ازدادت حدة المواجهات بين السعودية وإيران، بعد أن أعلنت الداخلية السعودية أمس السبت عن تنفيذ حكم الإعدام بحق 47 شخصًا أدينوا بتهم إرهابية بينهم القيادي الشيعي نمر باقرالنمر، والذي كانت إيران قد حذرت السعودية من الإقدام على إعدامه.
وأعدمت السعودية “النمر” وثلاثة شيعة آخرين إلى جانب العشرات من أعضاء “تنظيم القاعدة”، لتوضيح أنها لن تتهاون فى مواجهة هجمات الجهاديين السنة أو أبناء الأقلية الشيعية فى المملكة على حد سواء.
ويرى خبراء أن من تم تنفيذ أحكام الإعدام بهم -خاصًة “النمر” و”شربل” عنصر “تنظيم القاعدة”- لهم امتدادات شعبية وقبلية وطائفية، ولهم أيضًا أنصار في الداخل والخارج، ولذلك يمكن القول إن من اتخذ القرار كانت حساباته خاطئة، فمن الواضح أنه تسبب في أزمات كبيرة للمملكة خصوصًا مع إيران.
تاريخ العلاقات السعودية – الإيرانية
بدأت العلاقات السعودية – الإيرانية بشكل رسمي في العام 1929 ميلادي، إلا أنها قبل ذلك التاريخ كانت موجودة، ولكن يطرأ عليها التوتر والعداء حينًا والتقارب والمجاملات أحيانًا أخرى.
وتعتبر السعودية وإيران الوريثان الشرعيان للخلاف التاريخي بين الدولة الصفوية الشيعية والدولة السنية العثمانية، فقد خرجت تركيا من دائرة الصراع في المنطقة بعد سقوط دولة الخلافة وتولت السعودية المملكة العربية السنية الناشئة مسؤولية إدارة الصراع التاريخي مع الصفويين وتمايزت معالم هذا الصراع الدائم بين السياسة والدين والمذهب والنفوذ الاقتصادي والعسكري في دول الجوار.
ويشوب العلاقات بين البلدين “توتر” دائم، ازداد في الأعوام الأخيرة، فقد تم قطع العلاقات الدبلوماسية بينهم في أواخر الثمانينات وتحديدًا في 1988م، بعد مصرع أكثر من 400 شخص، معظمهم إيرانيون، أثناء أدائهم فريضة الحج، في منى في صدامات مع الشرطة السعودية، حيث قام الحجاج الإيرانيون بمظاهرة سياسية عنيفة ضد الموقف السعودي الداعم للعراق أثناء الحرب العراقية الإيرانية.
وتتهم الرياض نظيرتها طهران دائما بالتدخل في شؤون دول الخليج تحديدا نظرا لوجود أقليات شيعية في معظم الدول الخليجية، والذين يطالبون بإصلاحات سياسية تعطيهم مزيدا من النفوذ والحقوق، كما أن هذا الخلاف تصاعد بعد اندلاع الثورة السورية التي أيدت فيها طهران النظام السوري على طول الخط، فيما دعمت الرياض وبقوة المعارضة السورية وساهمت في تسليحها، ومؤخرا قامت باستضافة مؤتمر يجمعهم.
وخلال العام الماضي 2015، هاجمت إيران الرياض بسبب حادث رافعة مكة وطالبت بإيجاد “هيئة أمناء” لإدارة الحرم، وكانت حادثة تدافع منى في موسم الحج الأخير، سبب في توتر العلاقات الإيرانية السعودية، والذي راح ضحيته عدد كبير من الحجاج الإيرانيين، ووقتها طالبت طهران بتسيير مشترك تحت مظلة منظمة التعاون الإسلامي لمناسك الحج.
تداعيات إعدام “النمر” على علاقات البلدين
بعد أن أيدت محكمة سعودية حكم الإعدام الصادر بحق “النمر” في شهر أكتوبر الماضي، وجهت إيران تحذيراتها للسعودية من تنفيذ الحكم، واصفًة إعدامه بأنه سيكلف المملكة “ثمنًا باهظًا”.
وبعد الإعلان أمس عن تنفيذ الحكم، أثار الأمر غضب إيران ضد السعودية، حيث اتهم المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية الرياض بدعمها للإرهاب وإعدام المناهضين له، وقام عدد كبير من الإيرانيين الذين ينتمون إلى الحرس الثوري الإيراني و عناصر “الباسيج” ، بالهجوم على القنصلية السعودية بطهران، وإلقاء الحجارة على مبنى القنصلية، وإنزال العلم السعودي.
وأعلنت قوات “الباسيج” عن نيتها إقامة احتجاج مقابل السفارة السعودية في طهران اليوم ، وفي رسالة وجهتها لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الإيراني إلى وزير الخارجية محمد جواد ظريف، طالبته فيها بإعادة النظر في العلاقات مع المملكة.
وقامت على إثر ذلك وزارة الخارجية السعودية باستدعاء السفير الإيراني لدى المملكة وسلمته مذكرة احتجاج شديدة اللهجة حيال التصريحات الإيرانية الصادرة تجاه الأحكام القضائية التي نفذت في المملكة، وعبرت فيها عن استهجان الرياض ورفضها القاطع لهذه التصريحات العدوانية التي تعتبرها تدخلًا سافرًا في شئونها من جانب طهران.
وهاجم المرشد الأعلى الإيرانى آية الله على خامنئى، ساسة السعودية ووعدهم بانتقام إلهى، حيث قال: “إن العقاب الإلهى سيحل بالساسة السعوديين لإعدامهم رجل دين شيعيًا”، كما أعلنت محافظة طهران أن التجمع الاحتجاجى على إعدام النمر، سيقام بعد ظهر اليوم، فى ساحة “فلسطين” وسط العاصمة طهران.
وأعلنت مواقع إلكترونية إيرانية أن بلدية مدينة مشهد فى إيران وافقت على تغيير اسم الشارع الذى تقع فيه القنصلية السعودية إلى اسم “النمر”، وقال خليل موحدى، نائب إيرانى، إن مشروع قرار تغيير اسم الشارع الذى يقع فيه قنصلية المملكة، سيتم التصويت عليه فى البرلمان الإيرانى اليوم.