أكّدت الأمم المتحدة أنّ الأزمة الإنسانية في اليمن أسوأ كارثة إنسانية في العالم. وبجانب ذلك، أعمال العنف هناك، خاصة الفراغ الأمني والحكومي بعد التدخل السعودي، سمحا بتنامي الجهاديين مثل تنظيمي القاعدة والدولة داخل الدولة اليمنية. وعلى مدار العام الماضي، ادّعت أميركا والإمارات تحقيق انتصارات رئيسة في مجال مكافحة الإرهاب باليمن؛ لكنّ هذه الانتصارات تبدو غامضة.
هذا ما تراه الباحثة الأميركية بجامعة أوكسفورد «إليزالبيث كيندال» في تحليلها بصحيفة «واشنطن بوست» وترجمته «شبكة رصد»، متسائلة: ما التالي للجهاديين هناك؟
وأجرت الكاتبة أبحاثًا مفصّلة عن تأثير حملة مكافحة الإرهاب التي مكّنت تنظيم القاعدة من ترسيخ وجوده في شبه الجزيرة العربية، وكيف يمكن أن تؤثر الحرب السعودية وحركة الانفصاليين الجنوبيين في اليمن على استمررا هذه التنظيمات وعملها.
الحرب تمكن القاعدة في شبه الجزيرة العربية
زاد «تنظيم القاعدة» من وجوده في شبه الجزيرة العربية مع بدء هجوم التحالف السعودي في 2015؛ إذ استولى التنظيم على معدات عسكرية وسطا على البنك المركزي، وتمكّن من تهريب أفراد تابعين له داخل السجون. وبحلول أبريل 2015 ترسّخ في الجزء الشرقي من اليمن؛ لكنه تراجع ثانية بعد حملة أميركا ضده بمساعدة الإمارات.
لكن، يجب الأخذ في الاعتبار أنّ السكان في شرق اليمن مسلحون بشكل جيد ويصعب ترهيبهم، وفي بداية ترسيخ وجوده لم يلجأ تنظيم القاعدة إلى زرع أفراده بشكل مباشر أو اتباع سياسة التوظيف المباشر؛ بل استخدم هؤلاء المسلحين ببراعة. وعمل بجانب ذلك على تأمين الحصول على دعم من قادة المدن والزعماء القبليين، كما اكتسب تسامح السكان المحليين وتعاطفهم، ومع هبوط القنابل في الغرب اليمني والشلل الذي أصابه بسبب الحصار كانت أراضي تنظيم القاعدة بمثابة ملاذ آمن من القصف.
وعلى عكس «تنظيم الدولة»، قرّر «القاعدة» اتّباع نهج تدريجي في الحكم والسلطة في اليمن، وتقاسمتها مع السلطات المحلية هناك، وأعادت تسمية فرعها إلى «أبناء حضرموت»، وانخرطت في المشاريع الاجتماعية وخدمة السكان وتوفير خدمات الكهرباء والمياه، ولم تبالغ كتنظيم الدولة في تطبيق حدود الشريعة بشكل متشدد.
واستطاع تنظيم القاعدة تمويل أنشطته في اليمن عبر ورادات النفط والتهريب على طول الساحل الشرقي لليمن، وهو الجانب الذي يسهل اختراقه. ومن المفارقات أن «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية استفاد من الحصار البحري السعودي؛ إذ أعطاه احتكارًا فعليا للموارد، وتوليد دخل يومي يصل إلى ما يقرب المليوني دولار، كما ألزم الشركات المحلية العاملة في نطاق سيطرته على تقديم خدماته المجتمعية بجودة جيدة.
وحرص «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية على تقريب السكان المحليين من دفة الأمور؛ فبينما قُتل رجال قبائل أبرياء عن طريق الخطأ في استهداف للجيش اليمني، اعتذر «القاعدة» وعرض دفع الدية، كما أتاح اندلاع الحرب في عام 2015 للقاعدة في هذه المنطقة الفرصة لمواءمة نفسه مع الحوثيين، الذين اعتبرهم منذ مدة طويلة حلفاء كافرين تابعين لإيران، كما أعيد النظر في النزاعات السياسية القائمة على أساس ديني.
كما أدى ارتفاع عدد القتلى المدنيين بسبب غارات التحالف إلى نظر السكان المحليين لتنظيم القاعدة نظرة إيجابية، وبعد وقت قصير من إدراج الأمم المتحدة للسعودية على «القائمة السوداء» في 2016، وعد تنظيم القاعدة ألا يستهدف النساء أو الأطفال، كما استطاع استغلال الضربات الجوية الأميركية في توعية الشباب. وفي مارس 2016 أقام مسابقات بين رواد مدرسة يمنية لتصميم ملصقات مناهضة للأميركان.
تنظيم الدولة يفشل في اليمن
بينما حقق «تنظيم الدولة»، الذي أعلن توسعه في اليمن في نوفمبر 2014، نجاحًا أقل من القاعدة بكثير، ولم يتمكن من منافسة القاعدة مطلقًا؛ بل على العكس ساهم ارتفاع مؤشر تنظيم الدولة على الساحة العالمية في إضافة ميزة على وجود تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
كما أعاد تنظيم الدولة توجيه الاهتمام الدولي بعيدًا عن القاعدة، كما أن وحشية التنظيم جعلت وحشية القاعدة تبدو معقولة، وفي أحيان كان تنظيم القاعدة ينتقد هجمات تنظيم الدولة في اليمن وفي المناطق الأخرى في سوريا والعراق، خاصة العشوائية منها؛ مثل التفجير المزدوج الذي وقع في أثناء صلاة الجمعة في صنعاء عام 2015، وقتل ما يقرب من 500 شخص، وتعهد القاعدة حينها «ألا يستهدف المساجد والأسواق والأماكن المزدحمة».
وبالتالي؛ فشل تنظيم الدولة في اليمن فشلًا ذريعًا، وأنتج سردًا ثقافيًا محدودًا ولم يشارك في المشاريع التنموية.
ما التالي؟
بالرغم مما سبق، لا تسير الأمور على ما يرام للجماعات المسلحة في جنوب اليمن؛ بل انقلبت رأسًا على عقب، ودبّت خلافات بين السعودية والإمارات بشأن الحركة الانفاصلية الجنوبية، ويفضّل متعاونون قبليون سابقون القتال مع المليشيات التي تدعمها الإمارات مقابل أجر. وحذّرت بيانات «القاعدة» وخطبها رجال القبائل المحليين من أنهم سيُستهدفون إذا انخرطوا في المليشيات الجديدة، كما عاد «القاعدة» إلى تركيز أهدافه من الحوثيين إلى القوات التي تدعمها الإمارات.
وبدأت الخلافات تدبّ بين أعضاء القاعدة في شبه الجزيرة العربية بسبب خلافات للفساد وأسلوب القيادة. ووفقًا للمقابلات التي أجرتها «إليزابيث» في 2017، يتشابك تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ومسؤولون حكوميون إقليميون بشكل وثيق مع شبكات الجريمة المنظمة في الشرق اليمني، مستفيدين من تجارة التهريب التي يغذيها اقتصاد الحرب.
كما إنّ تنظيم الدولة معرض للاندماج مرة أخرى مع تنظيم القاعدة، خاصة بعد الضربات القوية التي يتلقاها هناك؛ مثل تلك عندما قصفت الولايات المتحدة معسكراته التدريبية في أكتوبر 2017، وفي نوفمبر الماضي احتفل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية بانشقاق «إخوة» عن تنظيم الدولة في اليمن.
ومع ذلك، الحملة التي تقودها الإمارات تحمل مخاطر جسيمة، ويشكك يمنيون في أن مشاركة الإمارات لها دوافع تجارية.