أثار اهتمام المصريين بمباراة منتخب مصر الوطني لكرة القدم ومنتخب غانا ضمن التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2018م، ردود فعل متباينة حول سبب ارتفاع نسب المشاهدة بشكل كبير، تزامنًا مع أوضاع اقتصادية وسياسية غاية في السؤ يعيشها المواطن المصري، فاشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي في تفسير تلك الحالة، وانقسمت إلى فريقين، بين قائل بأن كرة القدم وسيلة لإلهاء الشعوب وبين رأي بالفصل بينها وبين السياسة.
وفي مصر اهتم المسؤولون من قديم بكرة القدم، ووضعوها على جداول اهتماماتهم وصرحوا بذلك للشعب، فلم يتوانوا عن حضور المباريات بشخوصهم أو إرسال ممثلين عنهم للحضور.
وكان الملك فاروق، أول وأشهر من شجعوا نادى الزمالك، ويعتبر مؤسسه، حيث إنه طلب من حيدر باشا وزير الحربية وقتها ورئيس النادي، تغيير اسمه من “نادى قصر النيل” إلى “نادى فاروق”، فى عام 1944، بعد حضوره مباراة نهائي كأس مصر التاريخية بين قطبى الكرة، وفاز فيها الزمالك على الأهلى بست أهداف مقابل لا شىء.
أما الرئيس محمد نجيب أول رئيس للجمهورية بعد ثورة 1952، أعلن انتماءه للأهلى صراحة، خاصة بعد زيارته لمقر النادي ومشاركته مع نجوم الفريق الأحمر الكروى، معلنًا ميوله الرياضية لتشجيع القلعة الحمراء.
وتسبب نجيب وزملاؤه من الضباط الأحرار فى تغيير اسم نادي (الملك فاروق) إلى اسمه الحالي (الزمالك) نسبةً إلى أحد أحياء القاهرة الراقية عقب الإطاحة بالملك.
وفى حفل أقيم لتوقيع عقد الرعاية بين شركة اتصالات والنادي الأهلي منذ سنوات، أعلن جمال السادات أن والده كان يشجع الفريق الأحمر بقوة رغم عدم إعلانه عن هذا الأمر صراحة، وقالها ” أبويا أهلاوي وعيلتي كلها أهلاوية”، مؤكدًا أن الراحل كان يشجع الأحمر بشكل غير معلن.
أما الرئيس المخلوع حسني مبارك فقد عرف بتشجيعه لنادى الزمالك، إلا أنه كان دائم الحضور لمباريات الأهلي المهمة، والتي كان آخرها الاحتفال بمئوية الأهلي أمام برشلونة، وحضر معه حفيده محمد علاء مرتديًا زي النادي الأهلي.
وكان الرئيس محمد مرسي زملكاويًا، كما صرح بذلك أثناء حملته الانتخابية فى عام 2012م، أما عبدالفتاح السيسى فقد أجاب على سؤال الإعلامي إبراهيم عيسى “أنت أهلاوي ولا زملكاوي؟” قائلاً: “أحب كل ما يحبه المصريون.. الرياضة وكرة القدم أمن قومي، وسأهتم بهما”.
وهكذا لم يخفِ المسئولون المصريون علاقاتهم بكرة القدم واهتمامهم بها لكن هل يعد هذا مؤشرا على اتخاذ هؤلاء المسئولين كرة القدم وسيلة لتغييب الشعوب وإلهائهم عن واقعهم السياسي والاقتصادي؟ أم أن هذه نظرة سطحية يوجِد بها أصحاب بعض الاتجاهات السياسية مبررات لإخفاقهم؟
يؤكد أستاذ علم النفس الدكتور محمد المهدي أن اهتمام الشعوب بأي لعبة رياضية يتدخل فيها العامل النفسي المتراكم لدي هذه الشعوب، ولا علاقة بين ذلك وبين واقع سياسي أو اقتصادي بقدر ما هو ارتباط نفسي، وليس شرطًا أن يقل الاهتمام مع سوء الحالة السياسية او الاقتصادية.
ومن الجدير بالذكر أن معظم المواجهات التي خاضها المنتخب الوطني المصري وكانت ذات أهمية لم تأت إلا والواقع السياسي والاقتصادي غير مبشر بخير.. ومن هنا يرى البعض أن النظام في مصر على مر السنين ربما نجح في توظيف الحدث الرياضي لإبعاد اهتمامات الناس عما يخص الجانب السياسي أو الاقتصادي إلا أنه لم يسع يوما لاختلاق هذا الواقع.
ويرى سمير سلام ( مدرب كرة بقطاع الناشئين بأحد الأندية المصرية)، أن الشعب في الأصل شرائح مختلفة، فالشريحة التي تدعو الناس للاهتمام بواقعهم السياسي ليست هي تلك الشريحة التي تلتف حول الشاشات أثناء المباريات، وإن كانت الشريحة الثانية مدعمة ببعض من الأولى، ويرى سمير أن هذا الاهتمام بالمباريات في ظل الظروف التي تعيشها البلاد ما هو إلا معبر عن تباين طريقة التفكير واختلافها من شريحة لأخرى فضلاً عن الحس الوطني الذي ما زال يحمل الكثير من البراءة داخل الشعب، ويمثل دافعًا قويًا لدى أفراده للاهتمام بمنتخب بلاده معتبرًا أن الانتصار في مباراة كرة قدم هو انتصار لبلاده التي يعتز بها بعيدًا عن أي اعتبارات أخرى.
ويظل القوس مفتوحًا لمزيد من الأسئلة فيما يخص المصريين، هل هي مسألة توزيع أولويات في اهتمامات الشعب، أم أن الشعب يلهي نفسه بنفسه اعترافًا منه بأنه لا فائدة من الاهتمام بالسياسة؟ أم أن الاهتمام بالكرة في حد ذاته يحقق للشعب متعة لا يجدها في سواها من المجالات الأخرى؟ ولماذا كانت مباراة مصر وغانا بهذا الزخم من الاهتمام، رغم أنه لم يفصل بينها وبين حراك سُمي بـ”ثورة الغلابة” سوى يومين فقط؟!