شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

أهالي مخيم إعزاز.. على هامش الحياة – خديجة الزغيمي

أهالي مخيم إعزاز.. على هامش الحياة – خديجة الزغيمي
  كان يوما ربيعيا مشرقا لطيف الجو، ذاك الذي عبرت فيه إلى سوريا. زهور الربيع على رأسها شقائق النعمان نبتت بين...

 

كان يوما ربيعيا مشرقا لطيف الجو، ذاك الذي عبرت فيه إلى سوريا. زهور الربيع على رأسها شقائق النعمان نبتت بين الحشائش على جانبي الممر الحدودي لمعبر باب السلامة، الهدوء يسود المكان ولا تسمع سوى أصوات الطيور والسيارات القليلة التي تمر من حين لآخر. لا شيء يوحي بما يدور على الجانب الآخر من الحدود.

 

 

ما أن ينتهي الممر، الذي بات يفصل ويربط بين عالمين، حتى تجد نفسك وسط متناقضات الوضع السوري الحالي، في البداية يستقبلك علم الثورة واللافتات التي ترحب بك في سوريا الجديدة، والتي تنثر أجواء من التفاؤل، ثم عندما تتقدم بضع خطوات أخرى وتصبح داخل مخيم إعزاز، يقابلك الوجه المأساوي للأزمة.

 

 

طبقات من المعاناة

 

تحت شمس الربيع المشرقه، وبين أزهاره الجميلة وجوه اللطيف، تقبع طبقات من المعاناة، عميقة بشكل يدفع للتساؤل عن الزمن الذي سيستغرقه تجاوزها. نجا أهالي المخيم من الموت، نعم، لكنهم رأوه بأعينهم وهو يختطف أحبتهم، وعندما فروا منه وجدوا أنفسهم يعيشون على هامش الحياة.

 

 

صادف وجودنا في المخيم وقت توزيع وجبة الغداء، أخذ المصطفون في انتظار الحصول على نصيبهم، يشتكون لنا في صوت واحد من ضآلة الوجبة الموزعة. أرانا "أبو محمد"، أحد المشرفين على توزيع الطعام القائمة الطويلة للأسماء التي تنتظر دورها لاستلام وجبتها، في حين أخذ رفاقه في الإشارة إلى الوجبات الموزعة، من حق كل شخص في المخيم ربع رغيف "لحم عجين" وحبة بطاطا مسلوقة، هذا كل شيء لذاك اليوم. عندما التقينا مع مدير المخيم "حسام شمو" أخبرنا بوجود حوالي 14 ألف شخص في المخيم، في حين أن الوجبات التي تقدمها الهيئات الخيرية للمخيم، تكفي 9 آلاف شخص فقط، وهكذا يكون على مشرفي المخيم تقليل حصة الأفراد، لكي يتمكن الجميع من الحصول على ما يأكلونه.

 

 

عرجنا على المركز الطبي للمخيم، الذي يديره الهلال الأحمر القطري، والذي ينتظر المرضى أمامه بصبر دورهم في الفحص الطبي، الذي لا ينتهي بالضرورة بالحصول على العلاج اللازم. لم يُسمح لنا بالدخول بسبب ازدحام المركز بالمرضى، وهكذا لم نتمكن من التعرف على إمكانيات المركز واحتياجاته. فقط أخبرنا أحد العاملين في المركز، على عجالة، أنهم بحاجة إلى جميع أنواع الأدوية.

 

 

كثير من اللوم

خلال عبورنا بين الخيم، تلقينا اللوم من كثير من الأهالي، لامونا على تخاذلنا عن نصرتهم، لامونا كعرب لم تتخذ حكوماتنا مواقف جادة بجانب الشعب السوري، ولامونا كصحفيين لم نفعل ما يكفي لكشف ما يدور في سوريا. البعض أبدى تفهمه لمواقف دول الثورات العربية، باعتبار أن أمورها لم تستتب بعد داخليا، وبالتالي ليس بإمكانها فعل الكثير للشعب السوري. أخرون كانوا يبحثون عم يعتقدونه خلاصا فرديا لأنفسهم، وأخذوا يسألوننا بلهفة عندما عرفوا أننا قادمون من تركيا، إن كنا نعلم متى سيسمحون لهم بالعبور إلى تركيا.

 

 

تنامت إلى أسماعنا هتافات تنادي بالحرية، وبما أن اليوم كان الجمعة، اعتقدنا أنها أصوات مظاهرة تنظم في المخيم، ولكن عندما وصلنا لمصدر الأصوات وجدنا مجموعة من الشباب تلعب كرة القدم، وحولهم أعداد كبيرة من المشجعين، وبدا فريق "الحرية" متقدما على فريق "الاتحاد" لذا تعالت الأصوات بتشجيعه. أخبرنا مرافقنا "أحمد" أن مسابقات كرة القدم تنظم بشكل دائم في المخيم، فالشباب "يلعبوا كي ينسوا".

 

 

قريبا من مكان الملعب لاحظنا مجموعة من الخيام بعيدة قليلا عن باقي المخيم، اقتربنا منها وبدأت كاميراتنا في جذب الأطفال الذين يرغبون في أن نلتقط لهم الصور، ثم ظهرت أمهاتهن وأخواتهن الكبار، ليحكين لنا معاناتهن في المخيم. فقد جاءوا للمخيم قبل 3 أشهر من حماة، واضطروا للبقاء في المسجد لعدم وجود خيام، ثم توفرت لهم خيام نصبوها في هذا المكان، لكنهم لم يحصلوا على شيء آخر، واضطروا للدفع من مدخراتهم القليلة لشراء فرشات وأغطية.

 

 

بينما هم يشكون لنا من قلة الطعام والدواء ومن بداية تفشي الأمراض، لم ينسوا أننا ضيوفهم ولو كانوا يعيشون في خيمة ولا يملكون سوى أقل الزاد. أصروا علينا أن نشرب معهم الشاي، فرشوا لنا في ظل إحدى الخيام، وجلسنا جميعا نحتسي الشاي، بينما تلفح وجوهنا نسمات وقت العصر اللطيفة، وتلفنا أشعة شمس ما قبل المغيب الذهبية.

 

 

حنين.. ألم وأمل

كانت هذه الجلسة صورة مصغرة لما يدور في أذهان معظم السوريين، مزيج من الحنين إلى القرية والبيت، والحزن على من فُقد، والتألم من الحاضر، والأمل في المستقبل. حدثتنا "شفاء" بحماس عن تطوعها في مشروع "المركز الصديق للأطفال" المقام في المخيم، والذي يهدف لاستثمار طاقة الأطفال، خارج أوقات المدرسة، التي لا تستوعب بجميع الأحوال سوى خُمس أطفال المخيم. حيث يُعلّم المتطوعون في هذا المشروع الأطفال مختلف أنواع الأشغال اليدوية، تحلقت حولنا "تسنيم" و"رحمة" مع إبرهن وكرات الصوف، وأخذن يريننا مهاراتهن في أشغال الإبرة، وأهدتنا شفاء إحدى القطع الفنية المصنوعة من قماش بسيط، وهي تخبرنا كيف تعلمت طريقة صنعها من جدتها.

 

 

"بتول" ذات الأربعة عشر ربيعا، أرادت أن تحكي لنا قصتها بطريقتها. أخرجت دفترها الذي تحتفظ به كالكنز، وأخذت تسمعنا أغانٍ كتبتها، مزجت فيها بين الحنين للضيعة والأصدقاء، وحرقة القلب على الشهداء، والثقة في العودة، وتصبير أمهات الشهداء، والدعوة لتسليح ونصرة الجيش الحر. تحشرج صوتها قليلا في البداية وبدا عليها التأثر، لكنها مالبثت أن تمالكت نفسها، واكتسب صوتها القوة، وملامحها الصلابة، كأنها تريدنا أن نتذكرها هكذا دائما

 

 

 



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023