حذرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة FAO من تفاقم أزمة ندرة المياه في الشرق الأوسط خاصةً، والتي قالت إنها باتت تهدد الأمن الغذائي في المنطقة، نظرًا لتأثيرها سلبًا على كمية الغذاء الذي يمكن إنتاجه لإطعام الشعوب.
وانطلاقًا من الارتباط الوثيق بين ندرة المياه وكمية الإنتاج الزراعي، تشارك منظمة FAO، في مؤتمر الأطراف لتغيّر المناخ كوب 27 في شرم الشيخ شرق مصر، المنعقد في الفترة من 6 إلى 18 نوفمبر الجاري.
فالغذاء، كما يقول “جان مارك فوريس”، مسؤول البحوث الزراعية وأخصائيّ إدارة الموارد المائية في منظمة فاو، من أكثر القطاعات تأثرًا بتبعات التغيرات المناخية.
ويلفت فوريس، في حوار خاص مع وكالة الأناضول، على هامش كوب 27، إلى أن هناك الكثير من التحديات التي يجب مواجهتها مع مراعاة تحديد الأولويات نظرًا لكثرتها.
نبّه فوريس في حديثه ، إلى أن “الماء هو القضية رقم واحد في الشرق الأوسط على وجه الخصوص وفي العالم، سيخبرك كل وزير للمياه والري أن الزراعة أكبر مشاكله”.
وتابع: “إذا ذهبت إلى أحد وزراء المياه والري لأتحدث عن مشكلة أخرى تتعلق مثلا بالآفات الزراعية، أو عن الكيفية التي يمكن من خلالها جعل المزارعين يحصلون على حياة أفضل، أو أي موضوع آخر يمكن طرحه، سيكون الرد: الماء!”.
وشدد على عمق مشكلة ندرة المياه المرتبطة بتغيّر المناخ، وبالتالي انخفاض الإنتاج الزراعي الكافي لسدّ حاجات الشعوب بالنسبة لبلدان الشرق الأوسط بشكلٍ خاص.
وقال فوريس: “نحن نعيش في منطقة الشرق الأوسط، وهي منطقة جافة جدًا، ومعروفة بكونها أكثر المناطق التي تعاني من ندرة المياه، بل إن الوضع المائي في الكثير من بلدان المنطقة تحت مستوى ندرة المياه”.
وأضاف: “عندما ننظر إلى الخريطة، نرى أن هذه المنطقة صحراوية في أغلبها، فالرمال في كل مكان حولك، وتهطل الأمطار بشكل محدود في مناطق، وتمرّ أنهار قليلة من مناطق أخرى، لكنها إجمالاً منطقة تعاني من نقص المياه بطبيعته”.
ولفت إلى أنه “إذا أضفنا لهذه المعاناة التغيرات المناخية التي ستؤثر على كمية المياه القليلة أصلًا، فهذا تحدٍّ أكبر”.
وشرح أن “كمية المياه المتاحة ترتبط مباشرة بالأمن الغذائي، إذ تعتمد عليها كمية الطعام التي يمكن إنتاجها، وعدد الأفراد الذين يمكن إطعامهم، فنحن نحتاج إلى حوالي لترين مياه لنشربها يوميًا على الأقل، ونحتاج إلى 2000 لتر مياه لإنتاج الطعام الذي نتناوله”.
وأكد أنه “في الواقع، الشرق الأوسط لا يفتقر لمياه الشرب، ولكن لمياه كافية لإنتاج الغذاء، وهذه مشكلة مشتركة بين دول المنطقة بأسرها، وهذا أيضًا هو الرابط الذي لا ينفصل ما بين الماء والغذاء والزراعة”.
وشرح فوريس للأناضول تأثير التغيرات المناخية على المياه والزراعة، وقال: “لنبدأ الحديث عن إنتاج الغذاء، ما هو إنتاج الغذاء؟ بشكل رئيسي يتطلب إنتاج الأطعمة من قبل مليارات المزارعين في جميع أنحاء العالم، استغلال الماء والمناخ والتربة، واستخدام هذه العناصر مجتمعة بجانب البذور لإنتاج الغذاء”.
وتابع: “يعتمد المزارعون دائمًا على المناخ في أنشطتهم بشكل رئيسي، والآن بعد أن تغيّر المناخ، أصبح المزارعون أول المتضررين، وللأسف لا توجد وظيفة أخرى على الأرض مرتبطة مباشرة بالمناخ بقدر ما ترتبط الزراعة به.
وأوضح فوريس انعكاس تغيّر المناخ وكميات الأمطار على الإنتاج الزراعي، وقال: “بما أن تنوّع المنتجات الزراعية دائمًا ما يتبع تتابع وتنوّع المواسم، فلطالما كان هناك مخاطرة بسبب تقلبات الجو، فنجد أن المطر يأتي بغزارة أحياناً، فيما لا تمطر السماء أحيانًا، أو تمطر في موعد متأخر عن المعتاد”.
واستدرك: “لكن الوضع الحالي مختلف كليًا، لأن المحصولات التي اعتاد الناس على زراعتها، أصبحت محلّ تشكك الآن”.
ونقل فوريس مخاوف المزارع الذي يتساءل “هل لا يزال بإمكاني زراعة المحصول نفسه، أم أنني سأعاني من درجة حرارة مرتفعة جدًا تقضي على الزرع، أم سأمرّ بأزمة شح مياه تمنعني من ري المزروعات؟”.
وعقّب بالقول: “لذا نرى الرابط ما بين تغير المناخ وما نقوم به، تغيّر المناخ محوري في كل ما نقوم به من أنشطه”.
تحدث فوريس عن علاقة وثيقة بين تغير المناخ والتكيف والمياه والزراعة.
وشدد أن: “التغيّر في هطول الأمطار وأنماطه وكمياته، وموجات الجفاف الأطول، كل هذه العناصر تؤثر على ريّ المحاصيل، وهناك تقديرات تشير إلى أن تغيّر المناخ سوف يغيّر المطر”.
وقال: “على سبيل المثال، في شمال إفريقيا، من المتوقع أن تنخفض الأمطار بنسبة 12 بالمئة، وفي حال حدوث هذا، سيتبعه انخفاض بنسبة تتراوح من 30 إلى 40 بالمئة في مياه الأنهار، وهي المستخدمة في الري”.
وتابع: “فالعلاقة بين تغيّر المناخ والتكيف والمياه والزراعة وثيقة، فبدون ماء، لا زراعة”.
وبالحديث عن الإجراءات التي تتبعها فاو لمواجهة أزمة المياه وتبعاتها على الإنتاج الزراعي، قال فوريس: “لنلقي نظرة على الماء والمناخ، لفترة طويلة كان النقاش حول الطاقة لكونها مصدر الانبعاثات”.
وأضاف: “كان السؤال الأبرز كيف يمكننا الحصول على طاقة نظيفة؟ كل النقاشات المتصلة بتخفيف الانبعاثات، متصلة بالحديث حول الطاقة الآن”.
وتابع: “في مرحلةٍ لاحقة، طُرحت مسألة التكيّف، وإن كان ذلك متأخرًا كثيرًا، لأنه أكثر تعقيدًا”.
وبيّن أنه “بينما يمكننا حساب وقياس جزيئات الكربون التي تدخل الغلاف الجوي، وبالتالي احتساب كم نحتاج لتخفيف الانبعاثات ومن المسؤول عنها، فإن مفهوم التكيف أكثر تعقيدًا وغموضًا”.
وأردف: “فماذا يعني التكيف؟ ماذا تعني المرونة والهشاشة المناخية؟ لا يزال الجميع يكافحون من أجل الوصول إلى تعريفات لهذه المصطلحات”.
وبيّن أنه “بالرغم من غموض تعريف التكيّف، إلا أنه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالمياه، وبالأخص مرتبط بالزراعة”.
تحدث فوريس عن عدد من المؤسسات الدولية التي أنشئت لمواجهة أزمة شح المياه وإيجاد حلول لها من خلال العمل التعاوني والتنسيق المشترك.
وأضاف: “من الواضح أن هذه المؤسسات قد تم إنشاؤها للاستجابة لتحديات كبيرة، وبالفعل هناك العديد من المؤسسات التي تعنى بأمر المياه في المنطقة”.
وعدّد منها: “المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة ICARDA، والمركز الدولي للزراعة الملحية والمعهد الدولي إدارية المياه IWMI، إلى جانب العديد من المؤسسات البحثية الوطنية الأخرى التي تتعامل مع قضايا المياه”.
وذكر أنه “قبل بضع سنوات، أطلقنا في منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)، ما نسميه مبادرة ندرة المياه، والهدف الرئيسي منها هو العمل معًا”.
وأضاف: “الآن لدينا هذه المنصة التعاونية (مبادرة ندرة المياه) مع كل تلك المؤسسات التي ذكرناها، والتي تعمل معًا بحيث لا يجري تكرار نفس المشروعات بشكل فيه تنسيق وتناغم”.
وتابع: “من خلال التنسيق المنتظم، يتم تحديد الكيفية التي نرغب من خلالها بالتعاطي مع مشاكل المياه. لذلك نلتقي بانتظام، للوصول لإجابة على سؤال: من سيقوم بهذا الدور أو المهمة؟”.
وأردف: “فنحن نعلم أنه إذا قام معهد بحوث إدارة المياه بالبحث حول هذا الموضوع، وقام المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة بالبحث حول الموضوع ذاته، فإن هذا يعدّ جهدًا وموارد مهدرة لا نحتاج إليها”.
واستدرك: “لذلك نعمل على التخطيط لأنشطتنا معًا والتبادل المنتظم للخبرات، بحيث يتم تحسين قدرة هذه المؤسسات المختلفة للإجابة على الأسئلة المختلفة”.
وقال: “على سبيل المثال، من خلال حدث ضخم مثل مؤتمر الأطراف COP27، نقوم بعمل اجتماعات، كان أقربها مثلا اجتماع اليوم (؟؟؟) مع المؤسسات العاملة في مجال المياه والزراعة”.
وأوضح أنه “من خلال هذه الاجتماعات نتبادل الرؤى والمواقف ونتشارك ما نقوم به من أبحاث، ونسلط الضوء على ما نعدّ له من عمل ميداني ومشروعات على الأرض، حتى نعرف ما يفعله بعضنا البعض”.
وأضاف: “صحيح أنها اجتماعات مملّة للغاية، فهي اجتماعات تقنية، لكنها مهمة للتأكد من أننا نستخدم الموارد الصغيرة التي لدينا بأفضل طريقة ممكنة”.
وفي معرض ردّه على سؤال حول آلية تقييم جدوى المشروعات التي تنفذها منظمة فاو لمواجهة أزمة التغير المناخي وشح المياه الناتج عنها، لفت فورسي إلى أن التحديات كثيرة لدرجة ينبغي تحديد أولويات المعالجة.
وقال: “هذا هو السؤال الذي يشغلني كل يوم، كل يوم أسأل نفسي: هل أتصرف في الوقت القليل الذي لديّ والأموال المحدودة التي بحوزتي بأفضل طريقة ممكنة؟”.
وأضاف: “لدينا الكثير من التحديات التي يجب مواجهتها، نسأل أنفسنا سؤالاً: هل يجب أن نتصدى لها جميعاً؟ كيف يمكننا تحديد الأولويات؟ لأننا لا نستطيع أن نفعل كل شيء، ولكن مع ذلك علينا أن نعرف من أين نبدأ وإلى أين نصبوا”.
وشدد أن “هذا تحدٍّ كبير، فكما أوضحت في مجال الزراعة والأمن الغذائي، كلّ الأمور متصلة ببعضها، مثلًا التغذية والسوق والمياه والمحاصيل، كلها متصلة ببعضها البعض”.
وتابع: “هل يمكننا كعاملين في منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، أن نحدّد أننا لن نضع ملفّ الثروة الحيوانية في أجندة أعمالنا لأننا لا نملك الوقت؟ بالطبع لا يمكن”.
وأكمل موضحًا: “فالماشية على سبيل المثال لها قيمة بالغة الأهمية عند العديد من الأسر العاملة في قطاع الزراعة، إذن في مثل هذه الحالات نضع ملفّ تربية المواشي في قائمة أولوياتنا”.
وشدد أن “لا يمكننا تجاهل مثل هذه الملفات المؤثرة على القطاع الزراعي، ومنها مثلًا الآفات الزراعية، ففي العام الماضي كان لدينا موجة مدمّرة من الجراد هاجمت المحصولات في العديد من الدول وكان الأمر مهددًا للأمن الغذائي، وقتها كان طبيعيًا أن نضع هذه المشكلة في أولوياتنا، ونعمل على إيجاد حلول”.
وأكد أنه “خلال كل مراحل عملنا، دائمًا ما تحتلّ المياه مكانةً عالية في جدول أعمالنا، فخلال كل ما نقوم به من مشروعات، نعود لنذكّر بعضنا البعض بأن لا نسى الماء، لا نريد أن ننسى الماء لأنه الأساس، ولن نفعل أي شيء بدونه”.