قال وزير الطاقة الإسرائيلي إن بلاده تبحث في تصدير الغاز إلى مصر بعدما أصبحت في حاجة إليه.
ورد رئيس شركة الغاز المصرية «إيجاس» أن مصر لا تفكر في الموضوع.
وهو موضوع أثار اهتمامي من زاوية بعيدة عن صحة الخبر من عدمها.
ذلك أن أكثر ما همني فيه أنه يعيد إلى الأذهان قصة استيلاء إسرائيل على ثروة الغاز الداخلة ضمن الحدود المصرية التي كنت قد نبهت إليها قبل أكثر من عام،
ذلك أنني كنت قد نشرت في 30/10/2012 مقالا تحت عنوان، «عدوان إسرائيلي جديد على مصر»، شرحت فيه الملابسات التي أتاحت لي أن أتعرف قبل ذلك على تفاصيل عملية السطو الإسرائيلي (بالتعاون مع قبرص) على الغاز المدفون داخل حدود المنطقة البحرية الاقتصادية لمصر.
وذكرت آنذاك أنني تلقيت تلك التفاصيل من أحد الخبراء المصريين المرموقين، ولأنها تحدثت عن مختلف الجوانب الفنية للموضوع، فإنني انتهزت أول فرصة اتيحت لي وسلمت الملف إلى اثنين من أعضاء المجلس العسكري آنذاك (يتوليان الآن منصبين رفيعين في الحكومة)،
ثم وجدت أن بعض الصحف بدأت الحديث على المخطط الإسرائيلي للسطو على غاز شرق المتوسط استنادا إلى دراسة موثقة أعدها أحد الخبراء المصريين المقيمين في الولايات المتحدة، هو الدكتور نائل الشافعي
وأثير الموضوع في بعض البرامج الحوارية التليفزيونية المصرية، وكان له صداه في مجلس الشورى الذي كان قائما آنذاك، فكلف المجلس الدكتور خالد عبدالقادر عودة أحد كبار علماء الجيولوجيا المصريين بدراسة ملف التنقيب، فأعد تقريرا أثبت فيه عملية السطو الإسرائيلي،
وانتقد تقاعس السلطات المصرية في الدفاع عن حقوق البلد وحماية ثروته الطبيعية وظلت دائرة النقد وأجراس التنبيه تتوالى حتى قدم بلاغ إلى النائب العام للتحقيق في الموضوع.
القصة طويلة، وقد سبق أن شرحتها في مقالين نشرا يومي 30 أكتوبر و6 نوفمبر من العام الماضي (2012)، وخلاصتها كما يلي:
منذ مائتي سنة قبل الميلاد تحدث أحد علماء مكتبة الإسكندرية عن منطقة في شرق البحر المتوسط تعيش فيها أسماك وقشريات مختلفة عن بقية الكائنات التي تعيش في البحر،
وفي العصر الحديث أثارت ملاحظات الرجل انتباه العلماء والباحثين،
واعتبروها دليلا على وجود جبل غاطس ضخم في المنطقة، يرتفع بمقدار ألفي متر فوق قاع البحر، واعترافا بفضله وسبقه أطلق العلماء اسم الرجل على الجبل، الذي صار يعرف بعد ذلك باعتباره جبل إراتوستينس.
ومنذ ستينيات القرن الماضي برز اهتمام الباحثين بالجبل الغاطس وسفحه. وهو ما شارك فيه علماء بريطانيا والولايات المتحدة وروسيا وبلغاريا.
ولفت الأنظار آنذاك أن إسرائيل قدمت 20 ورقة بحثية حول جيولوجيا المنطقة.
مع استمرار عملية الحفر تحت قاع الجبل بدأت تظهر ملامح ثروة احتياطات الغاز الطبيعي الهائلة الطافية في أعماق جبل إراتوستينس الثابتة ملكيته الاقتصادية لمصر منذ ٢٠٠ سنة قبل الميلاد
وكانت تلك المنطقة تدخل ضمن امتياز شركة شمال المتوسط المصرية المعروفة باسم «نيميد»
وكان ذلك الامتياز قد منح لشركة شل في عام 1999، التي أعلنت في عام 2004 عن اكتشاف احتياطات للغاز الطبيعي في بئرين على عمق كبير في شمال شرق البحر المتوسط.
وأوضح البيان أن الشركة ستبدأ المرحلة الثانية من عملية الاستكشاف التي تستمر أربعة أعوام. إلا أن مفاجأة وقعت في شهر مارس عام 2011، حيث أعلنت الشركة انسحابها من المشروع، الأمر الذي ترتب عليه انقطاع أخبار حفريات الغاز في شمال شرق المتوسط.
لم يمض وقت طويل حتى أعلنت إسرائيل وقبرص عن اكتشافات للغاز الطبيعي في السفح الجنوبي للجبل العملاق، تجاوزت احتياطاتها 1.22 تريليون متر مكعب قدرت قيمتها بنحو 220 مليار دولار.
إسرائيل أعلنت في عام 2010 عن اكتشاف بئر اطلقت عليها اسم «لفيانان»
وتحدثت إسرائيل في العام التالي عن اكتشاف بئر أخرى حمل اسم «أفروديت»،
والاثنتان يقعان في المياه المصرية الاقتصادية الخالصة.
إذ يقعان على بعد 190 كيلومترا فقط من مدينة دمياط المصرية،
بينما يبعدان بمسافة 235 كيلومترا عن حيفا في إسرائيل و180 كيلومترا عن ليماسول الإسرائيلية.
والبئران يقعان في السفح الجنوبي للجبل المصري الغاطس إراتوستينس.
عملية السطو تجاوزت ما يدخل ضمن الحدود الاقتصادية المصرية وظلت بئرا للغاز داخل ضمن الأراضي اللبنانية وأثارت قلق تركيا التي أقلقتها العربدة الإسرائيلية في شرق المتوسط. بالتعاون مع اليونان وقبرص.
في مصر ظل الأمر محاطا بغموض مريب ليس فقط لأن المؤسسات المعنية تعاملت بتراخ مدهش مع عملية السطو، خصوصا في الشق الخاص بترسيم الحدود الاقتصادية مع الجيران،
ولكن أيضا أن الملف حين أثير في مجلس الشورى في العام الماضي وتحول إلى دعوة إلى بلاغ قدم إلى النائب العام، فإن الحديث فيه انقطع فجأة دون ذكر للأسباب،
وحين اتيح لي في وقت لاحق أن اسأل رئيس لجنة الأمن القومي بالشورى عن تفسير للحكومة، كان رده أن الأجهزة السيادية هي التي طلبت ذلك وتمت الاستجابة لرغبتها، ففهمت سبب صمت المجلس ولم أفهم موقف الأجهزة منذ ذلك الحين وحتى الآن
ــ لا تعليق.