قالت صحيفة «ميدل إيست آي» إنّ سكان الغوطة الشرقية يواجهون الموت بضراوة منذ بدء قصف القوات الروسية والسورية للمنطقة التي يسيطر عليها المعارضون؛ كاشفة في تقرير لها أنّ هناك طريقين فقط أمام السكان حاليًا: إما الموت نتيجة القصف المباشر في الشوارع والمباني المدنية، أو الموت جوعًا وعطشًا وبالتلوث داخل الأقبية والملاجئ تحت الأرض؛ وفي أحيان الموت داخل الملاجئ بالاستهداف المباشر.
وأضافت، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّها تحدّثت مع سكان بالغوطة الشرقية داخل هذه الملاجئ، والوضع داخلها وخارجها بـ«المزري»؛ فالأمهات يعملن على التهدئة من روع أبنائهن أثناء تجمعهن مع باقي سكان الحي حول حفرة عميقة مظلمة في شارع بالغوطة الشرقية وهن يستعددن للنزول فيها والاحتماء من القصف المستمر، بعيدًا عن منازلهن بأمتار قليلة فقط.
قصف مستمر
البقاء على قيد الحياة داخل ضواحي الغوطة يعني البقاء في أعمق مكان ممكن، سواء كان قبوًا أو مجاري أو حفرة أنشئت أثناء سنوات الحصار، والبقاء هناك لعدد لا نهائي من الساعات. وأيًا كانت الظروف التي يواجهونها تحت الأرض، سواء كانت ضيقة أو أنها حفرة صرف صحي أو انعدام المياه أو الهواء النقي؛ فهذه الحفرة في كل الأحوال أفضل من الجحيم فوق سطح الأرض.
ويقول السكان الذين تحدثت إليهم «ميدل إيست آي» إنّه لا حياة خارج ملاجئهم؛ فالموت أقرب إليهم من أي شيء، خاصة إذا تجرّأ أحدهم على الدخول وسط الشوارع التي ما زالت تشهد قصفًا مستمرًا منذ أيام، وأسفرت عن مقتل 400 حتى الآن؛ بالرغم من إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي بضرورة وقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا.
ويعد «عدنان عبدالرازق»، مهندس وزوجته حامل ولديهما طفل، واحدًا من عائلات عديدة في مدينة دوما أمضوا معظم الوقت تحت الأرض منذ بدء القصف يوم الأحد الماضي، ويقول لـ«ميدل إيست آي» أثناء ساعة هدوء من القصف: الأطفال لا يفعلون شيئًا في الملاجئ سوى الصراخ، لا احد يمكن أن ينام بسبب القصف المستمر؛ وعديد من الآباء لا ينامون إلا بضع ساعات فقط، ويبقون باقي اليوم مستيقظين ليتأكدوا من بقاء عائلاتهم على قيد الحياة آمنين.
وأكّد عدنان أنه لا توجد حياة خارج الملاجئ التي يعيشون فيها حاليًا؛ فمعظم المباني قُصفت وتدمرت؛ وعشرات العائلات يختبئون معًا، كما إنّ هذه الملاجئ لم تكن مصممة جيدًا للاختباء؛ لكنها الورقة التي تفرّق بين الحياة والموت لنا.
وأضاف: لا نحصل إلا على قدر ضئيل من المياه والغذاء، والباقي صرف صحي، و«نبقى على قيد الحياة باستخدام المولدات الكهربائية لسحب المياه من الأرض؛ لكن لا يمكن أن يكون هذا حلًا دائمًا، فلا زال هناك نقص في الوقود داخل الغوطة الشرقية».
في هذه الأثناء، كان «نور وهيب» داخل نفق تحت الأرض مع عائلته بمدنية دوما، وقال لـ«ميدل إيست آي»: جلبنا معنا مفارش وبطانيات لنبقى دافئين تحت الأرض، وثمة أسر لا تمتلك طعامًا، وتعتمد فقط على الحساء للبقاء على قيد الحياة أطول مدة ممكنة، وبعضهم يغليه بالفاصوليا؛ بينما تواصل الأمهات التضحية بواجباتها للتأكد من أنّ أطفالهن لا يعانين من الجوع.
وقالت «نرمين حامد»، أيضًا من دوما، إنّ الظروف المعيشية أصبحت مستحيلة، ويعاني الجميع من نقص في المياه؛ ما يعني أنّ كثيرين هناك لم يستحمّوا منذ أسابيع؛ في محاولة للحفاظ على الإمدادات من المياه في مخابئ تحت الأرض.
وأضافت لـ«ميدل إيست آي» أنّ المولدات التي بحوزتهم لا تعمل بشكل جيد، وتُستخدم لسحب المياه من داخل الآبار تحت الأرض. كما أنّ المياه التي يستخرجونها بواسطة المولدات لا تكفي الاحتياجات، ومنذ أن بدأ الحصار يعد الاستحمام رفاهية لا يملكها أحد.
الملاجئ والأنفاق مقلقة
يواجه السكان المدنيون في الغوطة الشرقية مشكلة أخرى غير نقص الإمدادات من الطعام والمياه؛ فالأنفاق والأقبية والملاجئ تحت الأرض ليست آمنة كليًا، فهي معرضة للانهيار إذا ما استهدفت بشكل مباشر. والأسبوع الماضي، قال أطباء داخل الغوطة الشرقية إنّ طائرات الحكومة السورية استهدفت الملاجئ وقتلت العشرات دفعة واحدة.
وقال الدكتور «عطية مالك»: إذا هاجمتْ قوات النظام ملجأ هنا ستصبح كارثة؛ فقصف ملجأ يعني مقتل بين 15 شخصًا و20 دفعة واحدة.
بنما أعربت وكالات تابعة للأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية عن قلقها من تدهور الوضع الإنساني داخل الغوطة الشرقية، وأصدرت منظمة «اليونيسيف» بيانًا فارغًا لا يضمن محتوى يوم الثلاثاء الماضي، حاولت فيه بشكل يائس توجيه الأنظار والانتباه تجاه الوضع الإنساني المؤسف في الغوطة الشرقية.
وأكدت «جولييت توما»، المتحدثة الإقليمية باسم اليونيسيف، أنّ البيان كان فارغًا؛ في محاولة أخيرة لمساعدة الأطفال السوريين، مضيفة: «وضعنا البيان خاليًا من أيّ كتابات؛ للتعبير عن قلقنا وشعورنا بأنّ أقوالنا وتصريحاتنا لن تحقق العدالة للشهداء».