أثارت صحيفة “لوموند” الفرنسية، المخاوف من اندلاع حرب أهلية في السودان، عقب موجة العنف التي شهدتها البلاد، بسبب الدعم الإقليمي الذي يتلقاه المجلس العسكري الانتقالي.
وأكد تقرير الصحيفة، الذي ترجمه موقع “عربي21″، أن الإمارات والسعودية ومصر تدعم مناورات جنرالات المجلس العسكري الانتقالي، المشتبه في استعدادهم لعملية إعادة إرساء النظام القديم.
وقد وصل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى الخرطوم يوم الجمعة الموافق للسابع من يونيو، لمحاولة إيقاف التطور الآلي للأحداث الذي يقود السودان نحو كارثة، وقد فُوض آبي أحمد من طرف الاتحاد الأفريقي لمحاولة التوسط بين جنرالات المجلس العسكري الانتقالي، والمدنيين الذين يمثلون قوى الحرية والتغيير.
وأوضحت الصحيفة أن رئيس الوزراء الإثيوبي، يحاول تجسيد عملية الوساطة التي اضطلع بها بالفعل المبعوث الخاص للاتحاد الأفريقي وزير الخارجية الموريتاني السابق محمد الحسن ولد لبات. وقد تمكن من سماع النقاط الست الأولية لمطالب قوى الحرية والتغيير من أجل استئناف المفاوضات.
وشملت هذه المطالب: إنشاء لجنة تحقيق دولية لمحاسبة المسؤولين عن أعمال العنف التي بدأت يوم الاثنين، وإعادة خدمة الإنترنت، وسحب قوات الدعم السريع من شوارع المدينة، والإفراج عن ياسر عرمان (قائد إحدى الحركات المسلحة المنتمية إلى تحالف قوى الحرية والتغيير الذي اختطفه رجال مسلحون في الخرطوم قبل يومين)، فضلا عن الاعتذار عن كل أعمال العنف التي جدت في الأيام الأخيرة.
وأضافت الصحيفة أن قوى الحرية والتغيير أعادت التشديد على هذه المطالب أمام فريق آبي أحمد، الذي سبق أن التقى بوفد من المجلس العسكري الانتقالي برئاسة قائده، الفريق عبد الفتاح البرهان. لكن في نهاية الجلسة مع المدنيين، اعتُقل أحدهم على أيدي قوات الأمن، وهو المسؤول في البنك المركزي المدعو محمد عصمت يحيى الذي شاركت مؤسسته في الإضراب العام.
وأشارت إلى أنه تم إرسال شاحنات نصف نقل محملة برجال من قوات الدعم السريع “لكسر” حركة الإضراب في مرفقي البنك المركزي في الخرطوم، حيث عقدت اجتماعات عامة لصالح الحركة الديمقراطية.
وتجدر الإشارة إلى أن الأموال التي وعدت بها بعض الأطراف الإقليمية الداعمة للمجلس العسكري الانتقالي، على غرار المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، يجب أن تنقل عبر هذا البنك لإنقاذ الاقتصاد السوداني الذي يفتقر إلى السيولة.
وذكرت الصحيفة أن هذا الاعتقال يتضمن رسالة يوجهها المجلس العسكري إلى كل المتشبثين بالأمل الذي قد يُغذّيه آبي أحمد في تصحيح مسار العملية الانتقالية التي بدأت مع الإطاحة بالرئيس عمر البشير يوم 11 أبريل، والتي يجب أن تؤدي إلى سلطة تكون بين أيدي المدنيين لأول مرة منذ 30 سنة، لكن جاء تدخل قوات اللواء حميدتي، التي تقتل وتنهب وتنتهك حقوق المواطنين في الخرطوم منذ يوم الإثنين لقبر هذه الآمال.
وخارج السودان، يبدو جليا أن عمليات القتل هذه (118 حالة وفاة) قد تمثل شرارة حرب أهلية، ذلك أنها تتجاوز مجرد كونها تهدف إلى إرساء النظام والقضاء على “الفوضى”، خلافا لما يدعيه رعاة العنف التابعين لقوات التدخل السريع بدءا من قائدهم الجنرال حميدتي.
وأوردت الصحيفة أن العديد من المراقبين يشيرون إلى أنهم يخشون اندلاع شرارة المعارك الأولى بين مختلف الفصائل المسلحة في البلاد، التي قد تكون مقدمة نزاع سيكون من المستحيل احتواؤه. ومن المتوقع أن تحدث مواجهات بين قوات الدعم السريع والجيش النظامي، المحبط منذ فترة طويلة من المحسوبية التي تتمتع بها أجهزة الأمن والجماعات شبه العسكرية مثل تلك التي ينتمي إليها الجنرال حميدتي، فضلا عن الميليشيات المختلفة المجهزة تجهيزًا جيدًا، على غرار تلك التابعة للأجهزة السرية، أو التي تخص حزب الرئيس السابق؛ المؤتمر الوطني.
ونوهت الصحيفة إلى أن هذا الحزب يلقي بظلاله على مناورة جنرالات المجلس العسكري الانتقالي. ولم تكن أي مناورة لتحدث دون تلقي هذا المجلس الدعم من طرف الرعاة الإقليميين، خاصة الإمارات والسعودية ومصر. وتعتبر مشاغل هذه الجهات الفاعلة متعددة، لعل أبرزها توسيع مجال نفوذها في هذا الجزء من العالم المتنازع عليه، ومحاربة نموذج لا ترغب في وجوده، أي نموذج الأنظمة الديمقراطية الليبرالية، أو نموذج تأثير الإخوان المسلمين. كما يتعلق الأمر أيضًا بالتحكم في بلد غني بالمعادن والمناطق الزراعية الخصبة ومحاربة نفوذ الصين، وتأثير روسيا بدرجة أقل.
في المستقبل القريب، ومع امتداد نفوذهما في السودان، ما زالت كل من السعودية والإمارات تأملان مواصلة الدفع القاري في إفريقيا بعد مساهمتهما في عكس التحالفات في إثيوبيا، ودعم الوزير الأول آبي أحمد الذي يعتبر أفضل سفير لهما في المنطقة، خاصة في الصومال، حيث يتعلق الأمر بالتصدي لمحور عدو، أي المحور القطري التركي.
ونقلت الصحيفة عن سيباستيان بوسويس، وهو باحث في العلاقات الأوروبية العربية في جامعة بروكسل الحرة ومؤلف كتاب “دول الخليج، خفايا أزمة عالمية”، أن “هذه القوى الإقليمية انخرطت في عملية تغيير نموذج المنطقة بأسرها من خلال إرساء أنظمة تخدم مصالحها أو إيجاد حلفاء لها، من المستحسن أن يكونوا عسكريين. وتتوسع هذه الطموحات أبعد من ذلك، لتصل حتى إلى الجزائر”.