قال الكاتب ديفيد أجناتيوس، إن الدور الأميركي يتراجع في الشرق الأوسط، وفي المقابل، تنجح دبلوماسية «المصائب الروسية» في المنطقة.
وأوضح الكاتب بمقال في صحيفة «واشنطن بوست»، ترجمته «عربي21» أن كل العالم انشغل بمواجهة فيروس كورونا، إلا في الشرق الأوسط فقد استمرت الحروب والمكائد السياسية، وفي ظل هذه الاضطرابات يبدو أن روسيا تحقق وبشكل متسارع تقدما لتصبح قوة إقليمية.
وأضاف أجناتيوس: «الوباء وانخفاض أسعار النفط، تركا أثرهما المدمر على دول المنطقة الهشة، واتخذت ممالك النفط في الخليج الفارسي قرارات لتخفيض الميزانيات أما إيران فتحاول الصمود من أجل الحفاظ على حياة قيادتها وأسلحتها الإستراتيجية بدون ضرر».
وقال إن الولايات المتحدة، باتت قوة متلاشية، تقوم روسيا على ملء مكانها الفارغ كقوة إقليمية، وأظهرت الأخيرة مواقف انتهازية تجاه النزاعات في سوريا وليبيا واليمن، ورغم تعب الأطراف المشاركة فيها، إلا أن جهود التفاوض لتسوية هذه النزاعات فشلت.
وتابع: «ستكون نتيجة هذه النزاعات، هي التقسيم الفعلي لهذه الدول، بالإضافة إلى نزاعات مجمدة تترك متشرذمة وعرضة للخطر».
وقال الكاتب إن روسيا ستخرج من هذه النزاعات بعدد من القواعد العسكرية في البحر المتوسط، محققة حلم راودها لقرون، وهي اليوم تسيطر على قاعدة حميميم وقاعدة طرطوس، وساعدت في السيطرة على قاعدة القرضابية في سرت الليبية بداية العام.
ورأى الكاتب أنه «مهما كانت طبيعة النجاحات التي تحققها موسكو، فإنها ستجد نفسها في نفس الموضع الذي جربته أميركا ولعقود وهي محاولة إعادة النظام والإستقرار لهذه المنطقة المتصدعة. وفشلت مجريات أستانة بتحقيق السلام في سوريا وكذا محاولات تركية روسية لبناء استقرار في ليبيا».
ولفت إلى مقال للسفير الروسي ألكسندر أكسنينكوك، الشهر الماضي بالمجلس الروسي للشؤون الدولية، والذي هاجم فيه نظام بشار الأسد ووصف فساد وأعمال أجهزته الأمنية بالمثيرة للسخط.
وقال الكاتب: «لكن حصة روسيا في كل من سوريا وليبيا صغيرة، ولم تستثمر دما ومالا إلا بنسبة قليلة حيث تركت العمل القذر في البلدين إلى شركة واغنر الأمنية التي يديرها صديق لفلاديمير بوتين، وهو ما يعني بناء إمبراطورية بدون كلفة».
بالمقابل أشار أجناتيوس، إلى أن نجاح مصطفى الكاظمي مدير المخابرات العراقية السابق، و«صديق» الولايات المتحدة، بتشكيل حكومة، يعد تطورا يثير أمل واشنطن، في الوقت الذي يخطط فيه القادة العسكريون الأمريكيون لإجراء حوار استراتيجي معه، في يونيو المقبل، ويتوقعون خلاله الحفاظ على جزء من القوات الأميركية لتدريب أفراد الجيش على العمليات الخاصة.
وأضاف: «سيكون العدد أقل من 5 آلاف جندي في الوقت الحالي، لكنه سيظل بالآلاف حسبما يعتقد المسؤولون».
وعلى صعيد السعودية، أقوى حليف لأمريكا في المنطقة، رأى الكاتب أنها تواجه معضلة مزدوجة تسبب بها فيروس وكورونا وانخفاض أسعار النفط. ويدرس المسؤولون في السعودية إمكانية تخفيض نفقات الميزانية وتأجيل مشاريع نصت عليها رؤية 2030 التي أعلن عنها ولي العهد محمد بن سلمان. ويجري السعوديون مع الولايات المتحدة وروسيا نقاشات لتخفيض كبير في مستويات إنتاج النفط لرفع الأسعار.
وقالت الكاتب: «هناك إمكانية لقرار سعودي من أجل تخفيض الإنتاج في يوليو ويمكن زيادة معدلات تخفيضه لو وافقت بقية الدول المنتجة للنفط على تخفيض مماثل. وللحفاظ على قدراتهم المالية يناقش السعوديون تخفيضا في مشاريع الحكومة والرواتب ورفع قيمة الضريبة المضافة والاعتماد على الاحتياطات المالية».
وتابع: «ولأن إيران أصبحت أقل تهديدا للسعودية، فقد قررت البنتاجون سحب بطاريات باتريوت والمقاتلات التي نشرتها العام الماضي بعد الهجمات على المنشآت النفطية. ولا تزال الحرب في اليمن مدمرة وفشلت فيه جهود السلام ولكن السعودية تريد الخروج منها».
وقال إن السعودية، قد لا تجد أي خيار سوى الانضمام إلى الإمارات، والقبول بالتقسيم الفعلي له بين الشمال والجنوب. أما المعضلة التي ستواجه الولايات المتحدة هذا العام فهي كيفية وتوقيت سحب القوات الأميركية من سوريا.
وأشار أجناتيوس إلى أن مسؤولي البنتاجون، تمكنوا من إبطاء عملية السحب الكاملة، التي كان يريدها الرئيس دونالد ترامب من شمال- شرق سوريا. وفي مرحلة ما قد يقرر الروس وقوات النظام السوري التحرك من إدلب في الغرب إلى الشرق. ويفضل القادة الأميركيون اتفاقا مع الروس، للانسحاب بدلا من مواجهات عسكرية على مناطق يخططون الإنسحاب منها بشكل تدريجي.
وأعرب الكاتب عن اعتقاده أن ليبيا، تظل الأكثر إزعاجا والجائزة الممكنة في لعبة القوة الروسية. وهم يدعمون اللواء المتقاعد خليفة حفتر في تحالف غير محتمل، يضم الإمارات ومصر وفرنسا، إلا أن حملة حفتر لإسقاط الحكومة التي تدعمها تركيا تتداعى.
وتساءل أغناتيوس: «كيف سيتم فك الجمود؟»، وتابع: «عبر خطة سلام تم التوصل إليها هذا العام في برلين، والتي يرى ممثل الأمم المتحدة السابق غسان سلامة أنها الأكثر مناسبة وأكثر من أي وقت. إلا أن ليبيا مثل صورة المنطقة، هشة ومتشرذمة ولن ينجح فيها أي جهد للسلام».
وختم بالقول: «ستقوم روسيا، بجمع القطع في مرحلة ما بعد الوباء في الشرق الأوسط، بدون أية استراتيجية أكثر من تنفيس منافستها أميركا، وهي مجرد دبلوماسية الزبّال التي تغذي جيف هذه الدول المحطمة».