الأماكن تحوي أفرادًا من تنظيمي القاعدة والدولة، سواء في المنطقة أو خارجها، لا تزال تهدد السلام والاستقرار فيها.
بينما أصبح الانقسام السني الشيعي سمة ثابتة من السمات السياسية في الشرق الأوسط، وأصبح أكثر هيمنة مع تزايد الخوف من إيران، فالاتفاق النووي لعام 2015 بين إيران والقوى العالمية يُنظر إليه عمومًا في الشرق الأوسط على أنه انتصار دبلوماسي إيراني (شيعي وفارسي).
كما تحوّل العراق، الذي تهيمن عليه الشيعة (باستثناء المنطقة الكردية)، إلى ما أسمته «قمرًا صناعيًا إيرانيًا»، كما أسس التدخل العسكري الإيراني في سوريا نيابة عن الرئيس السوري بشار الأسد في سوريا ممرًا شيعيًا من إيران إلى البحر الأبيض المتوسط. وتواصل إيران برنامجها الصاروخي بعيد المدى دون هوادة، وتحقق تقدمًا حتى في المجال النووي في حدود الاتفاق المشار إليه، كما يحكم وكلاؤها «بغداد وبيروت ودمشق والصنعاء»؛ ما يلفت إلى تزايد النفوذ الإيراني.
السعودية المصابة بالضعف
في المقابل، أصاب الضعف القوى السنية؛ ففشلت المملكة العربية السعودية (وكذلك تركيا السنية) في طرد بشار الأسد، حليف إيران في سوريا، وفي حين دفع ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» المملكة العربية السعودية إلى موقف أكثر قوة؛ فإنه فشل في كسب الحرب الأهلية في اليمن.
إضافة إلى ذلك، لم تنجح الرياض حتى الآن في إجبار جارتها الصغرى قطر على وقف تأييدها لإيران والجماعات الإسلامية.
مصر وأولوية الغذاء
أما مصر، الدولة العربية السنية الهامة في المعسكر المعتدل، اختفى وزنها التقليدي الإقليمي في الشرق الأوسط؛ بسبب مشاكلها الاقتصادية الهائلة، إذ أصبح توفير الغذاء للشعب المصري أولوية القاهرة الأولى.
وفي الوقت نفسه، تقاتل القاهرة ضد المعارضين الإسلاميين في الداخل؛ وهو وضع لا يترك سوى القليل من الطاقة للمساعي الإقليمية، ولن يتغير في أي وقت قريب.
«إسرائيل» عضو المعسكر السني
وقالت الصحيفة إنّ الاحتلال الإسرائيلي عضو غير رسمي في المعسكر السني المعتدل؛ لأنه يشاطر قلقه الرئيس من إيران مع هذه الدول، وفي حين أن «إسرائيل» قوية وقادرة على استخدام القوة عند الضرورة، فإنها مترددة في التدخل خارج حدودها.
ويعتمد هذا النهج الحصيف على فهم أنّ «إسرائيل»، وهي كيان صغير يتمتع بموارد محدودة، تفتقر إلى القدرة على الهندسة السياسية في الشرق الأوسط؛ فالوجود الإيراني المتزايد بالقرب من حدودها قد يصبح تحديًا عسكريًا خطيرًا.
الولايات المتحدة وروسيا
وفيما يتعلق بالولايات المتحدة، فإن فك ارتباطها عن الشرق الأوسط، الذي اتبعته السياسة الخارجية للرئيس السابق باراك أوباما، لا يزال مستمرًا؛ ففي عهد أوباما كان ينظر إلى محاولة اشتراكها فيما يحدث بسوريا وإيران على أنها ضعف، وانتهت بالاتفاق النووي الإيراني، وهو في صالح إيران أكثر من أميركا، كما ساهمت حملة الهوس في هزيمة داعش، التي بدأها أوباما واستمرت من دونالد تامب، على تعزيز المخططات الإيرانية في المقام الأول.
وفشلت إدارة ترامب الجديدة حتى الآن في صياغة نهج متماسك تجاه الشرق الأوسط. إضافة إلى ذلك، يزيد التآكل التدريجي في قدرة الولايات المتحدة على تقديم القوة إلى المنطقة من الإحساس بأن أميركا فقدت القدرة على لعب دور في السياسة الإقليمية، بينما مُلئ الفراغ الناجم عن الضعف الأميركي إلى حد ما من الروس؛ وهو ما ترجمته في التدخل العسكري الروسي بالحرب الأهلية السورية لإنقاذ نظام بشار من الهزيمة، وقيدت تورط تركيا في سوريا وساعدت على زيادة التعدي الإيراني في المنطقة.
العملاق الصيني
أيضًا، تزايد الاهتمام الصيني في المنطقة من بعد ثورات الربيع العربي؛ إذ سعت الصين إلى إنشاء ما يسمى «الحزام الاقتصادي لطريق الحرير»، وهو مشروع بنية تحتية طموح يهدف إلى ربط الشرق الأوسط بالمساعي الاقتصادية والسياسية الصينية؛ إذ افتتحت الصين أولى قاعدة بحرية في الخارج في جيبوتي في يوليو عام 2017. تقع على نقطة حرجة البحرية الهامة، إضافة إلى أن تركيبتها العسكرية المعبرة عن ثقافتها المتنامية كقوة عالمية ناشئة قادرة على حماية مصالحها في الشرق الأوسط وإفريقيا وغرب المحيط الهندي.
وهو ما يثبت أن القوى خارج الإقليم أصبحت قادرة على إعادة تشكيل سياسات المنطقة، وعادة ما تكون حاسمة في تحديد النتائج السياسية، ويقدم تاريخ الشرق الأوسط أمثلة عن الجهات الفاعلة الخارجية التي تلاعبت بخطط القوى الإقليمية وفرضت رؤيتها.
إيران وتركيا
من هذا المنظور، ونظرًا للأزمة العميقة في العالم العربي، فمن المنطقي أن تكون العلاقات بين إيران وتركيا عاملًا رئيسًا في تصميم الاتجاهات المستقبلية في المنطقة، وهما أكبر قوتين طموحتين وقادرتين على القيام بدور جاد، وعلى الرغم من التنافس التاريخي بين الهوية الشيعية والسنية يبدو أنهما تتعاونان الآن فيما بينهما.
وقالت الصحيفة إنهما ناقشتا إجراءات عسكرية مشتركة محتملة ضد الجماعات المسلحة الكردية. إضافة إلى أن كليهما ينحاز إلى قطر، وكليهما يستخدم الشعارات الإسلامية والمواقف المعادية لـ«إسرائيل» للفوز بقلوب المواطنين في العالم العربي، مضيفة أننا قد نرى كونفيدرالية إيرانية تركية في الشرق الأوسط؛ لكن المصالح والتفسير المختلف للإسلام يمكن أن يدفعا الإمبراطوريتين السابقتين إلى علاقة معادية.