نشرت صحيفة «بايلاين تايمز» مقالا للكاتب الأسترالي سي جي ويرلمان، يوثق فيه اتصالاته بفيصل ثار ثكين، وهو شاب يبلغ عمره 20 عاما من الروهينجا الذين طلبوا اللجوء في السعودية، وتم احتجازه هو ووالديه في مركز الشميسي للاعتقال منذ عام 2013.
ويقول ويرلمان: «قال لي ثكين في أوائل أبريل، شارحا السبب الذي جعله هو وأكثر من 1000 محتجز من مسلمي الروهينجا يعلنون إضرابا عن الطعام احتجاجا على اعتقالهم المفتوح، وتهديد السعودية بإبعادهم: (نفضل الموت الآن على أن نبقى هنا إلى الأبد، أو أن تتم إعادتنا إلى ميانمار أو بنجلاديش)».
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته «عربي21»، إلى أن مركز الشميسي مجمع شاسع، يمتد على 2.5 مليون متر مربع، على الطريق الذي يصل مدينة جدة مع مكة المكرمة، ومصمم ليضم أكثر من 30 ألف مهاجر غير مسجل في الوقت الذي ينتظرون فيه الإبعاد من السعودية.
ويؤكد ويرلمان أن «الحياة في مركز الاعتقال هذا تحولت من سيئة إلى أسوأ إلى مخيفة لحوالي ألف من لاجئي الروهينجا المسلمين، وتحول الشميسي بالنسبة لهم إلى مكان إقامة مؤقت بينما ينتظرون البت في مصيرهم الغامض».
وينقل الكاتب عن ثكين، قوله: «نقوم بهذا الإضراب عن الطعام، حتى تطلق الحكومة سراحنا، أو تمنحنا الإقامة، (وهي تصريح مؤقت بالإقامة للرعايا الأجانب الذين يصلون بتأشيرة عمل تمت الموافقة عليها سلفا)، وهو ما سيسمح لنا بالعمل في السعودية لتوفير المعيشة لنا ولعائلاتنا».
ويلفت ويرلمان إلى أن السلطات السعودية قامت بإنهاء الاضراب عن الطعام بعد أسبوعين من بدايته، من خلال استخدام مجموعة من التكتيكات، بما في ذلك التعذيب، لإكراه اللاجئين المضربين عن الطعام على قبول وجباتهم.
ويقول الكاتب: «وصف لي ثكين كيف رد الحرس السعوديون على الإضراب عن الطعام بإزالة أفرشتهم ووسائدهم وبطانياتهم، وأجبروهم على قضاء ساعات في الخارج في الشمس دون أي ظل، وفي فيديو أرسله لي، يظهر حوالي 10 اشخاص من الروهينجا يحاولون النوم معا على أرض إسمنتية في غرفة مكتظة، ليست لها نوافذ، وليس فيها تكييف، التي يصفها المعتقلون بـ(الغرف الحارة)».
ويعلق ويرلمان قائلا إن «هذه المعاناة التي لا يمكن تخيلها تحصل في ظل سكوت كامل، واحتجاجاتهم التي لا تقف عند حد الأفعال المؤذية للنفس أو المؤدية للانتحار، لا يراها ولا يسمعها سوى الحراس السعوديون المسؤولون جزئيا عن معاناتهم».
ويجد الكاتب أنه «مع ذلك فإن احتجاجاتهم، التي قامت على أذى النفس، لم تصل إلى شيء، حيث لم تهمل السعودية احتجاجاتهم فقط، لكنها أيضا تحدت دعوات الأمم المتحدة لمنحهم اللجوء، حيث قال بعض المحتجزين في الشميسي إن عشرات المحتجزين الروهينجا تم تكبيل أيديهم وأخذوا إلى مطار جدة الدولي للإبعاد».
وينوه ويرلمان إلى أنه «في الوقت الذي جلبت فيه معاملة أميركا السيئة للاجئين وطالبي اللجوء الكثير من انتباه الإعلام الدولي، فإن سوء معاملة لاجئي الروهينجا في السعودية تفتقد إلى الرحمة، تماما مثل استراتيجية الرئيس ترامب بفصل أطفال اللاجئين عن والديهم».
ويؤكد الكاتب أن «الشرطة السعودية أخذوا ثكين من أبويه عندما كان عمره 14 سنة، ولم يسمح له برؤيتهما حتى لمرة واحدة خلال ستة أعوام، وتم اعتقال ثكين عام 2013 بسبب حمله جواز سفر مزورا، بعد أن قامت السعودية بتطبيق نظام هجرة يعتمد على البصمة لملاحقة اللاجئين الذين يفتقدون إلى الوثائق، كجزء من حملة (دولة دون مخالفين)».
ويفيد ويرلمان بأن «تكين كان قد قضى في البلد سنة حينها، فقد انضم إلى أبويه اللذين فرا من ميانمار عام 2004، بعد قيام الجيش والمليشيات البوذية المتطرفة بتدمير المساجد والمدارس الدينية في أنحاء البلاد، وترك حينها في مسؤولية أخته الأكبر منه، ليستطيعا تجميع ما يكفي من المال لجلبه من ميانمار، وهو ما فعلاه في عام 2012».
ويذكر الكاتب أن «والديه حصلا على الإقامة في السعودية بعد أن باعا ممتلكاتهما في ميانمار، للحصول على جوازات سفر مزورة من مهرب للبشر، وقبل أن يتم تطبيق نظام البصمة للهجرة عام 2011».
ويقول ويرلمان: «قال لي المدون الروهينجي والمنسق لتحالف حرروا الروهينجا روي ناي سان لوين: (الروهينجا الذين وصلوا بعد عام 2011 كانوا غير محظوظين بتاتا)، وأضاف: (لم يستطيعوا الحصول على الإقامة مثل الروهينجا الآخرين الذين وصلوا في وقت سابق، وكان عليهم البقاء بشكل غير قانوني، وكثير منهم تم اعتقاله على نقاط تفتيش مختلفة، أو خلال مداهمات، ولأن بصماتهم سجلت بناء على جوازات السفر التي كانوا يحملونها لدى وصولهم، فقد تم تسجيلهم على أنهم من جنسيات مختلفة عن بلدهم الأصلي، بورما أو ميانمار».
ويشير الكاتب إلى أن «هذه ليست هي المرة الأولى التي يسلط فيها الضوء على إساءة معاملة السعودية للاجئين الروهينجا وانتهاك حقوقهم الإنسانية، حيث كان موقع (ميدل إيست آي) قد نشر تصويرا مسربا من مركز اعتقال الشميسي يظهر أدلة على هذه الانتهاكات، ويسمع في الفيديو شخص من الروهينجا يقول: (ليس أمامنا إلا قتل أنفسنا)».
ويقول ويرلمان: «عندما تحدثت مع المتخصص في حقوق الإنسان في (فورتيفاي رايتس) جون كوينلي، شرح لي كيف تنتهك السعودية القانون الدولي عندما تعامل اللاجئين وكأنهم مجرمون، وقال: (يجب حماية الناجين من الإبادة الجماعية وليس سجنهم إلى أجل غير مسمى في مراكز احتجاز)، ودعا الحكومة السعودية إلى (ضرورة إنهاء احتجاز اللاجئين الروهينغا.. وتسوية وضعهم القانوني، ومنحهم حرية الحركة واستخدام الخدمات الطبية والتعليمية)».
ويستدرك الكاتب بأن «السعودية تظهر مقاومة عنيدة لضغط المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة، التي أعربت من خلال مقررها الخاص عن إدانتها لسوء معاملة السعودية للاجئين الروهينجا في يناير، وهو الشهر ذاته الذي قامت فيه السعودية بإبعاد 12 منهم إلى بنجلاديش».
ويرى ويرلمان أن «إبعاد الناجين من الإبادة الجماعية للروهينجا إلى بنجلاديش أو ميانمار غير مقبول تماما، خاصة أن هؤلاء اللاجئين ليسوا مسؤولية بنجلاديش، وفي وقت لا تزال فيه الإبادة مستمرة في ميانمار».
بدل التخفيف عنهم.. السعودية تعتقل لاجئي الروهينجا الذين لجؤوا إليها في ظروف قاسية
Publiée par شبكة رصد sur Mercredi 31 octobre 2018
ويؤكد الكاتب أن «الأدلة على الأرض تشير إلى أن ميانمار جددت حملة (التطهير) لنصف مليون من الروهينغا الذين بقوا في البلد، مستخدمة حجة مهاجمة جيش أركان الانفصالي لاستهداف قرى الروهينجا».
وينقل ويرلمان عن لوين، قوله: «لا يمكن إبعاد المعتقلين الروهينجا إلى ميانمار أو أي مكان آخر.. ولذلك يجب إطلاق سراحهم في السعودية ومنحهم إقامة ليستطيعوا دعم عائلاتهم في ميانمار وبنجلاديش».
ويعلق الكاتب قائلا إن «هذا هو ما يطلبه ثكين من الحكومة السعودية، فهو لا يريد سوى أن يكون مع والديه، اللذين يعيشان في مخيم لاجئين في مكة، ثم أن يبحث عن وظيفة وزوجة ويؤسس لحياته، وقال لي ثكين قبل أن ينفجر بالبكاء: (أفتقد أمي كثيرا)».
ويختم ويرلمان مقاله بالقول: «لقد سرقت منه ميانمار طفولته، فيما سلبت السعودية مراهقته، فيجب ألا يسمح لأي منهما حرمانه من مستقبله».