أعلنت كوريا الشمالية نيتها التفاوض مع أميركا في ما يتعلّق ببرامجها النووية، ورفضت السيناريوهات التي رسمها محللون أميركيون بأن زعيمهم «كيم يونج» ينظر إلى ما حدث للقذافي في ليبيا. وتحدّثت تقارير صحيفة عن زيارة سرية لوزير الخارجية الأميركي الجديد «مايك بومبيو» إلى كوريا الشمالية واجتماعه مع زعيمها للحديث عن نيّة كوريا في التخلي عن طموحاتها النووية، وأخبره أنّ شعبه يستحق الأفضل وأنّ هناك فرصًا في انتظارهم.
وبالرغم من الشكوك التي تحيط القمة المنتظر عقدها بين ترامب وكيم يونج، ذهب بومبيو إلى كوريا الشمالية لوضع اللمسات الخيرة على تفاصيلها، وإحضار السجناء الأميركان الثلاثة الذين احتجزتم «الشمالية»؛ وبدا الأمر كأنّ صفقة ما أُنجزت بين الطرفين، وربما قدّم بومبيو أرضية لنزع السلاح بالفعل.
وبالرغم من توقّع معظم المحللين أنّ القمة لن تحدث، فما زال الوقت مبّكرًا للإجابة عن هذا السؤال أو ضحد هذا التوقع؛ فلا أحد خارج كوريا الشمالية يعرف المدى الذي وصلت إليه في برنامجها النووي، وتتراوح التقديرات بين عشرة صواريخ وستين، كما لا يعرف المسؤولون الأميركيون مكان هذه الأسلحة من الأساس.
هذا ما يراه الباحث في معهد كاتو «دوج باندو» في تحليله بمجلة «ناشيونال إنتريست» وترجمته «شبكة رصد»، مضيفًا أنّه زار كوريا الشمالية من قبل، وحكومتها تسيطر على الدولة سيطرة كبرى، وتتحكّم حتى فيما يراه مواطنوها؛ متوقعًا أنّ يخفي الكوريون أسلحتهم في مكانٍ لا يتوقّعه أحد، كأن يكون أسفل بناية طبيعية جدًا ولا توحي بشكوك.
وربما يريد «كيم يونج» بالفعل إثبات مدى جديته والتزامه بدعوته؛ لذا دعا مسؤولين أميركيين لزيارة دولته وأفرج عن السجناء الأميركان، بالرغم من أنّهم انتهكوا قانون كوريا الشمالية، ولا لوم على الحكومة الكورية في أن تقبض عليهم من الأساس. ولإثبات حسن نيته بشكل أكبر، أكّد «كيم» أنّ هناك أربعة صواريخ نووية محمولة على شاحنات شمال «بانمونجوم (القريبة من كوريا الجنوبية» وأنه على استعداد ليسلّمها للحكومة الأميركية؛ وهناك المزيد.
ولكيم يونج مطلبان أساسيان: إلغاء العقوبات الأميركية الموقعة على دولته وتأسيس علاقات دبلوماسية جديدة.
استجابة ترامب
فرحت أميركا بدعوة «كيم» بشكل أعمى؛ حتى لا تعرف ما يمتلكه الرئيس الكوري الشمالي من أسلحة نووية، وهل هو جاد في عرضه أم لا؛ فلا شكّ في أنّه يمتلك رؤوسًا نووية وأنه لن يعلن عنها بأكملها، وبالرغم من ذلك أعلن ترامب نيته حضور هذه القمة إذا لم يكذب «كيم».
ومؤخرًا، طردت كوريا الشمالية مفتّشين دوليين على أراضيها تابعين للوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ ما يكشف احتمال تنفيذ كيم يونج خطة ما أو تلاعبه بأميركا، خاصة وأنّ الطرد جاء بعده بمدّة قصيرة دعوته لأميركا.
فماذا لو حدث وانعقدت القمة وعاد المفتّشون إلى كوريا الشمالية أو حتى أرسلت أميركا محقّقين خاصين بها ولم يعثروا على مزيد من الأسلحة النووية، بينما هي مخبأة في مكان ما؟ كيف ستتعامل أميركا مع الوضع حينها؟
وللأسف، وبالرغم من المخاوف، لم يكن أمام أميركا سوى الاستجابة لدعوة الرئيس الكوري الشمالي؛ خاصة وأنّ ترامب إذا تمكّن من نزع أسلحته النووية سيطالب أنصاره بمنحه جائزة نوبل للسلام، لا سيما إذا ما اتخذت كوريا الشمالية خطوات أخرى في السبيل الذي تريده أميركا.
وبالنظر إلى الشواغل الأمنية لكوريا الشمالية، فمن المحتمل أنّ «كيم يونج» ضالع في تنفيذ مخطّطٍ ما؛ خاصة وأنه يعرف أنّ أميركا لن تتردد في غزوه عسكريًا كما فعلت في ليبيا والعراق وأفغانستان وسوريا، إضافة إلى أنّ دعوته جاءت أيضًا في توقيت مريب، في الوقت الذي عيّن فيه ترامب اثنين من أكبر الداعمين لتغيير الأنظمة التي لا تعجب أميركا عبر العمل العسكري، وأيضًا بالتزامن مع المشكلات المتعلقة بالاتفاق النووي الإيراني وانسحاب أميركا منه.
إضافة إلى ذلك، تتداخل الصين على المسار نفسه؛ فهي لا تريد أن تتوحد شبه الجزيرة الكورية أو أن تتحالف مع أميركا، لأنّها تستفيد من تجارة الأسلحة مع كوريا الشمالية التي تسبب مشكلات لأميركا. وفي الواقع، ما دامت القمة الكورية الأميركية ضد مصلحة الصين فحتمًا سترفضها.
وفي النهاية، لا أحد يعرف ما تحمله الأيام المقبلة فيما يتعلق بهذا الشأن؛ وقريبًا سيعرف العالم أجمع إذا كان «كيم يونج» جادًا في عرضه أم أنه يخوض لعبة ما.