أوردت صحيفة ''الواشنطن بوست'' يوم أمس مقالة للرأي تحت عنوان ''رجلنا في القاهرة'' حيث بدأ الكاتب ''ديفيد إيجناتيوس'' مقاله متسائلا: "كيف أصبحت واشنطن أفضل صديق للإخوان المسلمين في مصر، بالرغم من أن الرئيس محمد مرسي، يفرض سلطاته الديكتاتورية، وأتباعه يضربون الليبراليين العلمانيين في شوارع القاهرة؟ إنه سؤال يطرحه كثير من العرب هذه الأيام، ويستحق الإجابة عليه".
إن مرسي وأتباعه من الإخوان يواجهون عثرات في السلطة بعد عقود من العزلة والاضطهاد، يمكنك أن تربط بين هذا الوضع المكتشف حديثا وبين مرسي عندما قام بزيارة الولايات المتحدة في سبتمبر، وكذلك الدبلوماسية التي أدت خلال الشهر الماضي إلى وقف إطلاق النار في غزة، بوساطة من مرسي ووزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كيلنتون. لقد تحول قادة الإخوان من أشخاص منبوذين اجتماعيا إلى نجوم ساطعة يستمتعون بوجودهم في دائرة الاهتمام.
فلنكن صادقين: كانت إدارة أوباما العامل الأساسي في إفساح الطريق أمام مرسي. فلقد عمل مسؤولون أمريكيون عن كثب معه فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية والدبلوماسية الإقليمية. كانت زيارة كبار مساعدي مرسي لواشنطن الأسبوع الماضي، من أجل الترويج لعلاقة رئيسهم الوطيدة بالرئيس أوباما ولشرح المكالمات الهاتفية التي دارت بين الزعيمين وأدت إلى وقف إطلاق النار في غزة.
إن دور مرسي غير المرغوب فيه كصانع للسلام هو الأبرز لذلك "الرهان الكبير" الذي راهنه أوباما على الإخوان المسلمين كما أنه يوضح السبب في أن الإدارة كانت حكيمة في الاحتفاظ بقنواتها مفتوحة طيلة العام الماضي وسط حالات الخداع عقب الثورة في مصر.
ولكن السلطة تفسد، وهذه هي حقيقة الوضع مع الإخوان المسلمين، أو مع أي جماعة أخرى تجد نفسها فجأة في مقعد القيادة بعد عقود من النبذ الاجتماعي. ومن المحتمل أن يكون مرسي قد اعتقد أنه حصل على دعم أمريكا، ولذلك تجاوز حدوده يوم 22 من نوفمبر بإعلانه أن قراراته الرئاسية لا تخضع للرقابة أو الطعن القضائي.
إن أتباعه يدعون أنه كان يحاول حماية ثورة مصر من القضاة المعينين من قبل حسني مبارك. ولكن هذا الأساس المنطقي قد تآكل بشكل تدريجي، حيث استقال أعضاء من حكومة مرسي احتجاجا على ذلك، وخرج آلاف المتظاهرين في الشوارع. والأسوأ من هذا كله، فقد بدأ مؤيدو الإخوان المسلمين بشن هجمات مضادة بالحجارة والهراوات والمواسير المعدنية.
كانت إدارة أوباما طوال هذه الثورة, تلتزم بضبط النفس بشكل غريب. وعقب الاستحواذ على السلطة، قالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، فيكتوريا نولاند: "نحن ندعو إلى الهدوء ونشجع كافة الأطراف المصرية على التعاون في حل هذه القضايا المهمة بالطرق السلمية وعبر حوار ديمقراطي بناء". حتى لم يكن استنكارا قويا.
لقد كتب إلي مسئول عربي قائلا: "أنت بحاجة لأن توضح لي السبب في أن رد الفعل الأمريكي على تصرفات مرسي يبدو صامتا جدا لهذه الدرجة"، وأضاف: "أن يصبح قائد إخواني رئيسا لمصر، ثم ينقض لاغتصاب أكثر السلطات الرئاسية تحديا منذ عهد الفراعنة. وهذا يكفي لوصف مبارك مستبدا تحت التدريب مقارنة به، والاستجابة الوحيدة لإدارة أوباما كانت من خلال بيان نولاند". وتساءل ذلك المسئول العربي عن ما إذا كانت الولايات المتحدة قد فقدت اتجاهاتها الأخلاقية والسياسية لحماستها في العثور على أصدقاء جدد.
وكان رد الإدارة هو أن ذلك الأمر ليس متعلقا بأمريكا، فالمصريون والعرب الآخرون يسطرون تاريخهم الآن، ولذا عليهم التأقلم مع العواقب. علاوة على ذلك، فإن الشيء الأخير الذي يحتاجه المحتجون العلمانيون هو تبني أمريكي لهم. وهذا بالطبع صحيح، ولكن من الجنون أن تظهر واشنطن في صف هؤلاء المؤيدين للشريعة والمعادين للأشخاص الراغبين في أن تكون مصر ليبرالية متسامحة. وبطريقة أو بأخرى, هذا هو ما توصلت الإدارة في نهاية المطاف.
وإذا كنت تريد درسا حول مخاطر الوقوع في حب العميل الخاص بك، فلتُلق نظرة على العراق: لقد ظل المسؤولون الأمريكيون بداية من الرئيس السابق جورج دبليو بوش والجنرال ديفيد بترايوس، يشيدون برئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، بالرغم من تحذيرات الكثير من العراقيين بأنه سياسي متآمر قد ينتهي به الأمر متحالفا مع إيران.
لقد استمرت هذه المودة المغلوطة، أيضا حتى إدارة أوباما: وعندما صوت الشعب العراقي بحكمته لإسقاط المالكي في عام 2010، ساعدته الولايات المتحدة في حشد التأييد الكافي للبقاء في السلطة. ولا يزال المراقبون العرب يحاولون إعمال عقولهم في محاولة لفهم هذا الأمر.
وعند تقييمنا للأحداث المضطربة في العالم العربي، ينبغي علينا أن نذكر أنفسنا بأننا نشهد ثورة ربما تستمر لعقود حتى تتمخض عنها نتائج مستقرة. وحيث أنه يصعب توقع النتائج، فمن الخطأ عمل رهانات كبيرة على أي لاعب بعينه. ينبغي أن يكون الدور الأمريكي لدعم الحركة الواسعة من أجل التغيير والتنمية الاقتصادية وإبقاء قنوات التواصل مفتوحة مع أي حكومات ديمقراطية تبرز.
إن أمريكا سوف تساعد العالم العربي خلال هذا الاضطراب، إذا أعلنت صراحة أن السياسة الأمريكية تعتمد على مصالحها وقيمها، لا على التحالفات والصداقات العابرة سريعة الزوال. وإذا كان مرسي يرغب في أن تتم معاملته كزعيم ديمقراطي، فعليه أن يتصرف بشكل ديمقراطي.