إذا كنت ديكتاتورًا قاتلًا، فهذا الوقت المناسب لتنعم بالحياة؛ فلا أحد سيثير ضجة إذا سجنتَ معارضًا أو أخفيتَ صحفيًا مزعجًا، فتعيين «مايك بومبيو» وزيرًا للخارجية بدلًا لريكس تيلرسون يعني تخلي أميركا عن كل ما يتعلق بحقوق الإنسان لسنوات مقبلة.
هذا ما يراه الصحفي الأميركي «نيكولاس كريستوف»، الحائز على جائزتي بوليتزر، في مقاله بصحيفة «نيويورك تايمز» وترجمته «شبكة رصد»؛ مؤكدًا أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب أصبح محبوبًا لجميع الديكتاتوريين في العالم، وتزايدت في عهده الانتهاكات الحقوقية في معظم البلدان، خاصة مصر، إضافة إلى تزايد أعداد الصحفيين المحبوسين والمقتولين؛ وفتحت مهاجمته للإعلام وحقوق الإنسان دائمًا الباب أمامهم ليفعلوا ما يريدونه.
ففي ميانمار على سبيل المثال، وجد الزعماء أنّ ترامب فرصة مناسبة لارتكاب حملات إبادة جماعية ضد الأقلية العرقية المسلمة الروهينجا؛ إذ ألقى الجنود الأطفال في النيران واغتصبوا أمهاتهم.
فماذا قال ترامب عن هذه المجازر؟ لا شيء.
في الماضي، كانت ملفات حقوق الإنسان أولوية مهمة في سياسة أميركا الخارجية، وتناول هذا الملف طوال السنوات السابقة بطرق مختلفة، مباشرة أو بطرق منافقة وما فيه مصلحة أميركا؛ وكانت إحدى الأوراق التي تستخدمها أميركا لتحقيق مكاسب سياسية في أحيان، لكنها على كل حال كانت تؤكد عليها.
هجوم الرئيسين باراك أوباما وبوش بطريقة مستمرة لأنهما لم يتخذا خطوات جادة تجاه الانتهاكات في سوريا ودارفور وجنوب السودان، لكنهما في كل الأحوال لم يتمكّنا من التدخل؛ لأنهما لم يمتلكا الأدوات المناسبة لوقف المجازر والعنف المسلح.
لا مبالاة لحقوق الإنسان
لكنّ ترامب عكسهما، يبدو أنه غير مبالٍ من الأساس؛ إذ دافع الرئيس الأميركي من قبل عن الرئيس الروسي فلاديميير بوتين، كما أشاد بالمصري «الوحشي» عبدالفتاح السيسي، وأشاد أيضًا بالرئيس الفلبيني رودريجو دوتير؛ وأودت حربه القذرة على المخدرات بمقتل 12 ألف شخص.
وقالت «سارة مارجون»، من منظمة هيومن رايتس ووتش، إنّ ترامب عندما زار مانيلا ضحك أثناء وصف «دوتير» الصحفيين بالجواسيس، في بلده التي وصلت فيها العدوانية تجاه الإعلاميين إلى إرسالهم للمشرحة.
وأكّدت سارة أنّ إدارة ترامب منذ أن تولّت البيت الأبيض وهي تحيّد الدعم الأميركي لحقوق الإنسان في كل بلد؛ لذا يشهد الصحفيون في جميع أنحاء العالم حاليًا أسوأ عصر، فهناك آلاف منهم خلف القضبان، وفقًا للجنة الدولية لحماية الصحفيين.
ويقول «جويل سايمون»، المدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس ووتش، إنّ ترامب التقى بقادة الدول التي تشهد أعلى معدلات انتهاك ضد الصحفيين «الصين وروسيا وتركيا» ولم يثر معهم قضية حرية الصحافة.
نماذج من الانتهاكات
ويضيف جويل أنّ هناك إجماعًا بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي على أنّ إهانة الصحفيين ومهاجمتهم من ترامب ستكون لها عواقب وخيمة؛ لأنّ الديكتاتوريين سيستغلونها لفرض مزيد من القيود على الصحفيين في بلادهم، وهو ما فعله رئيس الوزراء الكمبودي «هون سين»، الذي برر حملة القمع الشديدة ضد الإعلاميين والصحفيين هناك بهجوم ترامب عليهم في بلده «أميركا»، مؤكدًا أنّ هذه الحملة لاقت إعجابه إلى حد كبير.
وفي نوفمبر الماضي، نُشرت صورة تجمع «هون سين» بترامب، مشيدًا به لإهماله حقوق الإنسان، قائلًا له إنّ «سياساتكم تتغير»؛ فيرد ترامب: «أكنّ لك الاحترام».
وفي البحرين، أخبر الرئيس الأميركي الملك البحريني القمعي بأنه لن يتعرض لضغط من إدارته. وقال نبيل رجب، الناشط في مجال حقوق الإنسان في العالم العربي، إن الحكومة البحرينية ردّت بعد خمسة أيام بقتل خمسة متظاهرين، وحكمت على الناشط نفسه بالسجن خمس سنوات بسبب تدويناته على وسائل التواصل الاجتماعي.
كما تعاطف ترامب من قبل مع المذابح التي ارتكبتها الحكومة الصينية في حق متظاهرين مؤيدين للديمقراطية في عام 1989، كما أشاد بنهج صدام حسين في مكافحة الإرهاب.
للمكاسب فقط
وحتى الآن، الوظائف المتعلقة بحقوق الإنسان في البيت الأبيض ما زالت شاغرة، وهناك أحاديث عن قرب تعيين «مايكل هورويتز» من معهد هدسون؛ وهي «خطوة أولية جيدة».
ويستخدم ترامب سجلات حقوق الإنسان لتحقيق مكاسب سياسية فقط، وضرب الأعداء في فنزويلا وكوريا الشمالية؛ وهو ما يوضح نفاقه ويقلل من مكانة أميركا.
وفي أحيانٍ تمكّن ترامب من تجميع العالم ضد أميركا؛ بعدما أظهر استطلاع رأي حديث لمؤسسة «جالوب» أنّ شعبية أميركا انخفضت في 134 دولة إلى 30%، وينظر المواطنون في العالم إلى روسيا والصين بطريقة أكثر إيجابية.
ويقول «جاري باس»، من جامعة برينستون، إنّ ترامب يشكل كارثة للقوة الناعمة لأميركا؛ فهو مكروه للغاية في العالم، وحينما يتدخل في قضية متعلقة بحقوق الإنسان يشوّهها؛ و ما يحدث مأساة تصيب أميركا.