اقترح أربعة أعضاء في الكنسيت الإسرائيلي من حزب «بيتا» المتطرف «مشروع قانون» يقترح تصوير أفعال جنود الاحتلال وأقوالهم جريمة يجب أن يُعاقب عليها؛ لأنها تقوّض الروح المعنوية لهم. وإذا كان القصد الإضرار بأمن الدولة؛ فالعقوبة تصل إلى عشر سنوات، كما يُطبّق القانون على هؤلاء الذين ينشرون أيّ وثائق خاصة بجيش الاحتلال؛ وتوقعّت «هآرتس» أن يحظى مشروع القانون بموافقة الحكومة الأحد المقبل.
وفي هذا الصدد، يرى مدير مكتب أخبار «جيروزاليم بوست» ورئيس تحرير صحيفة 972 «مايكل شيفر»، في مقاله بصحيفة «لوب لوج» وترجمته «شبكة رصد»، أنّ ثمّة ثلاث ملاحظات مهمة على هذا المشروع:
أولا: المشروع محاولة صريحة لإسكات عمل المنظمات الحقوقية الإسرائيلية وتجريمه؛ فمشروع القانون استشهد -على سبيل المثال لا الحصر- بمنظمات «بتسليم» و«محسوم ووتش» و«كسر الصمت» الإسرائيلية، التي لها باع طويل في مناهضة جرائم جيش الدفاع والحكومة الاحتلالية بحق الفلسطينيين.
والقانون أيضًا بمثابة تذكير بأنّ الحكومة اليمينية المتطرفة في «إسرائيل» ترى عمل هذه المنظمات والمجموعات بمثابة تهديد؛ لذلك يسعون لمحاولة تهميشها والاستهانة بها وحظرها. ومن الواضح أنّ هذه المنظمات تقلق النظام الإسرائيلي الحالي.
ثانيًا: القانون ينطبق فقط على الإسرائيليين لا الفلسطينيين. ولأنّ «إسرائيل» لم تضمّ بعد الضفة الغربية؛ فالقوانين التي أقرتها الحكومة الاحتلالية لا تنطبق على 2.8 مليون فلسطينين يعيشون في الضفة، ومن أجل تطبيق قانون إسرائيلي على الفلسطينيين يتعيّن على القوات الاحتلالية في الضفة ضمّها للقانون العسكري المطبّق على الفلسطينيين.
والنتيجة: إذا وجد فلسطيني وإسرائيلي يقفان بجانب بعضهما على الضفة الغربية ويصوّران أفعال جنديّ ما فالقانون يقضي بأنّ الإسرائيلي مرتكب الجريمة، فـ«إسرائيل» لا تحتاج إلى مزيد من القوانين للزج بأيّ فلسطيني خلف القضبان، فهو أمر ما أسهله.
أخيرًا: واضعو التشريع أو مقترحوه أكّدوا أنّ تصوير أفعال جنود الاحتلال يضرّ بمعنوياتهم ومعنويات المدنيين الإسرائيليين معًا، ويرون أنّ أفعاله القبيحة والعنيفة والمثيرة للاشمئزاز والوحشية والإذلال أمور لا يجب أن يراها أصداقاؤهم ورفاقهم وذووهم الإسرائيليون؛ وهو السبب في إدراج المنظمات الإسرائيلية الثلاث أثناء الاستشهاد في مشروع القانون.
الأمر يعيدنا إلى السؤال نفسه: هل هناك جريمة لم توثّق؟ في نظر الجمهور الإسرائيلي، الإجابة «لا»، على الأقل جزئيًا؛ فمعظم الإسرائيليين لا يريدون رؤية عنف مجنديهم ضد الفلسطينيين، ولا يريدونه في الوقت نفسه بعيدًا عن الأنظار؛ لذا القانون بمثابة قمع للأفكار عبر محاولته إزالة الصورة المسيئة عن جيش الاحتلال من الأذهان، خاصة أذهان الإسرائيليين.
والوضع مختلف لبقية العالم؛ فبعد نصف قرن من الاحتلال، وثلاثة عقود منذ أن بدأ التلفزيون الأميركي بث أشرطة الفيديو عن جنود الاحتلال وهم يكسّرون عظام الفلسطينيين، فالصورة الذهنية عن الاحتلال الإسرائيلي لدى العالم مشوّهة أصلًا ولا حاجة لوقف التصوير لمنع هذه الصورة، فما حدث قد حدث.
وعلى كلّ، حتى إذا تمكّن الاحتلال من منع التصوير ومحو أشرطة الفيديو التي تصوّر جرائمه فهذا لا يعني أنّ الاحتلال انتهى أو أنّ الجرائم سكتت؛ بل سيفهم الجميع أنّ التصوير توقّف لأن هناك ما يخشون أن يراه العالم. وبطبيعة الحال، ما يخشونه عبارة عن جرائم؛ فاليمين الإسرائيلي يرى أنّ الحل مع هذه الجرائم حجبها عن العيون وليس القضاء عليها.