تُثار التساؤلات حول الدور الحقيقي للداخلية، وحول قدرتها على تحقيق الأمن وإشاعة حالة من الهدوء والسلام النفسي وحماية الأفراد و المنشآت ، خاصة مع اشتعال الأحداث منذ الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس في 22 نوفمبر الماضي، وحتى اللحظة الحالية التي أصابت إحساس المواطن بالأمان وهيبة الدولة.
فبعد الإعلان الدستوري، الذي أثار غضب المعارضين للإعلان ، أعقبه محاولات عدة لحرق مقرات جماعة الأخوان المسلمين تزامنت مع مسيرات المعارضة لرفض الإعلان الدستوري دون محاولة جادة من الداخلية لتأمين تلك المقرات لمنع حرقها مرة أخرى إلا في عدد محدود من المحافظات كالإسكندرية والمنوفية، فكان يأتي دور بعد وقوع الحادث مثلما شُهد عند حرق مقرات الأخوان فى الإسماعيلية وطنطا حيث اتجهت القوات على الفور لإخماد الحريق وتفريق لمتظاهرين.
عدم الاحتياط التام
وكذلك الحال يوم نظر المحكمة الدستورية العليا فى الثالث من ديسمبر الجاري لدعوتين تتعلقان بعدم دستورية قانون انتخابات مجلس الشورى ، وبطلان الجمعية التأسيسية عندما حاصر متظاهرين من جماعة الإخوان وقوى إسلامية أخرى- تجاوز عددهم أكثر من 5 آلاف شخص- مقر الدستورية، أعلن أمين السر (سكرتير الجلسة) عن تأجيل جميع القضايا المقررة إلى أجل غير مسمى، لعدم استطاعة أغلب قضاة المحكمة الحضور في ضوء المظاهرات الحاشدة.
تخاذل وقصور في الأداء
ولم يتوقف الأمر عند ذلك ، ففي أحداث الاتحادية الأولي 4 ديسمبر الماضي عندما حاصر المتظاهرون قصر الاتحادية من جانبي هليوبوليس ، و نفق العروبة ، وقاموا بتجاوز الأسلاك الشائكة من جانب قصر العروبة ، دون أدني ممانعة من قوات الشرطة المرابطة في محيط القصر، كما حرض الضباط المتواجدين خارج القصر جموع المتظاهرين باقتحام القصر ، قائلين " ربنا معاكوا يا ثوار ، إحنا مع الشرعية وأنتوا الشرعية ، ادخلوا وربنا معاكم انتوا عددكم كبير ولن يتعرض لكم أحد "
أما عن حريق مقر الأخوان بالمقطم، الذي تزامن مع نزول جماعة الإخوان لقصر الاتحادية واشتباكها مع المعارضة، حملت الجماعة وزارة الداخلية مسئولية ما حدث ، واتهمتها بالتخاذل في بيان لها، مشيرة إلى أن الجماعة اتصلت بوزير الداخلية لإعلامه مغادرة قيادات الجماعة المقر وللمطالبة بحمايته، وعندما أقبل نحو مائة وخمسين شخصا من المعتدين اعترضهم قوات الأمن، ثم انسحبوا وتركهم يحطمون البوابة الحديدية الخلفية ويقتحمون المبني وينهبون محتوياته .
وكذلك الحال عند حريق مقر حزب الوفد بالدقي، حيث أكد مجدي سرحان -مدير تحرير جريدة الوفد- أن هناك بلطجية هاجمتهم في مقر حزب الوفد ويرجح أنهم أعضاء في حركة حازمون، وحاصروهم وتم إطلاق النيران عليهم بشكل كثيف ، وانفضت الداخلية من حولهم بعد أن طمأنتهم قبلها وقالت لهم أن أعمال العنف التي سمعوا عنها لن تضرهم وليست لها علاقة بهم حينما أبلغوهم بها وحاولوا الاستفسار عما يحدث.
غير موجودة
فتقريبًا قوات الأمن غير موجودة عند مدينة الإنتاج الإعلامي التي حاصرها أنصار الشيخ صلاح أبو إسماعيل في الـ5 من ديسمبر الجاري بقصد تطهير الإعلام، ففيالتاسع من نوفمبر تقدم بلاغ إسماعيل أحمد- مدير أمن مدينة الإنتاج الإعلامي – ببلاغ إلى قسم شرطة أول أكتوبر، يتضرر فيه من أنصار الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، لقيامهم بنصب الخيام أمام البوابة رقم 4 بالمدينة، وإغلاقها، ومنع دخول العاملين إلى المدينة.
عجز عن المواجهة
ويرى اللواء يسرى قنديل أن تصرفات الجهاز الحاكم-من مؤسسة الرئاسة، وحكومة- والمعارضة السبب وراء الفوضى الموجودة الآن في البلاد، فالإعلام محاصر والقسم محاصر والأمن غير قادر على المواجهة، مؤكدا على أن هيبة الدولة في خطر، وأن الحل في ضرورة اتفاق الطرفين من جهاز حاكم وحزب حرية وعدالة ومعارضة .
ويؤكد "قنديل" على عدم قدرة الداخلية على فرض الأمن الحقيقي والمواجهة، إضافة إلى عدم رغبتها في الدخول في الصراع خشية من اتهامهم بالتسبب في قتل المواطنين مثلما قيل في الأحداث السابقة.
افتقاد التشريعات
واتفق معه اللواء محمود القطري حول عدم قدرة الشرطة على أداء دورها ومنع الجريمة قبل وقوعها مثلما لوحظ في الأحداث الأخيرة، معللا ذلك بكون الشرطة حائرة بين القيام بدورها، واتهامهم بقتل المتظاهرين والمعتدين فلا توجد تشريعات تكفل لها القيام بدورها، فهي تحتاج إعادة بناء على كل المستويات التشريعية والفكرية بما يسمح بمعاقبة من يتهاون في أداء دوره ، مؤكدًا على أن الشرطة ما هي إلا هيكل كارتوني لا يمكن تقييمه.
إهمال الرئاسة
ويرى "القطري " أن ما وصلت إليه الشرطة يرجع إلي إهمال الرئيس لتلك المنظومة الأمنية، ورغبته في أن تظل هكذا حتى يُمكن مليشيات الأخوان، التي تعمل على استحياء حتى الآن، مشيرًا إلى أن الدستور لا يضمن استقلال دائم للشرطة، ومحتاج إعادة تعريف لمعني الأمن العام.
وفى المقابل رأى الحقوقي –جمال عيد- أنه لا صحة لخوف قوات الشرطة من اتهامها بالقتل ، أو عدم وجود تشريع يعاقب المتقاعسين منهم ، ويضمن لهم حقهم في القيام بدورهم ، مؤكدًا على أن القوانين كافية ولكنها تحتاج لتفعيل.
ويؤكد"عيد" أن إصلاح الداخلية يحتاج لإرادة سياسة حقيقة لتحقيقها وتفعل القوانين، ولكنها غير موجودة بسبب انشغال الرئاسة بالقضاء أكثر من الاهتمام بالداخلية.