لم يكن قد مضى بعد الا ساعات قليلة على تحليق طائرات الانقلاب في سماء تركيا،وعلى انتشار قوات الانقلاب العسكري في شوارع أنقرة وإسطنبول، حتى بدأت كل القنوات الإعلامية بنقل الخبر عبر فضائها، فبينما كانت بعض تلك القنوات تتحسس كلماتها ومصطلحاتها بحذر ودقة، وتحاول إمساك العصا من المنتصف لحين وضوح الرؤية واستقرار الأمر لفريق على الآخر، حتى سارعت قنوات أخرى بالانحياز للانقلابيين، متضامنين قلبا وقالبا معهم ومتمنين لهم النجاح، وداعين لهم بتسديد الخطى، فتباين الخبيث من الطيب، وأفضت النفوس اللئيمة عن نواياها صدورها المريضة مبكراً، ليس تجاه الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” ونظامه وجيشه فحسب، بل تجاه الدولة التركية وشعبها أيضا، وعلى رأسهم الإعلام المصري، الذي كان الأكثر فجاجة في هذا المضمار، وأكثرهم تهليلا وابتهاجا وفرحا لما يحدث في تركيا، وكأن الأمر قد حسم لصالح الانقلابيين، فلم يتوانى أيا من البرامج المصرية بفتح الهواء فسيحا واسعا للمداخلات الهاتفية المؤيدة لما يجري من محاولات انقلاب في أنقرة تارة، وللمداخلات هاتفية مع فنانين ومشاهير للتعليق على ما يجري في تركيا تارة أخرى.
لقد تسابق مقدمو برامج التوك شو المصرية بانتقاء عبارات الشماتة والتهكم بما يحدث على الأراضي التركية، بل وقد تعدى تعليق معظم الاعلاميين المصريين على محاولة الانقلاب من المهنية الى أسلوب ” الردح “، حيث ظهر الاعلامي المصري أحمد موسى على فضائية “صدى البلد” مستبشر الوجه ضاحكا بعد ساعات قليلة من محاولة الانقلاب في تركيا، وكعادته التي لا تتغير فقد تقمص دور المحلل السياسي الواثق وعلق على الأحداث قائلا: “إن ما يحدث في تركيا هو “ثورة للجيش، وليس انقلاباً”، زاعماً أن الجيش التركي “يصحح مسار البلاد، بعد تدهور الأوضاع بسبب الدكتاتور أردوغان”، وسارع الكاتب الصحفي مصطفى بكري عدوا بلا تروي ولا متأني، بالتأكيد بأن “الجيش التركي قد سيطر على الأراضي التركية” مضيفاً عبارة ارتجالية غير محسوبة ولا موزونة إلا وهي: “إلى الجحيم يا أردوغان”، صرح بكري: ” هنام محاولات تجرى للقبض على الرئيس أردوغان، وأحاديث عن محاولات هروب جماعي لرموز إخوانية مصرية هاربة من تركيا”، أما الإعلامي عادل حمودة على فضائية “النهار”، فقد علق قائلا “إن تركيا أمة مرتبكة؛ وإن كان غالبيتها مسلمة الا انها ضد المشروع الاسلامي السياسي الديمقراطي الذي يقوده “أردوغان” مضيفا :” أن الانقلاب ما كان له أن يحدث من دون موافقة حلف الأطلسي”
وأطل الإعلامي أسامة كمال في محطة “القاهرة والناس” مدعيا بأن محاولة الانقلاب ما هي إلا “تمثيلية” من اخراج الرئيس التركي، بغية السيطرة المطلقة على شعبه، وكسب التعاطف الشعبي، ورفع شعبيته التي انهارت في الفترة الأخيرة من جديد، مضيفاً: إن “الانقلاب في دولة كتركيا لا يكون بغلق جسرين، وإنما بالسيطرة على مفاصل الدولة”، ولم يكن لحدث كهذا أن يمضي من بين يدي المذيع خيري رمضان في قناة النهار دون تعليق أو تحليل، فقد كاد المذيع يقف فرحا على مقعده وهو يتابع ويعلق على احداث الانقلاب، أما الاعلامي خالد أبو بكر فقد علق على حسابه في التويتر قائلا :”اللهم لا شماتة، بس اللي ييجي على مصر ما بيكسبش.. أردوغان على صفيح ساخن، الله يحفظك يا بلدي، ويحفظ شعبك، وجيشه”.
تمادى بعض الاعلام المصري ” كعادته” في “تبهير” احداث الإنقلاب التركي، في محاولة منه لتعظيم وتبجيل الدور المصري في ما تشهده تركيا، وفي محاولة “زائفة” لإثبات أن مصر قادرة على عدوها أيا كان، وانه باستطاعتها فعل ما تشاء وقت تشاء بمن تشاء؛ مشيرة إلى أن ما يقوم به الانقلابين في تركيا قد تم بإيعاز من مصر، حيث أثنى كلا منهم على دهاء القيادة المصرية وحنكتها، وقدرتها على “ضرب الأعداء”، زاعمين بأن “اللي ييجي على مصر ما يكسبش”، حتى إن اللاحيادية الإعلامية وصلت بهم الى التصريح بأن مسألة إلقاء القبض على “أردوغان” خلف القضبان ما هي الا مسألة وقت فقط، وأن الرئيس التركي قد طلب اللجوء الى المانيا في محاولة منه للهرب خارج البلاد.
ولكن كثيرا من الرياح لا تأتي بما تشتهيه السفن، فبعد ساعات من القلق والترقب، وعد الأنفاس، تراجع الانقلابيون يجرون ورائهم أذيال خيبتهم الى الخلف، ومعهم الإعلاميون المصريون المهللون للدبابة أينما حلت، فتغيرت الوجوه، وخابت النوايا، فما أن تدافع ملايين الأتراك للشوارع، وبدء محاولة الانقلاب في الانحسار، وبعد أن كانوا يؤكدون للناس أن الهواء مفتوح، حتى وجد الاعلام المصري نفسه في مأزق مخجل لا يمكن اخفاءه أو الالتفاف عليه، حتى أغلقوا أفواههم عائدين لبيوتهم، تاركين شاشاتهم وفضائهم لبرامج الطبخ والريجيم والأغاني.