نشرت صحيفة «فايننشال تايمز»، مقالا ناقش الفرصة الأخيرة لمصر كي تحافظ على نظامها الجمهوري، حيث وصف الكاتب أنه في ظل هذا الجو الكئيب فالمعارضة للتعديلات الدستورية هي الإمكانية الوحيدة الباقية لحماية المظهر الجمهوري لمصر.
وذكّر الكاتب “مايكل وحيد حنا” من مؤسسة القرن الأميركي، في مقاله بالكلام القاطع الذي قاله السيسي عام 2017 “لا يناسبني البقاء رئيسا للبلاد ليوم واحد دون رغبة المصريين. وهذا ليس مجرد حديث أمام التلفزيون بل هي مبادئ اعتنقها ومتحمس لها”.
ومضى مؤكدا أن لا خطط لديه لتمديد رئاسته أبعد من تلك التي يسمح بها الدستور، مرتين كل واحدة منها أربعة أعوام. إلا أن هذا الموقف تغير بعد إعادة انتخابه عام 2018 في انتخابات ليست حرية بالكامل وبعيدة عن النزاهة، وفي ما يلي ترجمة لمقال نشرته صحيفة فايننشال تايمز بعنوان “مصر لديها فرصة أخيرة للحفاظ على طابعها الجمهوري”.
الجهود البرلمانية لتعديل المدة المسموح بها للسيسي البقاء في الحكم وتعزيز قوة الرئاسة وإضعاف استقلالية القضاء وإنشاء ما يشبه الوصاية، حيث تجد مصر نفسها أمام منعطف لا رجعة متوقعة عنه.
وفي ظل احتمال بقاء السيسي في الحكم حتى عام 2034 فسيتوقف التغيير السياسي لمدة جيل، وإن تم فسيكون عبر الاغتيال، الانقلاب أو الانتفاضة، موضحا أن أيا من هذه الخيارات لا يمثل طريقا لمستقبل مستقر وآمن.
الدستور في مصر يمنع تعديل المواد المتعلقة بمدة ولاية الرئيس “لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب الرئيس إلا في حالة واحدة وهي إضافة ضمانات جديدة من خلال التعديلات”، إلا أن التعديلات المقترحة والمشكوك فيها لن تؤدي إلا إلى تحصين الديكتاتورية من خلال الوسائل الدستورية.
المعارضة المشرذمة مذعنة وغير فاعلة، وعملية معارضة من القاع إلى القمة تحتاج للدفع بمقاومة فاعلة، ورغم وجود إعلانات معزولة تعارض تغيير مدة حكم الرئيس بما في ذلك عريضة وقعت عليها شخصيات بارزة في المعارضة ورجال دولة وأحزاب سياسية، إلا أنها ليست في موضع لكي توقف العملية البرلمانية.
بعد الموافقة على التعديلات الدستورية في البرلمان سيتم عرضها في استفتاء عام بدون مشاركة كبيرة أو مطالب التصويت عليه، ورغم ذلك فالاستفتاء على التعديلات الدستورية يمنح إطارا مختلفا عن المحاولات الفاشلة لتحدي السيسي في مشهد انتخابي، فعلى خلاف مرشحي المعارضة ضد السيسي فمن سيصوت بـ “لا” لن يكون عرضة للسجن أو الابتزاز لكي يتنازل على موقفه كما حدث العام الماضي عندما تحرك النظام بحزم ضد من حاولوا الترشح للرئاسة أو فكروا بخوض السباق الانتخابي، وتم سجن المرشحين بمن فيهم شخصيات عامة معروفة فيما مورست عمليات ضغط على آخرين للخروج من السباق.
أدى القمع والضرب بيد من حديد لردع أي نشاط سياسي. وبعد تحييده للحياة السياسية المستقلة، أظهر نظام السيسي اهتماما عظيما بعمل الجيش الداخلي والجهاز الأمني للدولة.
وأدى القمع والضرب بيد من حديد لردع أي نشاط سياسي. وبعد تحييده للحياة السياسية المستقلة، أظهر نظام السيسي اهتماما عظيما بعمل الجيش الداخلي والجهاز الأمني للدولة. ومن الصعب قياس الآراء لأن جهاز المخابرات المصرية يوصف، وهذا صحيح بأنه صندوق أسود. ولكن هناك مقاومة داخلية للسيسي وخططه السابقة والتي تعود إلى معارضة قادة بارزين في الجيش لترشحه في انتخابات الرئاسة عام 2014. وتجمعت المعارضة لفترة قصيرة لدعم المحاولة الفاشلة لرئيس هيئة الأركان السابق سامي عنان. وتم اعتقاله ولا يزال معتقلا رغم رتبته العسكرية العالية . ولو ظلت قطاعات معارضة للسيسي داخل الجيش فالتعديلات ستعزز قوته على الحكم وربما دعت لإجراءات متهورة.
لو لم تظهر المعارضة المصرية فمصير البلاد هو الانحدار الكئيب التدريجي نحو الانهيار والركود.
وفقد السيسي بعضا من الشعبية حيث تراجعت الحماسة التي رافقت صعوده إلى السلطة أمام الواقع الذي يعيشه المصريون اليوم. وباتوا منشغلين بكفاحهم اليومي لتأمين لقمة العيش في زمن التقشف والمعاناة الاقتصادية وخاب املهم بالوعود التي تعد بها السياسة.
مخاوف الانحدار نحو الفوضى كما شهدت مصر في تاريخها الحديث والمناخ الإقليمي الصعب يعتبر رادعا لأي مغامرة سياسية، وإضافة لهذا فالموقف المتسامح الذي أبداه الرئيس دونالد ترامب وإدارته شجع السيسي على زيادة القمع.
ويأمل السيسي أن يسكت الشجب الدولي من خلال حالة الإجهاد التي تعاني منها المنطقة التي تمر بفترة مضطربة والخوف على استقرار مصر والحس العام بالاستسلام من الرأي العام، ولأن النظام لا يتسامح مع أي تهديد محتمل حتى ولم يكن مهما أو حتى يسمح له بالنمو، فمصر السيسي تشعر أنها قادرة على تجسيد ديكتاتوريتها في ميثاق الحكم.
وفي ظل هذا الجو الكئيب فالمعارضة للتعديلات الدستورية هي الإمكانية الوحيدة الباقية لحماية المظهر الجمهوري لمصر. ولو لم تظهر هذه المعارضة فمصير البلاد هو الانحدار الكئيب التدريجي نحو الانهيار والركود.