حين قررت السعودية تغيير الواقع على الأرض في اليمن، والذي يميل لصالح الحوثيين منذ سبتمبر الماضي، باستخدام القوة العسكرية فقد كان عليها أن تدرك الطبيعة الجغرافية لليمن.
فالجبال منتشرة في كافة المحافظات اليمنية تقريبا مما يسمح للحوثيين بالاختباء جيدا من الضربات الجوية التي افتخر المتحدث العسكري أحمد عسيري أنها وصلت لأربعة آلاف طلعة جوية، ونسي أن أميركا ضربت فيتنام بثلاثة ملايين غارة جوية ثم خرجت تجر أذيال الهزيمة!
سأقدم حسن النية في الموقف السعودي تجاه الأزمة اليمنية، وأقول أن سماح السعودية للحوثيين باجتياح صنعاء سبتمبر الماضي إنما كان سياسة خاطئة من الملك الراحل عبد الله وأمين الديوان الملكي وقتها خالد التويجري، وأن البلاد يحكمها الآن ملك جديد بسياسة جديدة، أطاح برجال الملك القديم وعلى رأسهم التويجري.
لكن الملك الجديد ومن معه من قيادات عليهم أن يدركوا جيدا أن ما أخذه الحوثيون بقوات انتشرت على الأرض- وإن بتعاون مع الرئيس السابق علي صالح وولده قائد الحرس الجمهوري، وباتفاق مع الرئيس الحالي هادي ودول الخليج وقتها- لا يمكن استرجاعه إلا بنفس الطريقة أيضا، وهي قوات تنتشر على الأرض!
ومنذ اليوم الأول للعملية فإننا نطرح هذه النقطة ونكررها في كل مقال من المقالات التي خصصناها لليمن، ولا نزال نكررها طالما الأزمة مستمرة! لا يوجد قوات على الأرض ولا يبدو أن السعودية ستملك هذه القوات في المستقبل القريب!
على العكس؛ حدث ما توقعناه للأسف، نقل الحوثيون-عملاء إيران- الحربَ إلى داخل المملكة ذاتها، فاستهدفوا مدينتي نجران وجازان أكثر من مرة بالصواريخ ومدافع الهاون، الأمر الذي أدى لتعطيل الدارسة وإيقاف حركة الطيران وإغلاق المجال الجوي هناك!
هذا غير أنباء عن نقلهم صواريخ “سكود” إلى الحدود السعودية، وهو التهديد الذي لم تتعرض له المملكة منذ حرب الخليج الثانية!
ولم يكن بحوزة السعودية أي رد على ما يجري سوى استمرار الطلعات الجوية، وهي طلعات يبدو أنها استنفدت أهدافها، بل أصبحت عبئًا على الرياض، بعد تذمر أهل اليمن من الإصابات التي تطال اليمنيين جراء الطلعات الجوية! الأمر الذي دفع الرياض لإعلان هدنة من خمسة أيام لم يحترمها الحوثيون منذ اليوم الأول، بينما اضطر سلاح الجو السعودي لوقف الضربات تلبية لحاجات إنسانية وربما ضغوط سياسية!
***
الحوثيون قابعون في مواقعهم في هدوء، ينتظرون الضوء الأخضر من طهران لشن الهجمات على المدن السعودية الحدودية، غير عابئين بالهدنة الإنسانية التي طلبتها السعودية لإغاثة اليمنيين، بل وأعلنوا بكل صفاقة أنهم خرقوا الهدنة.
أما إيران فإنها تستعرض عضلاتها في الخليج! في البداية تحتجز سفينة غربية وتقتادها نحو ميناء بندر عباس الإيراني لساعات، ثم تطلق اليوم أعيرة تحذيرية على سفينة ترفع علم سنغافورة أيضا في الخليج، ثم ترسل سفينة “شهد” الإيرانية كسفينة “مساعدات” نحو اليمن تحميها بارجة حربية إيرانية، محذرة من محاولة تفتيشها! وهذا ينذر بتحويل الحرب الباردة بين السعودية وإيران إلى حرب ساخنة ومشتعلة في خليج عدن والخليج العربي كذلك!
وعلى الرغم من أن هذه الأمور تستفز السعودية كثيرا وتبرز السيطرة الإيرانية على المنطقة؛ إلا أن السعودية فيما يبدو لا تستطيع الرد بعملية عسكرية برية في اليمن تعيد لها كرامتها، ولليمن شرعيته؛ لافتقارها إلى هذه القوات، بينما الضربات الجوية غير كافية، أو كما نقول في مصر: العين بصيرة واليد قصيرة!
الرياض لا تريد أن تتورط في حرب مباشرة مع إيران، وفي المقابل لا تسمع الرياض من واشنطن غير تصريحات كلامية مجاملة، دون تغيير حقيقي على الأرض، الأمر الذي أغضب الملك السعودي ودفعه لعدم حضور قمة كامب ديفيد، التي يصفها مراقبون أنها نجحت لكن أحدًا لم يحصل على ما أتى من أجله!
ومنذ وقت مبكر حرصت أميركا على تخفيض سقف التوقعات بشأن القمة المزمع عقدها، ونفت نفيا قاطعا عزم واشنطن توقيع اتفاقية أمنية مع دول الخليج، من ناحية أخرى لم تسمح واشنطن لدول الخليج بشراء أسلحة نوعية للدفاع عن نفسها، حتى لا يتوازن ميزان القوة الراجح لصالح إسرائيل!
وعليه لم يخرج قادة الخليج من قمة كامب ديفيد إلا بكلام إنشائي فضفاض عن حفاظ أميركا على أمن الخليج، وتعاونهم المشترك ضد التمدد الإيراني في المنطقة… إلخ. في الوقت الذي تذهب فيه واشنطن قدما نحو توقيع اتفاق نووي مع إيران، يلغِي كافة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها! مما دفع الكثير من المحللين إلى وصفها بأنها قمة “مجاملات“.
***
ويبدو الآن للقاصي والداني أن حاجة أميركا لدول الخليج وللنفط السعودي خصوصا لم تعد كما كانت من قبل، قبل احتلال أميركا للعراق (ثاني أكبر مخزون نفطي في العالم) وقبل اكتشاف النفط الصخري الأمريكي بكميات كبيرة! ومن ناحية أخرى فإن لإيران دورًا في الأجندة الأميركية لتقسيم المنطقة على أساس طائفي ومذهبي كما وضحنا في مقال: إيران.. نظرة من الداخل.
وعليه فأنصح السعودية بالتالي:
1- مراجعة إستراتيجية لنظرية الأمن القومي للخليج، فقد ثبت أن حرص واشنطن على حماية الأمن الخليجي ليس جديا، ولا سيما مع تراجع اعتماد واشنطن على النفط الخليجي، على السعودية بصورة قاطعة شراء صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية من باكستان، أو تطوير ترسانة سلاح كيماوي قوية لردع عملاء إيران وكبح جماح طهران.
2- زيادة التنسيق بينها وبين قطر وتركيا عسكريا لمزيد من تسليح جيش الفتح السوري، فلقد أثبتت التجربة أن الرد على إيران في سوريا أقوى وأنجع من الرد عليها في اليمن، وسياسيا لتكوين حلف سُني قوي مقابل الهلال الشيعي. حلف كهذا من المرجح أن تنضم له دول أخرى عديدة في المنطقة.
3- استمرار دعم المقاومة الشعبية ورجال القبائل في اليمن واستمرار الطلعات الجوية، ولا سيما مع أية محاولات للاقتراب من باب المندب.
4- إعطاء أولوية لتأمين المدن السعودية الحدودية من هجمات الحوثيين، حتى وإن استلزم الأمر التعاقد على بطاريات جديدة مضادة للصواريخ.
5- مراجعة الرياض لتحالفاتها مع دول ثبت أنهم أقرب لإيران من السعودية لا سيما الإمارات ومصر؛ لأن أي خطط لمواجهة النفوذ الإيراني ينقلها السيسي وأبناء زايد إلى طهران أوَّلا بأول، كما أنهم يدعمون بشار الأسد قلبا وقالبا، وهو ما يتنافى مع أية خطط لتحجيم النفوذ الإيراني، من ناحية أخرى فقد ثبت أن الاعتماد على الجيوش التي استثمرت فيها السعودية كالجيش المصري ليس في محله، بعد ثبوت عدم جدية ادعاء “مسافة السكة”.