تعلمنا منذ نعومة أظافرنا أن (الجيش يحمى الوطن من الأعداء على الحدود) و(الشرطة تتعقب المجرمين والخارجين عن القانون وتسلمهم للعدالة) و(العدالة – ممثلة فى النيابة التى تنوب عن الشعب، والقضاء – ينظمهما القانون لا الأهواء السياسية) وأن (الدستور هدفه تحديد شكل النظام السياسى وتحديد شكل العلاقة – الفصل – بين السلطات، وتحديد قواعد تبادل السلطة سلميا وأساليب المحاسبة للمسئولين رئيسا ووزراء وشعب وموظفين).
كل هذا تعلمناه وظللنا نردده جيلا بعد جيل، وكنا نضحك عندما يزوّرون الانتخابات أو يحمون مبارك ونظامه بمواد وقوانين من المحاسبة، ونقول إن هذا مخالف لبديهيات ما تعلمناه، كما كنا ننتقد تدخل الشرطة فى الحياة السياسية وتغليب (الأمن السياسي) على (الأمن الجنائى) وقيامها بتعذيب المواطنين لا حمايتهم، ورعاية البلطجية لا تسلميهم للعدالة، ونقول إن ثورة 25 يناير أنهت هذا الخلل.
وفرحنا عندما انحاز الجيش للشعب عقب ثورة 25 يناير ليحمى الوطن من هذا الخلل الذى تسبب فيه نظام مبارك لهذه القواعد والبديهيات التى نسيناها، لكن الفاجعة جاءت عندما قام انقلاب 3 يونيو وكان لقيادة الجيش دور مركزى فيه لنعود ونسأل عن بديهية مهمة هى: هل مهمة الجيش هى حماية الحدود أم التدخل فى الشأن السياسى الداخلى ونصرة فريق سياسى ضد فريق آخر؟!.
وكان السؤال محيرا لأننا لم نعد نرى دور الجيش يقتصر على حماية الحدود، وإنما وجدناه يقف أمام منزلنا ويغلق شوارعنا ومياديننا بمدرعات ودباباته وكلها تحمل لأول مرة فى التاريخ صورة الفريق السيسى بعدما كانت تحمل عبارة (الجيش والشعب إيد واحدة)!.
وحتى لو سلمنا جدلا بأن ما جرى يوم 30 يونيو كان ثورة شعبية وأنه نزلت حشود شعبية بالفعل ضد أخطاء حكم الرئيس محمد مرسى، وأقنعنا أنفسنا أن ما فعله الفريق السيسى من انقلاب أو تدخل فى الحياة السياسية، كان صحيحا وأنه أنحاز للشعب (رغم المؤشرات التى تؤكد أن نية الانقلاب من رموز الدولة العميقة كانت متوفرة قبل 6 أشهر من عزل مرسى).. لو سلمنا بكل هذا جدلا، لماذا إذا لا ينحاز قادة الانقلاب أيضا إلى ما حدث بعد 30 يونيو من خروج مئات الآلاف الرافضين لما حدث فى 3 يوليو للشوارع على مدار أكثر من 100 يوم ويريدون بالزمن أن يتوقف عند 30 يونيو فقط؟!
لماذا الانحياز لشعب 30 يونيو الذى خرج مرة واحدة.. وضرب الشعب الآخر الذى لا يزال يخرج إلى الشوارع بعد 30 يونيو، ويطالب بالبديهيات التى ذكرناها فى بداية الحديث وهى أن يعود الجيش إلى وظيفته الأساسية لحماية الحدود ولا يتدخل فى الشأن السياسى ؟!.
لو زار مصر مواطن من المريخ مثلا وشاهد 28 مدرعة تغلق ميدان التحرير من كافة الاتجاهات وشاهد هذا الانتشار الكبير للآلاف من قوات الجيش ومئات المدرعات فى كافة شوارع مصر وفوهات الرشاشات والدبابات موجهة للشعب، وقوات العمليات الخاصة توجه رشاشاتها إلى المواطنين وإلى صدر فتاة مسالمة ترفع شعار رابعة، أو تعتقل متظاهرين لا يختلفون عن متظاهرى 30 يونيو الذين حموهم شيئا، ويضربونهم.. ماذا سيسمى هذا المواطن المريخى ما يراه فى مصر؟ ثورة أم انقلابا؟!
لماذا نسينا هذه البديهيات ثم نقول إن من يعارض الانقلاب أو يخرج للتظاهر سلميا لمعارضة هذا التوريط للمؤسسة لعسكرية فى صراع داخلى بدلا من دورها الأساسى الخارجى على الحدود يهدد الأمن القومى؟!.
كل المصريين بلا استثناء يحبون جيشهم ويحافظون عليه ويرغبون أن يكون أقوى جيوش العالم ليحمى أمنهم.. وقلقهم من تدخل الجيش فى السياسية مبعثه هذا الحب وهذا الخوف على الجيش من استدراجه من قبل مؤامرات داخلية وخارجية فى أمور داخلية تعكر العلاقة الطيبة بينه وبين شعبه، وليس تصفية حسابات بين الإخوان والجيش كما يقول مشعلو الحرائق فى مصر.
ولكن كيف يكون شعور مواطن قتلت قوات الجيش ابنه أو ابنته أو أباه وأمه بالرصاص أمام عينيه؟ ألا يجعله هذا يسأل عن البديهيات وعن السبب الذى يجعل جيش بلده يقف فى الشارع منحازا لفريق ضد آخر، ويمنع البعض من التظاهر الحر وإبداء رأيه وقتله بالرصاص لو نزل للشارع ووصفه بأنه إرهابى؟!
لن أقول –كما قال موقع تلفزيون "بلومبرج" Bloomberg الأمريكى- إن الفريق السيسى وزير الدفاع وقائد الانقلاب فشل فى الأهداف التى ادعى الانقلاب بسببها، وهى منع حرب أهلية وإعادة البلد سريعا لطريق الديمقراطية، وتحقيق الاستقرار، ولا كما قال بلومبرج تحت عنوان Egypt’s Coming Civil War (مصر مقبلة على حرب أهلية) 7 أكتوبر الجارى أن سياسات السيسى الصفرية تقود للعكس، وتدفع مصر لحرب أهلية، وتهدم الاستقرار والاقتصاد، ولكنى أسأل: لماذا الإصرار على استبعاد التيارات الإسلامية من الحياة السياسية وإقصاءها برغم أنهم قالوا فى خارطة الطريق إنهم لا ينوون إقصاء أحد؟!