عمرو أمينو يكتب:
«500 مليون دولار لإعادة إعمار غزة، 120 حاوية مساعدات غذائية، قوافل طبية، فتح مستشفيات مصرية، فتح معبر رفح، دعم رسمي وإعلامي».. هكذا انتفضت مصر مؤخرا في عهد السيسي – على غير العادة – لدعم القضية الفلسطينية وإدانة العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة.
الاشتباكات الأخيرة بين الاحتلال والمقاومة الفلسطينية لم تكن الأولى من نوعها في عهد السيسي، حيث شن الاحتلال في يوليو عام 2014 عملية «الجرف الصامت» على قطاع غزة، بهدف وقف إطلاق الصواريخ من غزة، وهو ما فشل في تحقيقه بالطبع، ولكن لماذا تغير موقف السيسي هذه المرة؟
ما بين عامي 2014 و2021 تغيرت مواقف السيسي في حرب غزة، محاولا فرض نفسه على الساحة مجددا بعدما استطاع السيطرة على الأوضاع الداخلية التي عانى منها بعد انقلابه على الرئيس مرسي، والتظاهرات التي خرجت آنذاك.
هناك عدة عوامل جعلت السيسي يضع رهانه هذه المرة على المقاومة الفلسطينية، بعدما تلاشى الدور المصري في الشرق الأوسط لصالح دول أخرى نستعرضها في النقاط الآتية..
التقارب مع بايدن
بعد وصول الرئيس «الديمقراطي» بايدن لكرسي الحكم بالولايات المتحدة، لم يعد السيسي ديكتاوره المفضل، على غرار سابقه «الجمهوري» دونالد ترامب، وهو ما وضع السيسي في مأزق بسبب انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها ضد معارضيه منذ 8 سنوات.
وجد السيسي مبتغاه في التقارب مع بايدن الذي أعلن تأييده ودعم بلاده لإسرائيل في حربها ضد غزة، خاصة مع علاقاته بقادة الفصائل الفلسطينية في غزة الحدودية مع مصر.
الدليل على تحقيق السيسي مبتغاه هو احتفاء إعلامه بشكر الرئيس الأميركي جو بايدن له على دوره الحاسم في وقف إطلاق النار والتهدئه بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
سعدت اليوم بحديثى المطول مع فخامة الرئيس بايدن @POTUS والذى إتسم بالتفاهم والصراحة والمصداقية فى كافة الموضوعات التى تهم البلدين والمنطقة … وأود أن اؤكد أن الرئيس بايدن يتمتع برؤية ثاقبة وخبرة متميزة تتسم بالواقعية فى كافة الملفات بما فيها ملف العلاقات الثنائية
١/٢— Abdelfattah Elsisi (@AlsisiOfficial) May 24, 2021
الإمارات كلمة السر
حاولت الإمارات خلال السنوات الأخيرة فرض نفسها كقوة إقليمية في الشرق الأوسط على حساب الدور المصري التقليدي، وهو ما ظهر جليا خلال دورها في الأزمة الليبية ومحاولة توريط مصر بالتدخل العسكري لصالح حفتر، إضافة إلى دورها في موجة التطبيع الأخيرة مع الاحتلال الإسرائيلي بعيدا عن أعين الإدارة المصرية.
الخلاف بين القاهرة ظهر جليا خلال الفترة الأخيرة، خاصة بعدما تغير الموقف المصري في الملف الليبي، وعودة علاقتها مع الجانبين التركي والقطري، وهو ما يغضب أبوظبي بكل تأكيد.
ومع الأحداث الأخيرة في غزة أثبت السيسي أن مصر هي المحرك الأول للقضية الفلسطينية وأنه لا مفاوضات ولا وساطات بين الاحتلال والفلسطينيين بدون القاهرة، وهو ما ظهر جليا بعد اختفاء الإمارات عن المشهد في غزة.
سد النهضة
إن تأييد الاحتلال الإسرائيلي لإثيوبيا وضخ استثماراته في سد النهضة، الذي يمثل أزمة كبيرة للنظام المصري في الفترة الأخيرة، أعطى مصر فرصة لإظهار قدرتها على قلب الطاولة على الجانب الإسرائلي، من خلال دعم المقاومة.
الدور المصري الذي لعبه في حرب غزة ظهر جليا خلال مكالمة بين بايدن والسيسي والتي تطرقت إلى أزمة السد، حيث أقر بايدن بمخاوف مصر بشأن الوصول إلى مياه نهر النيل، وشدد على اهتمام الولايات المتحدة بالتوصل إلى حل دبلوماسي.
استخدام السيسي سياسة العصا والجزرة يبدو أنها أتت بثمارها سريعا، في الضغط على أميركا، ولم تبدِ اعتراضا على مناورات مصر الأخيرة مع السودان تحت شعار «حماة النيل».
التسويق لإعادة الإعمار
أثار السيسي ضجة في الأوساط السياسية بعدما أعلن دعمه لإعادة إعمار غزو بـ 500 مليون دولار من خلال الشركات المصرية، رغم معاناة شعبه من ضعف الدخل وغلاء المعيشة.
لكن بعدما نجحت مصر في توقيع عدة اتفاقات مع الجانب العراقي لإعادة الإعمار مقابل النفط أواخر العام الماضي، يبدو أن السيسي يحاول التسويق لنجاح مصر في إعادة إعمار غزة خاصة مع الشركات التي يمتلكها الجيش في مجال البناء، من خلال تكرار التجربة في غزة.
ووقعت مصر مع العراق صفقة «النفط مقابل الإعمار»، حيث تحصل حاليا بموجب اتفاق وُقِّع في أواخر العام الماضي على 12 مليون برميل سنويا من خام البصرة الخفيف بسعر أقل من متوسط السوق العالمي بثلاثة دولارات، إضافة إلى إعفاء البضائع المصرية من التعريفة الجمركية.
اللقاء الذي جمعني اليوم بأخي الرئيس عبدالفتاح السيسي وبأخي مصطفى الكاظمي خطوة مهمة في جهودنا لبناء التكامل الاقتصادي والعمل العربي المشترك بين بلداننا، ولنؤسس نموذجاً للتصدي للأزمات من خلال التفكير الإيجابي والتشاركي في ظل جائحة "كورونا" pic.twitter.com/v3AJgkZOLN
— عبدالله بن الحسين (@KingAbdullahII) August 25, 2020
تعاطف شعبي
يدرك الجميع أن القضية الفلسطينية ستظل دائما في قلب وعقل المواطن العربي منذ عام 1948 وحتى أن تسترد الأراضي المحتلة.
ويبدو أن السيسي حاول دغدغة مشاعر المصريين خلال الحرب الأخيرة، وهو ما ظهر جليا من خلال تغير خطاب إعلام النظام، فلم تعد حماس منظمة إرهابية رغم محاكمة مصريين بتهمة التخابر معها.