قال مدير مؤسسة “مسارات” للبحوث والإعلام، لؤي المقداد، إن روسيا تحت حكم فلاديمير بوتين مارست “أقذر أعمال المافيا”؛ لكن المصيبة أنها ليست مافيا تقليدية، وإنما برؤوس نووية.
وتساءل في حلقة تلفزيونية: ما السر الذي يجعل السلاح الروسي يذهب خصيصًا للأنظمة الديكتاتورية العربية؟ مشيرًا إلى أنظمة صدام حسين وحافظ الأسد ومعمر القذافي وعلي عبدالله صالح.
قتل وقمع
ووفق ما يقول المقداد، لا يوجد سبب للغرابة في دعم فلاديمير بوتين لبشار الأسد؛ إذ الأول يحكم روسيا بالحديد والنار ويعتقل معارضيه، بل يقتلهم بالسم (الإشارة إلى ألكسندر ليتفيننكو العميل السابق بجهاز المخابرات الروسية الذي قُتل بالسم في لندن عام 2006).
ويتساءل المقداد: هل التغيير السلمي وفق نموذج بوتين هو ميدفيدف؟ مواصلًا القول إن “بوتين سلم ديمتري ميدفيدف السلطة ستة أشهر ثم استلمها منه إلى الأبد”، لافتًا إلى أن هذا النموذج طرح في سوريا بجلب شخصية سنية تستلم الحكم فترة بسيطة يعود بعدها الأسد إلى الأبد.
ويتساءل: “كيف يمكن الطلب من بوتين دعم المظاهرات السلمية، والصور توضح تعامله مع المظاهرات في روسيًا؟”، مبرزًا صورة لمقتل برلماني روسي قبل نحو أسبوعين في الشارع وفي وضح النهار لمجرد مطالبته بوتين بالكف عن التدخل في أوكرانيا.
أما ادّعاء روسيا تعب الشعب السوري من الثورات وبالتالي مناشدته بالتغيير السلس، فقال المقداد إن هذا حق للروسي إذا كانت سوريا تابعة له، متسائلًا: “ما شأن روسيا في تحديد كيف يتحرك الشعب السوري ويثور؟”.
مقت الثورات
أما بسام البني، الإعلامي السوري الروسي ورئيس الحركة الدبلوماسية الشعبية، فقال إن “من دعَم الطغاة وصنعهم ليس روسيا، بل بريطانيا وأميركا والماسونية، أما سياسة موسكو فتقوم على احترام القانون الدولي، وأن تغيير الطاغية في أي مكان، إن وكان ولا بد، فليكن بالطرق السلمية”.
وأشار إلى أن الروس فقدوا أكثر من 20 مليون إنسان في الثورة البلشفية (1917) فأصبحوا يمقتون الثورات وينشدون دومًا التغيير السلمي.
ودافع بسام البني عن موقف روسيا الداعم للانتقال السلمي قائلًا إن موسكو لم تصوّت ضد القرار 2254 الذي ينص على انتقال سلمي للسلطة في سوريا. وفي رأيه، فإن روسيا في تصويتها على القرار الأممي تريد التغيير في سوريا؛ ولكن بالمحافظة على مؤسسات الدولة لا إسقاطها كما جرى في العراق وليبيا واليمن.
وأضاف أن روسيا تدخلت في سوريا بعد ثلاث سنوات من الأزمة وبعد تدخل 76 دولة و40 جهاز مخابرات.
ما بين أفغانستان والشيشان
أما قراءة المُحاضِر في المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية في باريس صلاح القادري فتعود إلى هاجس روسيا مع الهزيمة التي أُلحقت بها في أفغانستان، والكتلة التي تشكلت ممن عرفوا بالمجاهدين الذين شاركوا في ثورات الشيشان وداغستان؛ الأمر الذي أسس لعدائية روسيا بوتين للثورات العربية.
ويشير إلى أن تأخر الروس في موقفهم خلال الثورة الليبية سمح للقوى الغربية بأن تتقدم وتنجح القوى الشعبية بإزالة نظام القذافي؛ ما جعل روسيا تتخذ قرارها بالانغماس بقوة في سوريا وارتكاب المجازر في سبيل تأمين قدمها بالمياه الدافئة وبناء قواعد عسكرية في المنطقة.
خطوة متهورة
وفي هذا الإطار، قال رئيس المجلس الروسي للشؤون الدولية “مكسيم سوشكوف” إن علاقات بلاده بالعالم العربي ظلت دائمًا محكومة بالمصالح المشتركة والاحترام المتبادل. وأضاف أن موسكو لم تتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، لا قبل الربيع العربي ولا بعده.
وأضاف أن الربيع العربي ما هو إلا “فوضى أحدثها الغرب وخطوة متهورة قامت بها المنظمات غير الحكومية الغربية للعبث بأمن الشعوب العربية وإدخالها في أتون حروب أهلية طويلة”.
ودلل رئيس المجلس الروسي على هذا الطرح بالقول إن الغرب المنادي بدعم الديمقراطية كان أول المتفهمين للانقلاب على نتائجها عندما جاءت بغير العلمانيين، وقال إن الروس لديهم تاريخ مع الثورات الملونة التي أحدثها الغرب؛ لذا فهم واعون بمخاطرها على الأمن “وهم اليوم يقفون ضدها حفاظًا على أمن الشعوب ومصالحهم”.
ولفت سوشكوف إلى ما سماها محاولة الغرب إشعال ثورة في روسيا عبر دعمه المظاهرات في موسكو.
روسيا والإسلاميون
وأوضح أن الإسلاميين الحالمين بالحرية والديمقراطية لم يكونوا مبعث قلق لروسيا في يوم من الأيام، لكنهم كانوا مصدر قلق دائمًا للغرب؛ لأنهم منافس قوي للعلمانيين التابعين له، وفق تعبيره.
في المقابل، أشار الباحث بالمركز العربي للدراسات مروان قبلان إلى أن الدور الروسي في الملف السوري يطغى على معظم الملفات في المنطقة العربية.
وأضاف أن موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من الملف السوري يقوم على عدة عوامل؛ أهمها العامل الداخلي، وعلاقات تركيا بسوريا، والخطر المحتمل لتحالف واسع بين تركيا والدول التي يحكم فيها إسلاميون.
فعلى مستوى العامل الداخلي، بنى بوتين مخاوفه على الخشية من نقل الغرب رياح التغيير العربي إلى روسيا؛ لكن زوال هذا العامل لم يؤد إلى تغيير في سياسات موسكو، وفق قبلان.
ويرى الباحث بالمركز العربي للدراسات أن بوتين كان يخشى من سقوط سوريا في الحضن التركي وحرمانه من ورقة هامة يلعب بها في المنطقة، قائلًا إن هذه القراءة خاطئة.
ووفق قبلان، تعود جذور هذه المخاوف إلى خشية موسكو من تحالف قطري تركي سوري يتم بموجبه تصدير الغاز القطري عن طريق سوريا إلى أوروبا عبر الأراضي التركية، وحرمان روسيا من هذه الميزة.
حسابات خاطئة
من جهته، وصف رئيس تحرير مجلة “الرافد”، عمر عبدالعزيز، نظرة روسيا إلى المنطقة العربية بأنها ما زالت حبيسة صراع الحرب الباردة التي انتهت قبل سنوات عديدة، بالإضافة إلى حسابات خاطئة ما زالت روسيا متمسكة بها.
وقال إن موقف روسيا من الملف اليمني مثلًا مختلف عن موقفها تجاه الأزمة السورية؛ حيث أظهرت براغماتية كبيرة، ومررت قرار مجلس الأمن الدولي الأخير عندما رأت أن اليمن تحول بالكامل إلى بحيرة أميركية، وفق تعبيره.
أما موقفها من الملف السوري، فقد طغت عليه الراديكالية؛ وهو ما تسبب في إطالة أمد الحرب، مشيرًا إلى أن روسيا أخطأت في قراءة الثورات والإسلام السياسي واختلاف حالات بلدان الربيع العربي التي “تسبب فيها النظام الرسمي العربي بظلمه واستبداده”.
خصوصية الملف السوري بنظرة صحفية
وتناولت مجلة ديلي بيست الأميركية الحرب المستعرة في سوريا منذ سنوات، وذكرت أن الأمم المتحدة كشفت عن تفاصيل جرائم حرب اتهمت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس النظام السوري بشار الأسد بارتكابها، من خلال قصفهما الجوي المتواصل على مدينة حلب.
وأشارت إلى أن تقريرًا صدر عن مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة كشف عن أن روسيا والنظام السوري شنّا العام الماضي حملة من القصف الجوي لا هوادة فيها على الأجزاء التي تقع تحت سيطرة المعارضة في شرقي حلب.
وقالت إنه تم إجبار الأهالي على النزوح من أماكن سكناهم في حلب، وهو ما يعتبر من جرائم الحرب؛ لأنه تم إخلاؤهم لأسباب استراتيجية وليس من أجل حماية غير المقاتلين أو لضرورة عسكرية.
وقالت إن التقرير الذي أعدته لجنة التحقيق الأممية كشف عن أن الطائرات الحربية استهدفت بالقصف الأحياء لعدة أشهر بدءًا من سبتمبر 2016؛ ما أسفر في الأيام الأربعة الأولى عن مقتل 300 شخص، من بينهم 76 من الأطفال.
وأضافت ديلي بيست أن اللجنة الأممية جمعت أدلة لتأكيد رواية الشهود بأن روسيا والنظام السوري استخدما في القصف ذخائر غير موجهة تُلقى من الجو، شملت صواريخ “جو أرض وذخائر عنقودية وقنابل حارقة وبراميل متفجرة وقذائف لإيصال المواد الكيميائية الصناعية السامة، بما في ذلك غاز الكلور”.