كشف عدد من أهالي المعتقلين السياسيين بالسجون المصرية، عن ارتفاع أسعار الخدمات التي تقدمها السجون للمعتقلين لعدة أضعاف خلال الأسابيع الماضية، مؤكدين أن الأمانات الشخصية التي كان يتم وضعها في حسابات ذويهم، لم تعد تكفي للمشتريات ذاتها التي كانوا يقومون بشرائها من كافتيريا وكانتين (دكان) السجن إلا لعدة أيام.
ووفقا لأهالي معتقلين تحدثوا لـ«عربي21» فإن مصلحة السجون المعنية بأوضاع المعتقلين، تتعامل معهم بسياسة الاحتكار في بعض السجون، وسياسة الابتزاز في سجون أخرى، وجميعها سياسة هدفها شفط ما لدى المعتقلين من أموال، ظنا منهم أن التبرعات تتدفق على المعتقلين وأسرهم من كل مكان.
ووفق عدد من الحقوقيين والمحامين المعنيين بملف المعتقلين، فإن ذلك يتزامن مع توسع سلطات الانقلاب العسكري برئاسة عبد الفتاح السيسي، في قرارات التحفظ على أموال المعتقلين السابقين والجدد، وهو ما زاد من أزمة المعتقلين وذويهم نتيجة الاستيلاء على شركات عدد كبير منهم، ومصادرة أموالهم بالبنوك، ووقف رواتب الموظفين الذين صدر بحقهم أحكام قضائية.
وعن الآلية المالية في التعامل مع المعتقلين توضح السيدة حبيبة إسماعيل، زوجة أحد المعتقلين بسجن الاستقبال بمجمع سجون طرة، أن إدارة السجون لا تسمح بوجود نقود مع المعتقلين، ولذلك فإن الأهالي يقومون بإيداع المبالغ المالية بأسماء المعتقلين في دفتر خاص بأمانات المسجونين، وهي الأموال التي تتحول بعد ذلك إلى «كوبونات» مختومة بختم السجن.
وتضيف حبيبة، أن زوجها المعتقل منذ عامين على ذمة قضية الانتماء لجماعة الإخوان، أخبرها بأن المبالغ التي يتم إيداعها في حسابه يحق له صرفها من خلال هذه الكوبونات، والتي يتم التعامل بها مع كانتين وكافتيريا السجن، وباقي الخدمات الأخرى مثل الحلاقة أو دفع أعمال الصيانة أو الغسيل وغيرها من الخدمات المختلفة.
وتشير حبيبة إلى أنها كانت تودع لزوجها 1000 جنيه (60 دولارا) كمتوسط شهري للإنفاق على احتياجاته داخل السجن، بخلاف ما تحضره في زيارتها له كل أسبوعين، من طعام يكفيه لمدة ثلاثة أيام هو و10 من زملائه، الذين يقومون أيضا بنفس الترتيبات في زيارتهم.
وبحسب حبيبة إسماعيل، فإن هذا المبلغ لم يعد يوفر احتياجات زوجها خلال الأشهر الماضية إلا بضعة أيام، لأن الأسعار داخل السجن زادت عدة أضعاف، كما أنه في كثير من الأحيان فإن إدارة السجن ترفض إدخال احتياجات زوجها في الزيارة مثل أدوات النظافة وبعض الاحتياجات الخاصة، لإجبار المعتقلين على شرائها من كانتين وكافتيريا السجن، باعتبارهما المنفذ الوحيد للمعتقلين.
ويكشف المعتقل السابق بسجني ليمان طرة ووادي النطرون أحمد الفيومي، العديد من الأساليب التي تلجأ إليها مصلحة السجون لابتزاز واستنزاف المعتقلين، موضحا أن المصلحة في البداية تفرض 25% نسبة على كل شيء يتم بيعه أو تقديمه للمعتقل، وهي النسبة التي يتم صرفها مكافآت للضباط ومسؤولي المصلحة في الإدارة المركزية.
ويوضح الفيومي أن ضباط المباحث هم المتحكمون في الأمور المالية، ومن خلالهم يتم تحديد ما هو المسموح والممنوع بدخوله في الزيارات، وفي أوقات كثيرة يتم منع إدخال بعض الاحتياجات المهمة للمعتقل خلال الزيارة، لأنها متوفرة في السجن، وبالتالي يتم إجبار المعتقلين على شرائها من السجن و بالأسعار التي يحددها السجن.
ويضيف الفيومي قائلا: «الوضع في السجون العمومية يمكن أن يكون أقل ضررا، لأن الزيارات في معظم الأحوال تكفي الغرض، كما أن السجون العمومية يُسمح فيها للمعتقلين بطبخ أطعمة السجن بأنفسهم، على خلاف السجون المغلقة أو المشددة مثل العقرب، وشديد الحراسة 2، وسجن ملحق الزراعة بطرة، وبعض العنابر بسجن وادي النطرون بالبحيرة، وسجن برج العرب بالإسكندرية».
ويتفق المحامي والحقوقي أحمد إسماعيل مع ما ذكره الفيومي، مؤكدا على أن الزيارات مغلقة في سجن العقرب وملحق الزراعة وشديد الحراسة 2، منذ أكثر من عامين، ولا يسمح للأهالي بإدخال أية زيارات أو أدوية أو ملابس، ما يجعل كافتيريا وكانتين السجن، هما الخيار الوحيد أمام المعتقلين ومعظمهم من قيادات الإخوان والعمل السياسي البارزين.
ويؤكد إسماعيل أنه استمع لشكاوى من معتقلي العقرب، أنهم عندما اعترضوا على ارتفاع الأسعار داخل كافتيريا السجن، أخبرهم الضباط صراحة بأن «هذه الأسعار لا تعد شيئا بجانب الأموال التي تأتي للمعتقلين من بعض الدول».
ويوضح الحقوقي المصري، أن هذه السياسة هي التي تحدد طريقة تعامل النظام مع المعتقلين، وهي «ابتلاع واستنزاف» كل ما لديهم سواء داخل المعتقل برفع الأسعار داخل السجون، أو من خلال التحفظ على أموالهم في الخارج، والضغط عليهم وعلى ذويهم بمختلف الطرق.
ويتساءل إسماعيل: « هل يمكن أن نتخيل كم ينفق أكثر من 2500 معتقل بسجون العقرب، وشديد الحراسة 2، وملحق الزراعة، ممنوع عنهم الزيارة بكل صورها لمدة عامين، وليس أمامهم إلا كافتيريا وكانتين السجن، لشراء ملابسهم الداخلية والملابس الشتوية الداخلية، وأدوات النظافة الخاصة، والعامة، وأكلهم وشربهم، وأدويتهم؟».