قضية مخدرات كبرى، بل قد تُعد الأكبر في تاريخ مصر، وتُمثل “فضيحة” بكل المعايير، سواء بالنسبة لمَن هم متورطون فيها، أو بخصوص كيفية تعامل وزارة الداخلية مع الأمر، والتستر على قياداتها المتورطة في تلك القضية، فضلا عما يمكن وصفه بتواطؤ القضاء المصري وتستره على ما جرى.
وطالت القضية قيادات كبرى بوزارة الداخلية المصرية، في مقدمتهم مدير مكتب مكافحة المخدرات بمديرية أمن القاهرة.
“تورط قيادات أمنية كبرى”
ومرت القضية بعدة مراحل، بداية من تورط القيادات الأمنية مع تجار مخدرات، ثم جاءت التحريات الأمنية لتؤكد تورطهم في القضية، بل واعترافات شرطيين ومتهمين على القيادات الأمنية، ووجود تسجيل بالاعترافات قام بها مساعد وزير الداخلية لقطاع مكافحة المخدرات، ليؤكد صحة التحريات، مؤكدا أنه سلّم تسجيلات للمختص.
ثم بدأ التلاعب في القضية وإبعاد مجري التحريات؛ فقد تم نقل الضابط الذي اكتشف الواقعة إلى مديرية أمن محافظة كفر الشيخ (شمالي القاهرة) عقابا له، ثم إخفاء التسجيلات، ثم صدور تحريات من الأمن العام جاء فيها عدم الوصول إلى ثبوت أو نفي تورط القيادات الأمنية، كما ورد في التحريات الأمنية التي أجريت في البداية.
وتمت إدانة عدد من الشرطيين (أمناء وأفراد شرطة) فقط ليكونوا (كبش فداء) للقضية في البداية. ورغم اعترافهم لم يحالوا إلى المحاكمة الجنائية في “سابقة غريبة”، واكتفت النيابة العامة المصرية (سلطة الادعاء في مصر) بعزلهم من الوظيفة، ثم جاءت المرحلة الأخيرة من غلق القضية بعودة الشرطيين المعترفين المفصولين من العمل إلى عملهم مرة أخرى بموجب أحكام صادرة لهم من القضاء الإداري، وذلك خلال فترة زمنية استغرقت نحو عامين ونصف.
“كشف التفاصيل”
وحسب موقع عربي 21 القضية حملت الرقم 1 لسنة 2018 جنايات الأميرية، وقُيدت القضية برقم 51 لسنة 2018 حصر تحقيق نيابة استئناف القاهرة، وكانت تُجرى تحت إشراف المستشار أحمد مصطفى حمزة، المحامي العام بنيابة استئناف القاهرة.
وفي الحلقة الأولى تكشف القضية ضبط 3 قضايا مخدرات في منطقة الأميرية بمحافظة القاهرة، وبتفتيش الهواتف المحمولة للمتهمين عثر بحوزة أحد تجار المخدرات على كشف بأسماء 66 شرطيا، بينهم قيادات وضباط شرطة كبار بوزارة الداخلية المصرية، وبجوار أسمائهم مبالغ مالية يتقاضونها أسبوعيا من تجار المخدرات، لتوفير الحماية لهم، ولعدم ملاحقتهم أمنيا، وكان ذلك هو خيط القضية الكبرى.
الرائد محمود عبد الرازق الطيب، ضابط شرطة بالإدارة العامة لمكافحة المخدرات، وقت الواقعة، وحاليا بمديرية أمن محافظة كفر الشيخ، والذي تم نقله إلى مقر عمله الحالي بعد أن اكتشف الواقعة، وأعدّ تحرياته بشأنها، كعقاب له على فضح قيادات وزارة الداخلية المصرية المتورطين مع تجار المخدرات.
وقد كشفت التحريات الكاملة التي أجراها الرائد محمود عبد الرازق الطيب، والتي وضعها بتاريخ 13 أيلول/ سبتمبر 2017 بمحضر تحريات رسمية، والذي أثبت به أن تحرياته قد أكدت صحة ما جاء بأقوال المتهم “وليد البسطاويسي عبده البسطاويسي”، تاجر مخدرات بمنطقة الأميرية بمحافظة القاهرة، وصورة الكشف المضبوط حوزته، والذي يحتوي على عدد 66 أسما من قيادات وزارة الداخلية والضباط وأمناء وأفراد الشرطة.
وأكد التحقيقات أن التحريات التي أجراها الضابط توصلت إلى تحديد بيانات 52 شخصا منهم، وجميعهم ضباط وأمناء وأفراد شرطة من العاملين بقسم شرطة الأميرية.
وكشفت تحرياته تقاضي 12 فردا منهم لمبالغ مالية بصفة دورية تتراوح بين 500 جنيه إلى 6 آلاف جنيه مصري أسبوعيا، من مروجي المواد المخدرة، وهم أمناء الشرطة، “محمد السعيد العراقي، وأيمن عبد العزيز زاهر، وخالد رجب يوسف، ومحمد فؤاد قناوي، وجمال محمد سليم، وسيد عبد المقصود، وهاني أحمد حمادي، وأحمد محمد حسنين، ومحمد سيد عبد الله، ومحمد سلطان سرحان، ووليد بدر زكي، ومحمد أحمد حسن”.
وأكدت على أنهم يتحصلون على هذه المبالغ بصفة أسبوعية من مروجي المواد المخدرة، وتحديدا المتهمين المضبوطين على ذمة القضايا أرقام (3319، و3320، و3321 لسنة 2017 جنايات الأميرية)، وهم المتهمين “وليد البسطاويسي عبده البسطاويسي، وداود عادل داود سليمان، وأحمد فوزي مرجان شحاته، وعمر فوزي مرجان شحاته، وعلي عبد اللطيف اليماني”.
وهدفت هذه الأموال للتستر عليهم، وعدم ملاحقتهم أثناء مزاولة نشاطهم في ترويج “الجواهر المخدرة”. وأما عن التحريات بشأن باقي الأسماء الواردة بذات الكشف، وعددهم 40 فردا شرطة تابعين لوحدة مباحث قسم شرطة الأميرية فهم ليسوا بمنأى عن الشبهات.
“رئيس مكتب مكافحة المخدرات”
كما أكد الرائد محمود عبد الرازق الطيب أن تحرياته التكميلية حول الواقعة أكدت تورط رئيس مكتب مكافحة المخدرات بمديرية أمن القاهرة، العميد غالب مصطفى عبد الحميد عمران، وأميني الشرطة “أحمد مختار عويس، وتامر العربي”، من قوة مكتب مكافحة المخدرات بالقاهرة، بوجود علاقات مع أفراد التشكيلات العصابية المضبوطين بمعرفة الإدارة العامة لمكافحة المخدرات في القضايا المذكورة.
وذكر أن هذه العلاقات تمثلت في قيامهم بتمكين أفراد تلك التشكيلات العصابية بالاتجار في المخدرات من خلال إنشائهم ما يسمى بـ “دواليب مخدرات” – أماكن في مصر غير قانونية تُباع فيها المواد المخدرة – في أماكن ومواعيد ثابتة ومحددة للاتجار العلني في المواد المخدرة بنطاق دائرة قسم شرطة الأميرية مقابل الحصول منهم على مبالغ مالية، فضلا عن استخدامهم لعناصر هذه البؤر الإجرامية في المأموريات التي كان يقوم بها مكتب مكافحة المخدرات تارة بوصفهم مصادر للمكتب، وتارة أخرى بوصفهم أفراد من قوة المكتب.
“تشكيلات عصابية”
كما توصلت تحرياته إلى وجود ذات العلاقة بين أفراد التشكيلات ورئيس مباحث قسم شرطة الأميرية الرائد محمد بهاء الدين محمد جلال، ومعاون مباحث قسم شرطة الأميرية النقيب كريم عماد الدين علي محمود، وبعض أفراد قسم شرطة الأميرية المثبت بياناتهم بالكشف الذي ضبطته النيابة العامة على هاتف المتهم “وليد البسطاويسي عبده البسطاويسي”، تاجر مخدرات بمنطقة الأميرية.
وتوصلت تحرياته أيضا إلى أن هذا الكشف صحيح وأن كل المثبتين فيه كانوا يتحصلون على المبالغ المالية المدونة أمام كل منهم في هذا الكشف، وذلك بصفة أسبوعية، وفقا لكل فرد وأهميته واختصاصه الوظيفي والمكاني بداخل وحدة مباحث قسم شرطة الأميرية وقطاع أمن القاهرة.
وأضافت أن الضباط يتحصلون على هذه المبالغ المالية من عناصر التشكيلات العصابية المضبوطين منهم والهاربين على حد سواء في القضايا المشار إليها، مقابل توفير الحماية لهم والتستر عليهم وغض الطرف عنهم وعدم ملاحقتهم أثناء تجارتهم غير المشروعة.
كما أفادت بأن باقي الأفراد الواردة أسماؤهم بالكشف المشار إليه فهم ليسوا بمنأى عن الشبهات، وكانوا يتحصلون جميعا على مبالغ مالية على غرار البقية.
ودلّل على صحة تحرياته بعدة أمور أولها ما توصل إليه من مناقشة المتهم “داود عادل داود” المضبوط في واقعة القضية 3321 لسنة 2017 جنايات الأميرية، والتي تمت بمعرفة اللواء زكريا الغمري إبان فترة عمله مدير إدارة النشاط بالإدارة العامة لمكافحة المخدرات، والتي تم تصويرها وهي مسجلة بالصوت والصورة، واحتفظ بها مجري المناقشة سالف الذكر.
وثانيها المذكرة التي حُررت بمعرفة اللواء أحمد عمر مدير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات في ذلك الوقت، والتي استقاها من تلك المناقشات والمعلومات التي تحصل عليها من مناقشة المتهم “داود عادل داود”.
وثالثها عدم استهداف أفراد تلك البؤر بمعرفة مكتب مكافحة المخدرات بالقاهرة أثناء مدة تولي العميد مصطفى غالي لرئاسة المكتب، ورئاسة الرائد محمد بهاء لوحدة مباحث قسم شرطة الأميرية.
ورابعها إقامة أمين الشرطة أحمد مختار بدائرة قسم شرطة الأميرية على مقربة من هذه الدواليب – دواليب المخدرات – وهي تقع في نطاق اختصاصه المكاني.
وخامسها وجود مشاهدات من قبل الأهالي وبعض مصادر مجري التحريات الموثوق بهم بنطاق قسم شرطة الأميرية، للعميد غالب مصطفى وأمين الشرطة أحمد مختار مع أفراد التشكيلات العصابية بمنطقة السواح بالأميرية في فترة مزاولة هذه البؤر الإجرامية لنشاطها الإجرامي في الاتجار في المواد المخدرة، ووجود ذات المشاهدات للرائد محمد بهاء والنقيب كريم عماد إبان فترة عملهم بقسم شرطة الأميرية، وتردد أفراد تلك التشكيلات عليهم بديوان القسم في ذلك الوقت.
وسادسها تواطؤ قطاع الأمن العام ومباحث القاهرة ومباحث الأميرية في عدم تنفيذ قرار النيابة العامة الصادر بتاريخ 1حزيران/ يونيو 2017 بضبط وإحضار المتهمين الهاربين من أفراد التشكيلات العصابية في القضايا المذكورة، على الرغم من أن مصادره السرية أكدت له بأن المتهمين متواجدون بشكل مستمر في دائرة قسم شرطة الأميرية، وأنهم متواجدون دون ملاحقة أمنية، بالرغم من أن هذه الجهات هي المنوط بها تنفيذ قرار الضبط والإحضار للأفراد.