قالت شبكة «بي بي سي» إنّ سد النهضة الجديد قد يؤدي إلى حرب على المياه ما لم تتفق إثيوبيا مع مصر والسودان بشأن كيفية ملئه السد وتوقيته، مؤكدة في تقرير لها أنّه بعيدًا عن الدول الثلاث، الحرب العالمية المقبلة ستكون بسبب المياه.
وأضافت، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ مصر وإثيوبيا والسودان بينهم خلافات كبرى بسبب التحوّل الجيوسياسي الكبير على أطول نهر في العالم؛ بسبب سد النهضة، المُتحدَّث عنه لسنوات ودخل حيز التنفيذ بعد ثورات الربيع العربي.
وقال المصريون القدماء إنّ «مصر هبة النيل»، وتمارس نفوذًا عليه منذ آلاف السنوات؛ عزز هذا الاستعمار البريطاني. لكنّ طموح إثيوبيا تغيّر في السنوات الأخيرة، إضافة إلى خطة بلدان إفريقية أخرى للتعامل مع تضاعف أعداد السكان لديها في السنوات المقبلة.
وبالرغم من التحديات السياسية التي تواجه إثيوبيا، والحريات المحدودة التي تتمتع بها؛ فإنها تبني حاليًا مجمّعات صناعية وتحوّل نفسها إلى بلد متوسط الدخل؛ بالاعتماد على الكهرباء ومن ثمّ نهر النيل.
فرص تنموية لإثيوبيا
ويعد سد النهضة الإثيوبي إحدى كبرى المحطات الكهرومائية في إفريقيا، وأحد أكبر السدود في العالم، وتسيطر إثيوبيا وحدها على 85% من مياه النهر؛ بينما تشعر مصر بالقلق من منافستها على القدرة على التحكم في تدفق النهر.
ويقول وزير المياه الإثيوبي «سيليشي بيكيلي» إنّ السد أحد أهم المشاريع الرئيسة في إثيوبيا، والمشكلة لا تتمحور في السيطرة على تدفق المياه؛ بل بشأن الفرص التي يوفرها نهر النيل لتطير إثيوبيا عبر تنمية الطاقة، مؤكدًا أنّ السودان يرحّب بهذه الخطة.
واُنتُهي من معظم أعمال بناء السد، وهو الآن في انتظار مرحلة العمل وبدء توليد الطاقة المتجددة الرخيصة عبر كابلات.
تهديد سيادة
حاليًا، يبلغ الفرق بين مستوى ارتفاع المياه وانخفاضها في السودان ثمانية أمتار؛ ما يصعّب عليه إجراء مشاريع واسعة. ويقول «أسامة داوود عبداللطيف»، مالك مجموعة «دال» التي تدير مشاريع الري، إنّ السد يمثّل للسودان أمرًا جيدًا؛ لكنه مقلق لمصر، التي تتوقع الأمم المتحدة لها أن تعاني من ندرة في المياه بحلول عام 2025.
وأضاف «أسامة» أنّ نهر النيل شريان الحياة لمصر، و«لا إقول أنهم مصابون بجنون العظمة لقولهم هذا، لكنهم قلقون جدًا على ما يجب فعله في مسألة المياه مستقبلًا»؛ وأي تهديد للمياه المصرية تهديد لسيادتها.
بينما تقول «راوية توفيق»، أكاديمية مصرية تعمل في ألمانيا، إنّ هناك تغيّرًا كبيرًا حاليًا في قواعد الأحداث بشأن مياه النيل، وهناك نظام جديد يسري الآن في المنطقة بأسرها؛ فللمرة الأولى تجمع إثيوبيا بين القوة المادية، لكونها دولة المنبع التي يمكنها أن تسيطر عليه بطريقة أو بأخرى، والقوة الاقتصادية التي مكّنتها من بناء سد عالي التكلفة بالاعتماد على مواردها المحلية.
وعبّر وزير الموارد المائية والري المصري «محمد عبدالعاطي» عن غضبه الشديد بقوله: «نحن مسؤولون عن شعب تعداده مائة مليون نسمة؛ وإذا انخفضت المياه القادمة إلى مصر بنسبة 2% سنفقد 20 ألف فدان من الأراضي، وفدان واحد بإمكانه أن يجعل أسرة كاملة على قيد الحياة، أسرة متوسطة الحجم مكونة من خمسة أفراد؛ وهذا يعني أنّ نقصان المياه سيترك مليون مصري عاطلًا عن العمل، هذه قضية أمنية لمصر».
خلاف التأثير
ولا تؤثّر محطات الطاقة الكهرومائية إطلاقًا على المياه أو استهلاكها؛ لكنّ السرعة التي ستملأ بها إثيوبيا السد ستؤثر على تدفق المياه في المجرى، خاصة أنها ترغب في توليد الطاقة الكهرومائية في أقرب وقت ممكن؛ لكنها من الممكن أن تستغرق وقتًا طويلًا في ملء الخزان.
وإذا حدث هذا في ثلاث سنوات فسيتأثر مستوى النهر؛ لكن تراوح المدة بين ست سنوات وسبع لن يكون له تأثير كبير؛ بينما لا تسير المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان حتى الآن على ما يرام، حتى إنّ المناقشات لم تصل إلى تقييم الأثر، بل ما زالت دائرة بشأن كيفية تحديد هذا الأثر.
وبجانب ذلك، السودان ومصر مختلفان بشأن كمية المياه التي يستخدمها السودان، وكيف يمكن أن تزداد بعد الانتهاء من السد؛ والمفارقة أنّ مصر فعلت في الستينيات ما تفعله الآن بالضبط، عندما بنت السد العالي في أسوان. وبالنسبة إلى بلد خارج لتوه من تحت الاستعمار، كان بناء السد بمثابة إنجاز وطني وفخورة به على الصعيد الوطني؛ وهو ما تفعله إثيوبيا الآن وبالطريقة نفسها.
ومن ناحية أخرى، تريد إثيوبيا أن تبني المشروع بشكل كامل دون مساعدة دولية، وتمنح العاملين فيه راتب شهر واحد في السنة، وبالتأكيد ليسوا سعداء بذلك، كما أنّ هناك «يناصيب» لتمويل بناء السد تُطرح للبيع. والمثير في الأمر أنه انتهي من ثلثيه بعد خمس سنوات فقط بهذه الطريقة في التمويل، ولا يوجد أي شيء تفعله مصر حيال ذلك سوى اتخاذ إجراءات عسكرية من شأنها أن تكون متطرفة؛ وهذا هو السبب في أنّ الدبلوماسية والتعاون هما الوسيلتان الوحيدتان المتاحتان حاليًا أمامها.
لكن، عندما يتعلق الأمر بقضايا مثل القومية والقوة النسبية للبلدين وأهميتها فستشرع في تدمير السد. وبالرغم من ذلك، يمكن تجنب هذا المصير بالوصول إلى اتفاق بشأن السد وكيفية ملئه بما لا يؤثر على كل دولة من دول نهر النيل؛ وإذا حدث هذا سيكون مثالًا على أنّ الخلافات المعقدة بشأن المياه يمكن حلها دون حروب. لكنّ الأمر سيستغرق وقتًا وجهدًا كبيرين في محاولة التوصل إلى اتفاق بين مصر وإثيوبيا والسودان.