نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا مفصلا عن مزاعم تعذيب تعرض له مواطن سعودي أميركي بعد سجنه منذ أشهر.
ونقل التقرير، الذي أعده الصحافي الاستقصائي البريطاني “ديفيد كيركباتريك”، تفاصيل التعذيب المزعومة عن أصدقاء الطبيب السعودي وليد فتيحي، الذي يحمل الجنسية الأميركية أيضا.
ويحتوي التقرير على انتهاكات مروعة تعرض لها فتيحي، منذ اللحظة الأولى لاعتقاله في فندق “ريتز كارلتون” في الرياض، في أثناء الحملة التي شنتها السلطات ضد أمراء ورجال أعمال ومسؤولين حاليين وسابقين؛ بحجة محاربة الفساد.
وفيما يلي النص الكامل للتقرير من ترجمة عربي21: مزاعم بقيام المملكة العربية السعودية بتعذيب مواطن أميركي
ديفيد كيركباتريك، نيويورك تايمز
اعتقل وليد فتيحي، المواطن الذي يحمل الجنسيتين الأميركية والسعودية، لما يقرب من أسبوع في فندق الريتز كارلتون بالرياض.
بدأت الحكاية، بحسب ما صرح به أصدقاء لوليد دونوا تفاصيل ما جرى معه، عندما سمع طرقات على باب بيته.
جر الحرس الطبيب المتخرج من هارفارد إلى غرفة مجاورة، وصفعوه على وجهه، ووضعوا عصابة على عينيه، وجردوه من الملابس، حتى لم يبق عليه سوى الغيار الداخلي، وقيدوه في كرسي. تعرض من بعد للصعق بالكهرباء، فيما يبدو أنها كانت جلسة تعذيب واحدة استمرت لما يقرب من الساعة.
ثم جلده معذبوه على ظهره بقسوة، لدرجة أنه لم يتمكن من النوم على ظهره لعدة أيام، بحسب ما ذكره صديق له اشترط عدم الكشف عن هويته؛ خشية أن يتعرض للانتقام. وقال شخص مقرب من عائلته إن الدكتور وصف ما تعرض له من إساءات وتعذيب بشكل عام لأفراد عائلته كذلك.
منذ اعتقاله في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، ضمن ما قيل حينها إنه حملة ضد الفساد، ما يزال الدكتور فتيحي البالغ من العمر أربعة وخمسين عاما مسجونا، دون توجيه تهم له، ودون تقديمه للمحاكمة. وكان قد اعتقل معه ضمن تلك الحملة مئتا شخصية من الشخصيات المرموقة في البلاد ما يزال العشرات منهم محتجزين داخل السجن.
ويذكر أن أصدقاء المعتقلين الآخرين وعائلاتهم تحدثوا عن تعرضهم لجلسات تعذيب، احتاج سبعة عشر منهم على الأقل للإدخال إلى المستشفى؛ بسبب جروح أصيبوا بها أثناء احتجازهم، وذلك بحسب ما صرح به طبيب داخل المستشفى ومسؤول أميركي كان يرصد ما يجري من تطورات.
وكان ضابط عسكري ممن اعتقلوا قد توفي، وكانت رقبته ملوية، وعلى جسده آثار تعذيب، بحسب ما صرح به شخص رأي جثته. كما قالت نشيطات في مجال حقوق المرأة محتجزات في السجن داخل المملكة العربية السعودية إنهن تعرضن للتعذيب، بما في ذلك بالصعق الكهربائي، طبقا لما صرح به أقاربهن وجماعات حقوقية.
إلا أنه بالنظر إلى أن الدكتور فتيحي يحمل الجنسية الأميركية، فإن تعرضه للتعذيب، وهو الأمر الذي لم ينشر عنه من قبل، قد يعرض العلاقات السعودية مع واشنطن لتهديد من نوع خاص. فإدارة ترامب منهمكة حاليا في محاولة تهدئة سخط السياسيين من الحزبين على المملكة بسبب مقتل المعارض السعودي جمال خاشقجي في الخريف الماضي. ويذكر أن خاشقجي، الذي كان يقيم في ولاية فرجينيا ويكتب عمودا في صحيفة الواشنطن بوست، تعرض للاغتيال وتقطيع أوصاله من قبل فريق من العملاء السعوديين داخل قنصلية المملكة في إسطنبول.
في الأسبوع الماضي، التقى جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترامب ومبعوثه إلى الشرق الأوسط، بالحاكم الفعلي للمملكة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لأول مرة منذ مقتل خاشقجي، علما أن وكالات الاستخبارات الأميركية خلصت إلى أن ولي العهد هو الذي أمر بقتل خاشقجي.
وكان غرض كوشنر من لقائه بالأمير محمد بن سلمان هو الترويج لحل محتمل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني قد يناط بالأمير وبلده لعب دور كبير في إنجازه.
في هذه الأثناء، ما زالت إدارة ترامب تماطل في الاستجابة لمطلب تقدم به أعضاء الكونغرس بضرورة تقديم تقرير لهم حول من هو المسؤول عن القتل. وبدلا من الانصياع لهم، ذهب الرئيس ترامب يراوغ حول ما إذا كان الأمير محمد هو الذي أمر بتصفية خاشقجي، بل وفعل ذلك بينما كان يشيد بالقيمة الكبيرة لمبيعات النفط وعقود الدفاع التي تبرم مع المملكة العربية السعودية.
قرر أصدقاء الدكتور فتيحي إطلاق حملة للضغط على واشنطن لتبني قضيته. ويقولون في هذه الأثناء إن صمت إدارة ترامب بشأن استمرار احتجاز فتيحي يتناقض مع تفاخر السيد ترامب مرارا وتكرارا حول نجاح جهوده في استنقاذ المواطنين الأميركيين المعتقلين في الخارج، عادّا عشرين منهم في الأسبوع الماضي، بما في ذلك شخص واحد الأقل مزدوج الجنسية.
وكانت آية حجازي، التي تحمل الجنسيتين الأميركية والمصرية، التي دعيت إلى البيت الأبيض للقاء متلفز مع السيد ترامب بعد أن أفرج عنها من الحجز في أحد سجون القاهرة، قد استشهدت بشعار الرئيس “أمريكا أولا”.
لكنها قالت في رسالة نصية بعثت بها إلى صحيفة نيويورك تايمز: “عدم اعتبار قضية وليد فتيحي أولوية سيبعث برسالة مفادها أن أمريكا في الواقع ليست أولا، وإنما الصفقات المالية والنفط هما أولا”.
وفي رسالة بعث بها في شهر كانون ثان/ يناير إلى وزارة الخارجية إم هوارد، محامي الدكتور فتيحي، قال إن موكله أخبر زوجته وعائلته بأنه “بات يخشى على حياته، وأنه ما عاد يحتمل الوضع الذي هو فيه، وأنه يرغب في الحصول على كل مساعدة ممكنة.” إلا أن ممثلا لوزارة الخارجية رفض التعليق على القضية متحججا باعتبارات تتعلق بالخصوصية.
أما المسؤولون السعوديون، فنفوا تعرض المعتقلين لأي إساءة، وقال متحدث باسم السفارة السعودية في واشنطن إن المملكة وقعت على معاهدة مناهضة التعذيب، وإنها تمنع اللجوء إليه.
حصل الدكتور فتيحي على الجنسية الأميركية بينما كان يدرس ويمارس الطب في الولايات المتحدة، حيث يعيش الآن أحد أولاده. وبعد عودته إلى المملكة العربية السعودية أسس مستشفى خاصا في جدة، وذاع صيته كخطيب مفوه.
ليس واضحا لماذا تم اعتقاله، إلا أن صديقه الذي نقل المعلومات عن المعاملة التي يتعرض لها قال إنه تم استجوابه بشكل أساسي بشأن قريب له بالمصاهرة كان رهن الاعتقال أيضا، اسمه عادل فقيه، وهو أحد كبار المساعدين السابقين لولي العهد. يعتقد الدكتور فتيحي أن المحققين الذين استجوبوه كانوا يسعون للحصول على أدلة يدينون بها السيد فقيه، بحسب ما أفاد به الصديق المذكور.
عندما أعلنت المملكة العربية السعودية انتهاء حملتها ضد الفساد في أواخر كانون ثان/ يناير، قالت إن أربعة وستين شخصا ما زالوا محتجزين؛ لأنهم سيقدمون للمحاكمة بتهم جنائية جديدة أو قديمة. يقول أصدقاء الدكتور فتيحي إنه واحد من هؤلاء.