أكد «معهد بروكنجز» الأمريكي، وهو مؤسسة فكرية مقرها واشنطن، أن العلاقات بين طهران وأنقرة مستقرة نوعا ما، رغم حذر تركيا من طموحات إيران في الدول المجاورة، وموضحا في تحليل لـ«غالب دالاي» الباحث في المعهد، لخطوط الصراع الجديدة في الشرق الأوسط، أن الدولتين تنظران إلى التحالف السعودي الإماراتي على أنه تهديد، مما أسهم في تقوية الروابط السياسية والاقتصادية.
وأضاف الباحث وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنهما أيضا يشاركان في حروب بالوكالة في سوريا ويتنافسان في العراق، وهو ما فتح المجال أمام التعاون التجاري في مجالي الطاقة والسياحة، إلا أنه ورغم ذلك، توقع المعهد أن تطرأ تغيرات جذرية على تلك العلاقة في المدى القريب؛ بسبب تضارب الطموحات الجيوسياسية بالمنطقة.
ففي العراق وسوريا على سبيل المثال، ستظل العلاقة محفوفة بالتوتر والخلاف، في الوقت الذي تسعى فيه الدولتان لصياغة مستقبل سياسي لهما في سوريا والعراق، ومضيفا: من ناحية تعتقد تركيا أن إيران تحاول نشر نفوذها عبر منطقة البحر المتوسط عبر العراق وسوريا ولبنان، كما تنظر أنقرة إلى سيطرة المليشيات الشيعية على الأوضاع على الأرض، قد يعوق مصالحها بطريقة أو بأخرى، لكنه لم يحدث حتى الآن على أرض الواقع.
فرغم انضمامها إلى إيران في المحادثات التي رعتها روسيا حول النزاع السوري، كانت تركيا ضد المليشيات الشيعية الموالية لإيران في كل من عفرين وإدلب، فيما اتخذت طهران بدورها موقفا مناهضا للعملية العسكرية التركية في عفرين والتوسع العسكري في إدلب، مما يعكس التنافس بين الدولتين في المنطقة.
إلا أن المعهد تيقن من أن طهران تتصدر القائمة بتحقيقها مكاسب على جبهات مختلفة، وهو ما أسهم في تعميق المخاوف التركية، خاصة وأنها تعتقد أنه سيؤثر بطرقة أو بأخرى على مساعيها لدحض حزب العمال الكردستاني، الذي تراه أنقرة منظمة إرهابية، وهي المخاوف التي بسببها شنت العملية غصن الزيتون في عفرين في يناير الماضي.
وأحد العوامل الأخرى التي تتسبب في قلق طهران، هو تجنب إيران المواجهة مع حزب العمال الكردستاني ومنظماته الفرعية في جميع أنحاء المنطقة، حيث حافظت على وقف إطلاق النار مع «حزب الحياة الحرة الكردستاني»، وهو حزب انفصالي إيراني كردستاني منتسب لحزب العمال الكردستاني، منذ عام 2011.
كما تعتبر تركيا أن المكاسب الإيرانية في المنطقة، قامت على أنقاض الدول، حيث يعكف القادة في العراق وسوريا حاليا، على إيجاد صيغة لاستيعاب الأطراف الخارجية، والتي ساعدتهم في هزيمة تنظيم الدولة وإجهاض الثورات الشعبية، وإدراجهم في السياسة الجديدة في فترة ما بعد الحرب، وإيران هي الرابح الأكبر أكبر من تركيا، بحسب تحليل بروكنجز.
وفي سبيل إثبات نفوذها وتواجدها، انخرطت تركيا في أعمال عسكرية في سوريا، كمحاولة لإثبات نفوذها، كما طلبت في بعض الأحيان العون من مليشيات إيرانية، وهو الموقف الذي يبرز النفوذ الإيراني أكثر، خاصة وأن تركيا لا تمتلك أي خبرات في التعامل مع المليشيات أو رعايتها.
وفي السنوات الأخيرة، ركزت أنقرة جهودها على تحدي حزب العمال الكردستاني وفروعه، لا سيما حزب العمال وحزب الاتحاد الديمقراطي، كما رأينا من رفضها الاستفتاء الذي تم في سبتمبر 2017 والذي كان يهدف لإنشاء دولة كردية مستقلة، وهو الاستفتاء الذي عارضته إيران أيضا.
وتوقّع المعهد أن تخفت محاولات أنقرة للحد من النفوذ الإيراني، مؤكداً أنها ستسعى إلى ذلك عقب الانتهاء من الملف الكردستاني، مضيفا: لا تهتم إيران بامتلاك إيران لأسلحة نووية، بقدر ما تهتم بسياساتها الإقليمية المقلقة بالنسبة إليها.
وخلال الأزمة القطرية، اضطرت تركيا أن تتعاون مع إيران من أجل إنقاذ قطر من براثن السعودية والإمارات ومصر والبحرين، إلا أن اشتراكهما معاً في تلك القضية، كان نابعا من مخاوفهما المشتركة، وهو ما اتضح أيضا في رفض الاستفتاء الكردستاني.
تنافس إقليمي جديد
أكد المعهد في تحليله أن نظرة تركيا تجاه إيران، لا تنبع فقط من تصرفات طهران في الدول المجاورة، بل تضع في اعتبارها أيضا السياسات السعودية والمصرية والإماراتية والبحرينية و«الإسرائيلية» والأمريكية، فهي بطريقة أو بأخرى تشعر بالقلق إزاء تلك السياسات مجتمعة.
كما تعتقد تركيا أن العداوة العامة تجاه إيران التي تظهرها «إسرائيل» وبعض الدول العربية المتحالفة (مثل الإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين) تشكل جزءاً من بحثها عن نظام إقليمي جديد، وبالنسبة لتركيا، فإن انقلاب 2013 في مصر والحظر المفروض على قطر يبرران هذا الاعتقاد، وبما أن الشراكة السعودية الإماراتية تنظر إلى تركيا والحركات الإسلامية السياسية الإقليمية من منظور واحد، فإن أنقرة تعتبر أن دول الخليج العربية تبحث عن نظام إقليمي جديد يستهدف تركيا ومصالحها بشكل مباشر أو غير مباشر.