تسبّب ولي العهد محمد بن سلمان في إثارة كثير من الجدل بشأن مستقبل المملكة العربية، وجذب الاهتمام بتصرّفات وقرارات اعتبرها كثيرون بمثابة انقلاب على التقاليد السعودية والعربية والإسلامية.
ويعتقد المحللون أنّ «ابن سلمان» جاهلٌ بالمبادئ التي تقوم عليها السعودية، وكذلك دبلوماسية الدول العربية والإسلامية؛ إذ بدأ الأمير الطموح حياته السياسية بتشكيل ائتلاف عربي لإطلاق حرب اليمن، التي حوّلتها إلى كومة من الأنقاض؛ وتسبّب في أسوأ أزمة إنسانية في التاريخ المعاصر، من انتشار وباء الكوليرا وتفشي المجاعات، بجانب حملته التي يقودها على الصحفيين الحقيقيين والشخصيات المعارضة داخل السعودية.
هذا ما يراه الكاتب الفلسطيني «معتصم دلول» في مقاله بصحيفة «ميدل إيست مونيتور» وترجمته «شبكة رصد»، مضيفًا أنّ «ابن سلمان» نظّم زيارة واحدة إلى «إسرائيل»، التقى فيها بمسؤولين بالرغم من اندثار علاقات دبوماسية بين «البلدين»؛ معترفًا بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، كما أعلن حركة المقاومة الإسلامية «حماس» منظمة إرهابية.
مصالح خاصة
وفي مقابلة مطوّلة مع «جيفري جولدبرغ» من صحيفة «أتلانتك»، قال ولي العهد السعودي إنّ «للفلسطينيين والإسرائيليين الحق في امتلاك أرضهم الخاصة». والفلسطينيون مثل أيّ شعب آخر، بالتأكيد لهم الحق في أن يعيشوا على أرضهم الخاصة؛ وهذا أمر لا يستحق ابن سلمان الشكر عليه؛ لأنّه حق اعترف به القانون الدولي والمجتمع الدولي فور إجبارهم على الخروج من ديارهم وأراضهيم في 1948، وتأكّد عليه في مناسبات عديدة مختلفة منذ حينها.
وتساءل الكاتب عما وصفه ابن سلمان «الحق الإسرائيلي في العيش وامتلاك أراضيهم الخاصة»، خاصة وأنّهم احتلوا الأرض تحت تهديد السلاح، واتّباع أساليب التطهير العرقي والإبادة الجماعية، فيما تصفها «إسرائيل» بـ«حرب الاستقلال»، أمّا الفلسطينيون الذين تمكنوا من البقاء في منازلهم ففرضت عليهم هوية غريبة عنهم «عرب إسرائيل».
وادّعى ابن سلمان أنّ هناك مصالح مشتركة بين مملكته و«إسرائيل»؛ ما ينم عن ماهية الدبلوماسية السعودية الحقيقية ومصالحها الخاصة، بغض النظر عن نوعية الدول التي تتعامل معها؛ فبدلًا من العمل خلف الكواليس، شرع ابن سلمان في إعلان علاقته الصريحة مع الكيان الصهيوني، مصادقًا على المشروع الصهيوني الذي ترعاه أميركا.
ووصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب السعودية بأنّها «البقرة الحلوب التي سيذبحها لأنها لم تعد تنتج ما تحتاجه أميركا». وبالرغم من ذلك، سارع ابن سلمان إلى إلقاء مليارات الدولارات في حجر الصهاينة وواشنطن؛ بالرغم من أنّه ليس مجبرًا بما يكفي على إظهار أوراقه كاملة.
طبيعة متوارثة!
وبإلقاء نظرة على تاريخ العلاقات السعودية مع أميركا و«إسرائيل»، فخطوات ابن سلمان تدل على أنه لم ينحرف عن إرث بيت سعود؛ فبعد حرب الأيام الستة عام 1967، التي احتلت فيها «إسرائيل» مساحات شاسعة من الأراضي العربية؛ دعت السعودية إلى عقد اجتماع للجامعة العربية، وبالرغم من أنها قادت القمة حينها ولم تعترف رسميًا بـ«إسرائيل»؛ فضّلت الجهود الدبلوماسية والسياسية حينها، ولم تذكر استخدام قوة عربية موحّدة لتحرير الأراضي المحتلة.
وكان موقف السعودية مقدمة لعلاقة متميزة مع «إسرائيل» من الناحية العملية، ومنذ حينها لم يتغيّر؛ حتى عندما أعلنت الدول العربية مجتمعة غضبها من مصر بعد توقيعها «اتفاقية السلام» مع «إسرائيل»، بالرغم من أنّ الجميع اعترف بعد بالسلطة الفلسطينية التي ظهرت عقب اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بـ«إسرائيل»، وتسلّمت أكثر من 78% من أراضي فلسطين التاريخية، وأيضًا عندما وقّع الأردن اتفاقية سلام مع «إسرائيل» وأشادت بها معظم الدول العربية.
واعتراف ابن سلمان بحق الدول العربية في العيش بأرضهم «تعبير ملطّف عن فلسطين المحتلة»؛ وهو ما يتوافق حاليًا مع الدبلوماسية الرسمية الفلسطينية والعربية والإسلامية، وجوهر ما تسمّى «مبادرة السلام العربية» هي اقتراح سعودي في الأصل، وأيضًا استعداد للاعتراف بـ«إسرائيل» في حقها في الأرض الفلسطينية.
وبعد مائة عام من وعد بلفور السيئ السمعة، نشهد الآن زعيمًا عربيًا كبيرًا يدعم وجود «إسرائيل» في فلسطين؛ وهي النقطة التي انتقدها العرب كثيرًا طوال تاريخهم.