شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

ولهذا فشل الانقلاب في تركيا

ولهذا فشل الانقلاب في تركيا
بين عشية وضحاها، انقلاب من جناح في الجيش التركي، إعلان عن تولي مقاليد البلاد، نزول للملايين في الشوارع، وظهور للرئيس المنتخب لأكثر من مرة على الشاشات في فيديوهات حية على الهواء

بين عشية وضحاها، انقلاب من جناح في الجيش التركي، إعلان عن تولي مقاليد البلاد، نزول للملايين في الشوارع، وظهور للرئيس المنتخب لأكثر من مرة على الشاشات في فيديوهات حية على الهواء، ثم استعادة للسيطرة، والقبض على المتمردين، الحصيلة محاولة فاشلة، خلفت نظاما أقوى و160 شهيدا أغلبهم من الشباب.

تركيا شهدت 4 انقلابات ناجحة، وهذه هي المحاولة الأولى في التاريخ الحديث التي تفشل بنجاح شديد، لم يتحرك الشعب التركي بهذا الشكل من قبل، هذه المرة تحرك بقوة، الناس نزلت بـ “هدوم البيت”، الشعب التركي يومه يبدأ مبكرا، وينتهي مبكرا، في العاشرة مساء تبدو اسطنبول كمدينة أشباح، باستثناء بعض المناطق السياحية، الأخبار بالانقلاب بدأت في التواتر بعد هذا التوقيت بقليل، ومع ذلك انفجرت الشوارع بالبشر، امتلأت الساحة الرئيسة بميدان تقسيم الذي سبق أن شهد مظاهرات عنيفة ضد أردوغان مرارا بالجماهير الذين تظاهروا ضده هناك وبالأمس كانوا في الشارع دعما لنظامه لا له!

لدي بعض الملاحظات كمصري مسكون بهاجس الانقلابات الناجحة حتى تلك التي تتخفى من صورتها في مرآة الجماهير، فتبدو في أعينهم ثورة “هم” من قاموا بها لا العسكر:

أولا: ثمة معلومات أكيدة – من مصادر مقربة لدوائر صنع القرار في تركيا – تفيد بمعرفة أردوغان وأجهزته بالانقلاب قبل موعده بأسبوع كامل، ورصدهم لحركة في الجيش، ومتابعتهم بدقة لما يحدث، وترتيبهم لخطة مواجهة ناجحة، وتنسيقهم مع كل الأطراف، ورهانهم الأكيد على قدرتهم على تحريك الناس، لأكبر مرة في تاريخ الانقلابات العسكرية في تركيا، وقد كان!

ربما هنا تدفعنا المقارنة إلى التحسر على مستوى “كل” من يمارسون السياسة في بلادنا كهواة لا كمحترفين، وقد شهدوا – وكاتب السطور منهم – انقلابا بالتصوير البطيء، استمر الإعداد له 27 شهرا بشكل واضح ومنظم، دون أن يلتفت أحدهم لما يحاك لهم، وبهم!

ثانيا: لا أحد يعمل وحده، ولا يوجد طرف يمكن الرهان عليه دون الآخرين، الانقلاب محاولة دفعت إليها ظروف استبدادية وغير توافقية، وأفشلتها قدرة النظام على السحب من رصيده الديموقراطي السابق، غير صحيح أن أردوغان ورفاقه حسموا لأن الشعب معهم – وقد كان معهم بالفعل – كما أن التقليل من دور الجماهير التركية ومساندتهم للنظام الحاكم بدوره خطاب غير مسئول، ما حدث هو أن أردوغان وقف على قدمين ثابتتين بعد ساعة واحدة من حركة المتمردين ليخبر العالم كله والأتراك في مقدمتهم أنه سيعاقب المسئولين عن هذه”الحركة” أشد العقاب، وأنه توجه لمطار اسطنبول ليستقل طائرته إلى العاصمة أنقرة، وأن الأمور تحت السيطرة، تحركت معه أجهزة الدولة بأسرها، الجيش الذي خرج منه التمرد، الشرطة بأكملها، المخابرات العامة، المؤسسات، الأحزاب، الإعلام، والناس، النتيجة الطبيعية هي أن ينتصر.
ثمة خطابات ساذجة راجت على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، تتغزل في المعارضة رالتركية الشريفة، المحترمة، التي تقدس الديموقراطية، ربما يصح هذا الكلام عن المواطنين العلمانيين الذين حملوا صور أتاتورك، الذي يوشك أن يكون معبودهم، وهم يتظاهرون لدعم أردوغان الذين يعتبرونه محافظا ورجعيا ويكرهونه بل ويحتقره بعضهم قبل أن يمنحه صوته الانتخابي لأنه يخدمه كما يريد، أما الأحزاب السياسية هنا، أو في مكان بهذا العالم البائس، فلا يعنيها سوى مصالحها، ولو كانوا يعلمون فيما يحدث مصلحة مباشرة، قريبة، لدعموا الانقلاب فورا، لا أحد هنا يتصرف بشكل أخلاقي، أردوغان ورفاقه يعلمون ذلك جيدا، ويتحدث إلى خصومهم باللغة التي يفهمونها، ولذلك استطاعوا أن يحشدوهم خلفهم لا ضدهم، فمصالحهم مهما بلغت درجة الاحتقان هي مع النظام لا مع هذا الجناح “الضعيف” من الجيش.

ثالثا: الإعلام الإعلام الإعلام .. واحد من أهم وأخطر أعمدة الدولة، حزب العدالة والتنمية أساتذة، لديهم نوافذ حقيقية يراها الناس، يتابعونها، ويصدقونها، منذ إذاعة بيان المتمردين وحتى لحظة كتابة هذه السطور عصر اليوم التالي للمحاولة الفاشلة، لا يتحدث إلى الناس إلا أردوغان ورئيس وزرائه، ورموز حزبه، بعد دقائق من إذاعة بيان التمرد العسكري ظهر أردوغان عبر الموبايل، ثم مؤتمر صحفي من المطار، ثم على منصة وسط رجاله، لم يغب الرئيس عن شعبه، لم يتمكن منه أحد من خصومه، كما لم يتمكن أحدهم من السيطرة على منافذ التأثير وحشو أدمغة الناس بما يريدون، الإعلام كان سلاحا هاما في حسم المعركة لصالح من فهموا قواعد لعبته، لا نحتاج هنا للمقارنة بتجربة إعلام الإخوان أثناء حكمهم، أو إعلام اسطنبول بعد الانقلاب فالصورة خير من ألف كتاب!!

رابعا: الجميع هنا انتفض لحماية الدولة الديموقراطية العلمانية التي تقف على مسافة واحدة من الجميع والكلام عن مؤامرة ضد الإسلام، أحبطها الشعب التركي المسلم، كلام غريب، وشاذ، ولا يعني سوى رغبة أصحابه المستميتة في أن يظلوا في كهوفهم يعمهون، الانقلاب سوق نفسه بالدفاع عن الحريات العلمانية، والمواطنون نزلوا للدفاع عن الحريات العلمانية التي ضمنها أردوغان – في المجمل – حتى مآذن المساجد وأبراج الكنائس، تضامنت مع من سمح لأصواتها أن تصدح في سموات اسطنبول بعد أن كانت ممنوعة بفعل تجربة علمانية استبدادية، المعول عليه إذن لا الإسلاموية، ولا العلمانية، إنما الحريات والخدمات، للجميع، كحقوق تضمنها المواطنة، لا هبات ومنن يضمنها تدين الرئيس المؤمن!

خامسا: من الطبيعي أن يندفع إعلام السيسي في الدفاع عن الانقلاب في تركيا ودعمه بمنتهى الغباء، كما أنه من الطبيعي أن تدفعنا مشاهد ضرب المواطنين الأتراك لعساكر الانقلاب بالأحذية لمحاولة استيراد التجربة، إلا أنه من غير الطبيعي أن تكون ردة فعل بعض المحسوبين على دوائر الثورة في مصر هي مشاعر الشماتة المنحطة، لا لشيء إلا أنهم في الظاهر يختلفون مع سياسات أردوغان السلطوية، وفيما بين السطور، وأحيانا على سطحها المتفحم يرقصون طربا لفشل تجربة يقف خلف نجاحها “إسلامي”، “مفيش فايدة”.
أخيرا: أردوغان حافظ على شرعيته بقوة التخطيط والعمل الجاد، لا باللافتات والشعارات والمظلوميات الفارغة، ولم يسانده أحد إلا لأنهم يعلمون أنه قادر على ذلك، وأن مساندتهم له انحياز للأقوى، والأقدر على المواجهة والاستمرار!



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023