باستثناء قلة قليلة، تتجاهل جميع دول العالم باستمرار «الأمم المتحدة»، و«مجلس حقوق الإنسان» على وجه الخصوص؛ لا سيما أميركا، التي كانت مواقف إداراتها المختلفة متناقضة. والآن، طالب الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو جوتيريس» بمنافسة مفتوحة لاختيار المفوّض السامي الجديد لحقوق الإنسان، الذي يعدّ الرجل الثاني بعد الأمين العام للأمم المتحدة؛ لأنّ المنصب سيصبح شاغرًا بحلول الصيف المقبل.
وكان المفوّض السامي السابق «زيد رعد الحسين»، الأردني الجنسية، صريحًا بشأن انتهاكات حقوق الإنسان بشكل عام، وحصل على موافقة من النشطاء في جميع أنحاء العالم، وتحدّث علانية عن عيوب الإدارة الأميركية الحالية، واستنكر مرارًا «دونالد ترامب» وحذّر من خطابه القومي؛ وهذه التصريحات جعلته بطلًا أمام نُقّاد ترامب المحليين والأجانب، وذكروا أنّ بإمكانه (زيد) الترشح لولاية ثانية؛ لكنّ تدخلاته أدّت إلى تعميق الخلاقات بين الإدارة الأميركية الحالية والأمم المتخدة على مدار العام والنصف الماضيين.
هذا ما يراه «ريتشارد جوان»، المدير المشارك لقسم دبلوماسية الأزمات وأنشطة السلام في مركز التعاون الدولي التابع لجامعة نيويورك، في تحليله بصحيفة «وورلد بولتيكال ريفيو» وترجمته «شبكة رصد»، مضيفًا أنّ «زيد» أعلن في ديسمبر 2017 أنه سيستقيل من منصبه؛ بسبب الظروف المروّعة لحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم. لكن، من يحلّ محله؟
تكهّن دبلوماسيون أن يعيّن الأمين العام للأمم المتحدة رئيسة شيلي «ميشيل باشيليت»، وهي شخصية بارزة؛ لكنها للأسف أقل جرأة من «زيد». وكانت «إيرينا بوكافا»، المدير العام السابق لليونيسكو، من بين المرشحين لتولي المنصب، وهي من أبرز المنافسين الرئيسين للأمين العام السابق «بان كي مون»؛ لكنّ هناك شائعات بأنّها لا تريد هذا المنصب.
وقال «جوتيريس» إنّه عهد إلى الخبراء مساعدته في مقابلة المتنافسين والحديث معهم وعن طموحاتهم وخططهم. وفي الماضي، قدّم الأمين العام للأمم المتحدة جلسات استماع فعّالة أثناء محاولات اختيار بديل لـ«بان كي مون»، الذي أثبت تفوّقًا على جميع المرشحين على الأقل من الناحية السياسية؛ ومن المنطقي والطبيعي أن يكون اختياره للمفوض السامي الجديد بالقدر والشفافية نفسهما.
لكن، من ناحية أخرى، النقاشات بشأن كيفية ملء الفراغ الذي سيتركه زيد ما زالت ثانوية؛ ويدور الجدال بشأن الوضع السيئ لحقوق الإنسان في العالم، وتغافلت الأمم المتحدة عن الحديث بشأن هذه الانتهاكات بشكل كبير لصالح الأمور السياسية.
فمنذ الحرب الباردة تسيطر المسائل السياسية للقوى الكبرى على نقاشات الأمم المتحدة وجلساتها بدلًا من المشكلات الحقيقية التي تواجه الملف الحقوقي؛ ما يعتبره خبراء ومحللون فشلًا للمنظمة الأممية.
ومن ناحية أخرى، تحاول قوى أخرى مثل الصين وروسيا التشكيك في جدوى المنظمة؛ بالرغم من احتضانهم آراء «زيد» الأخيرة ومواقفه بشأن الوضع في سوريا. ونظّم الصينيون حملات للحدّ من عمل الأمم المتحدة في المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان في السنوات الأخيرة؛ بما فيها الحهود المبذولة من ناحية بكين لتقليل عدد الموظفين العاملين في مجال حقوق الإنسان والتابعين للمنظمة على أراضيها.
كما نجحت الصين في تمرير قرار مهم وغامض لرؤيتها المتمركزة في الأوضاع الحقوقية لديها والعالم؛ لكنّ القلق الرئيس لمجلس الأمن والأمم المتحدة هذه الأيام هو «أميركا»، التي تحاول بدورها التلاعب بفكرة الانسحاب الكامل من التزاماتها تجاه الأمم المتحدة، وخاصة الالتزامات المتعلقة بالمسائل الحقوقية.
أما أميركا فطوال تاريخها كانت متناقضة تجاه الأمم المتحدة؛ إذ قاطعت إدارة جورج بوش مجلس حقوق الإنسان بسبب انتقاداته المتكررة لـ«إسرائيل»، وعكس الرئيس السابق «باراك أوباما» المسار واستخدم المجلس للضغط على خصومه الليبيين والسوريين. وحذّرت المبعوثة الدائمة للأمم المتحدة «نيكي هالي» من استبعاد أميركا عن دورها تجاه المجلس بسبب الخط الساخط ضد «إسرائيل» حاليًا.
أما البلدان الصديقة لأميركا، مثل بريطانيا ولاتفيا وهولندا ورواندا، فحاولوا إيجاد صيغ كحلّ وسط للإبقاء على أميركا؛ لكنّهم يرون جهودهم حاليًا تفشل بسبب العداء الكلي من إدارة ترامب تجاه التعاون مع أطراف متعددة.
وأعربت «نيكي» عن غضبها بسبب تقرير انتقد السلوك «الإسرائيلي» في غزة مايو الماضي، وسط شائعات باستقالة أميركا من المجلس.
في النهاية، وبالرغم من أنّ المفوض السامي لحقوق الإنسان يستجيب تقنيًا لكل ما يقوله الأمين العام بدلًا من مجلس حقوق الإنسان؛ فخليفة «زيد» سيواجه برودًا حادًا من أميركا، أيًّا كان من هو؛ وإذا تحقق هذا السيناريو فسيواجه المفوض السامي أسئلة جديّة ووجودية، مثل قواعد الحرب ومعاملة المهاجرين؛ ما سيضعه في مواجهة مباشرة مع أميركا.