هم مجموعة من السياسيين والأكادميين والإعلاميين والناشطين، كانوا من معارضى نظام الإخوان وكارهيه، وكانوا من المؤلبين عليه إلى حد الدعوة للثورة عليه وإسقاطه فى الثلاثين من يونيه. ولم يغب ممثلهم الأهم (الدكتور البرادعى) عن المشهد الانقلابى الختامى الصارخ، عندما تلا الفريق السيسى بيان انقلابه فى الثالث من يوليو، وهو محاط بقيادات جيشه ومعاونيه، مع شيخ الأزهر، وبابا الكنيسة تواضرس، وممثل حزب النور.
ثم أصبح أرباب التيار الثالث هؤلاء من شانئى حكم العسكر الذى وصلنا إليه، بل من الداعين إلى زواله علنا فى بعض الأحيان، وخفية وإشارة فى أغلب هذه الأحيان، وقد كانوا من قبل ذلك من معارضى نظام مبارك ومن المشاركين فى إسقاطه، ثم من معارضى حكم المجلس العسكرى بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير.
كثيرون من كانوا يرون وما زالوا فى أمثال هؤلاء عملاء لجهات عدة من غرب وأجهزة مخابرات. ويرون أنهم يؤدون بذلك دورا مرسوما لهم، وهذا الدور يرسم حسب الواقع والحدث والظرف، ويتغير تبعا للمتغيرات فى هذه الأبعاد.
فموقف هؤلاء قبل ثورة الخامس والعشرين ثم فى أثنائها، ثم فيما بعدها إلى فترة حكم الإخوان، ثم فى معارضتهم والانقلاب عليهم، ثم فيما بعد الانقلاب. مواقفهم جميعها فى هذه الفترات الزمنية المختلفة والظروف المتغيرة، كلها مواقف مرسومة بعناية، ومأمورون هم بتنفيذها من قبل أسيادهم (الغرب وأجهزة المخابرات).
هذا هو رأى الكثيرين فى أمثال هؤلاء. أما أنا فقد كنت أرى فيهم رأيا مغايرا، وما زلت، أراهم تيارا ثالثا حقيقيا، وأنا لا أنفى مع ذلك فكرة أن يجند الغرب أو أجهزة المخابرات بعضا من هؤلاء، وأن يرسم لهم دورا فى كل موقف وظرف، يريد به ومن ورائه هدفا طويل الأمد. بل إن بعض الشخصيات قد كدت أوقن فعلا بعمالتهم هذه، من خلال تتبع مواقفهم وتغيراتها على مدى تاريخهم العام. فالعمالة ليست مستحيلة ولا مستبعدة على بعض الرموز السياسية، وكذلك بعض الحركات والأحزاب.
لكنى أتحدث هنا عن وجود تيار ثالث حقيقي، لا يحب الإخوان ولا التيار الإسلامى بمرجعيته الإسلامية عموما، وكذلك يرفض دولة الطغيان والفساد التى كانت فى عهد مبارك، ثم ها هو يرفضها فى نسختها الثانية التى يريدها العسكر.
هم تيار ثالث حقيقى، له أرباب ورموز، ولعل أهم رموزه (البرادعى وعمرو حمزاوى وباسم يوسف وبلال فضل).
وحتى أكون دقيقا، فأنا أوقن أن هناك تيارا ثالثا حقيقيا موجودا، أما عن أربابه ورموزه، فهؤلاء من هم فى دائرة الظن وليس اليقين، فربما أظن فى أحدهم أنه منهم، ثم يتبين لى فيما بعد أنه صناعة غرب ومخابرات. فاليقين فى العنوان، والظن فيمن ينطبق عليه هذا العنوان.
لكن إلى أن يتغير شىء من رؤيتى فى رموز هذا التيار التى ذكرتها، فأنا أراهم إلى الآن من رجال هذا التيار الثالث، فالبرادعى هو أبرز رمز سياسى لهذا التيار، وحمزاوى هو أبرز رمز أكاديمى بحثى له، وباسم يوسف هو أبرز رمز إعلامى له، وبلال فضل هو أبرز رموزه الصحفية.
لكن هناك ملامح غاية فى الأهمية للتأكيد على قسمات هذه الصورة بكاملها.
فهؤلاء ممن نطلق عليهم (التيار الثالث)، يتضح لنا أن كرههم للإخوان بمرجعيتهم الإسلامية أشد بكثير من كراهيتهم للعسكر، وفى هذا يأتى تصريح باسم يوسف الأخير الذى قال فيه (إن الناس لو خيروا بين حكم الإخوان وحكم العسكر فسيختارون حكم العسكر، وذلك لأنهم يفقدون فى ظل حكم العسكر حريتهم السياسية، أما فى ظل حكم الإخوان فإنهم يفقدون حريتهم السياسية والشخصية).
وهنا يتأكد أن أهم ما يكرهه هؤلاء فى حكم الإخوان هو مرجعيتهم الإسلامية التى يرونها قيودا موجعة لحرياتهم المنفلتة ونزواتهم الطائشة.
كما أننا نرى أن فروسية هؤلاء فى الدفاع عن آرائهم تظهر طائحة ماردة إذا وجدوا أنها لن تكون بضريبة يدفعونها تضييقا أو سجنا أو غيره، وهذا هو ما حدث فى أثناء حكم الإخوان، فقد رأوا نظاما يطلق العنان لسبه ومعاداته بل التحريض عليه، فبلغوا مبلغهم فى ذلك.
أما فروسيتهم هذه، فإنها تصبح عرجاء كسيحة، إذا ما وجدوا أنفسهم أمام نظام لن يترك لهم ادعاء الفروسية بسهولة، ولن يسمح بتجاوزهم وتجاوزاتهم، فهنا يظهر جبنهم وخورهم، وتظهر معارضتهم من وراء ستار، وأغلبها معارضة بالإشارة والتلميح، مع جبن شديد ظاهر فيها.
هؤلاء تيار ثالث حقيقي، لكنهم على أكمل استعداد إذا احتدمت المعركة بين التيارين الآخرين فى أى وقت، وكان الاختيار لزاما بينهما، أن يكونوا ساعتها مع التيار الأكثر علمانية، وذلك كرها متأصلا منهم للمرجعية الإسلامية، حتى لو كان ذلك التيار هو الأكثر بطشا وظلما وجبروتا.
وبالتالي، فإن رهان الإخوان على هؤلاء فى معركتهم الحالية، وتخيلهم أن هناك سبيلا للم الشمل معهم مرة أخرى، هو رهان خاسر، ولن يكون فى مصلحة الإخوان ومعركتهم هذه أبدا، ولن يكون فى مصلحتهم فيما بعد المعركة ومآلاتها.