ثمّة خلافات بشأن إدارة الأوضاع في سوريا وأفغانستان، والتحالف الروسي الإيراني هشّ وقائم على المصالح لا أكثر، وأيّ خلاف بسيط من الممكن أن يقضي عليه؛ ما يمكّن الولايات المتحدة من العمل للقضاء على الشراكة بين البلدين واستعادة نفوذها الضائع، لكنها في حاجة إلى سياسيين أذكياء أولًا؛ لإدارة المواضيع الخلافية في الشرق الأوسط بحرفية.
هذا ما يراه الخبير في العلاقات الدولية «صموئيل راماني» في تحليله بصحيفة «ذا ديبلومات» الأميركية وترجمته «شبكة رصد». ويضيف أنّ وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف اجتمع مع نظيره الروسي سيرجي لافروف في موسكو يوم 10 يناير الماضي لبحث سبل إيقاف الحرب الأهلية السورية وتهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتعليق الاتفاق النووى الإيراني، وعقب اجتماعهما أشاد ظريف بدعم روسيا الحازم لتنفيذ الاتفاق النووي الإيراني، مجددًا رغبة البلدين في الحفاظ على السلامة الإقليمية لسوريا.
وبالرغم من أنّ اجتماع ظريف مع لافروف يهدف إلى إبراز قوة التحالف «الروسي الإيراني» أمام المجتمع الدولي، فالاستدامة الطويلة الأمد لهذه العلاقة لا تزال غامضة، خاصة في حالة الشك المحيطة بالشراكة بين البلدين؛ وهو ما يمكن تفسيره من الرؤى الاستراتيجية المتضاربة في رؤيتهما لمشاكل الشرق الأوسط.
وتركّز الرؤية الاستراتيجية الروسية بشكل رئيس على القضاء على مصادر الاضطراب ومنع التدخلات العسكرية بقيادة الولايات المتحدة. وبررت الحكومة الروسية تدخلها العسكري في سوريا في سبتمبر 2015 بأنه تدبير ضروري لاستعادة الاستقرار في البلد، وردع واشنطن عن استخدام القوة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، كما ترى أنّ حملتها في سوريا خطوة متكاملة نحو تحقيق هدفها الأكبر، المتمثل في جعل نفسها ضامنة لا غنى عنها للأمن الجماعي في الشرق الأوسط.
وبالرغم من أنّ صناع السياسة الإيرانيين كثيرًا ما يصفون دور طهران بأنه حافظ للاستقرار في الشرق الأوسط؛ فتعزيز الأمن الجماعي ليس من أهدافها؛ إذ يركّز صناع القرار الإيرانيون بشكل أساسي على توسيع نطاق نفوذ طهران واحتواء قدرة السعودية في استخدام سلطتها في جميع أنحاء العالم العربي، ودفعت الأهداف التوسعية إيران إلى التعاون على نحو واسع مع الأطراف المتحاربة غير الحكومية والانخراط في أنشطة عسكرية تقوض فعالية مبادرات التسوية السياسية المدعومة من موسكو.
وتهدّد هذه الأهداف المتباينة بتفكيك التعاون الروسي الإيراني في سوريا؛ إذ ينتقل الصراع من مرحلة عسكرية إلى مرحلة دبلوماسية. وعلى الرغم من أنّ المسؤولين العسكريين الروس أثنوا على فعالية «حزب الله» أثناء الأنشطة العسكرية الموالية لبشار؛ فاستخدام إيران للأراضي السورية لإنشاء نقطة عبور دائمة لتوريد الأسلحة لـ«حزب الله» أثار قلق واضعي السياسات الروس، الذين يسعون إلى الحفاظ على علاقات قوية مع «إسرائيل».
كما أن عدم رغبة إيران في وقف الأنشطة العسكرية في سوريا حتى هزيمة الأسد يتعارض أيضًا مع هدف روسيا الأكثر محدودية والساعي إلى ضمان سيطرة بشار على قدر كاف من الأراضي؛ لمساعدته في التفاوض مع فصائل المعارضة، كما أنّ إيمان إيران بإمكانية التوصل إلى حل عسكري في سوريا جعلها أقل استعدادا من روسيا للانخراط الدبلوماسي مع المعارضة السورية أو الفصائل الكردية أثناء المفاوضات الدبلوماسية؛ وهو ما يحد من توسيع نطاق الشراكة بين «موسكو وطهران».
ويعتري الغموض آفاق التعاون البنّاء بين روسيا وإيران لحلّ الصراعات الإقليمية الأخرى، مثل اليمن وأفغانستان؛ ففي اليمن تدهورت العلاقات المتوترة بين روسيا والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران منذ اغتيال الرئيس السابق علي عبدالله صالح في 5 ديسمبر، ودفعت هذه التوترات موسكو إلى فتح خطوط اتصال أقوى مع السعودية والإمارات لحل الأزمة.
وفي أفغانستان أيضا هناك اختلاف مماثل في الأهداف يساهم في تقييد إمكانية التعاون الروسي الإيراني؛ إذ تسعى روسيا إلى تنفيذ تسوية سياسية أفغانية تضم طالبان بأسرع، في الوقت الذى تريد فيه إيران التوصل إلى تسوية سلمية على المدى الطويل؛ ولذا فهي لا ترغب في وقف الأعمال العسكرية حتى انتهاء الحرب ضد الولايات المتحدة، كما اكتسبت قواتها مكانة في غرب أفغانستان، مع استمرارها في تقديم مساعدات عسكرية لقوات طالبان بالقرب من حدودها؛ وهو ما يقلق صُنّاع السياسة الروس؛ فبذلك تعيق طهران السلام الأفغاني على حساب مصالحها الخاصة.
وبالرغم من أنّ المصالح المتباينة تجعل الشراكة الروسية الإيرانية أضعف مما يفترضه محللون، فاختيارات السياسة الأميركية تؤثّر أيضًا تأثيرًا عميقًا على قوة تحالفهما؛ إذ قال السفير الأميركي السابق لدى روسيا «مايكل ماكفول»، في مقابلة أجريت معه في أغسطس 2017، إنّ إعادة فرض عقوبات أميركية صارمة ضد إيران والتخلي عن الاتفاق النووي يمكن أن يدفعا طهران إلى التحرك بقوة تجاه موسكو؛ وإذا قرّرت الولايات المتحدة الانتقام العسکري من بشار الأسد لاستخدامه الأسلحة الکيميائية، فمن المرجح أن تُعزّز الشراكة بين طهران وموسكو في سوريا.
وبالرغم من غياب تحسّن ملحوظ في علاقات بين واشنطن وروسيا وإيران على المدى القريب، فصنّاع السياسة في الولايات المتحدة يمكنهم التأثير على مسار العلاقة الروسية الإيرانية؛ فاللاستفادة من الخلافات بين روسيا واستراتيجيات إيران في أفغانستان تمكّن للدبلوماسيين الأميركيين إعادة إقامة حوار دبلوماسي مع طالبان؛ ما يوفّر أساسًا حقيقيًا للتعاون بين الولايات المتحدة وروسيا في أفغانستان، ويعزل الاختيار الإيراني بالحفاظ على الحل العسكري هناك، ويبعدها عن التوافق الدولي.
ويمكن لصناع السياسة في الولايات المتحدة أيضًا أن يعززوا من الحوار بين المشاركين في «جنيف وأستانا» بخصوص سوريا؛ ما من شأن إضعاف الشراكة بين موسكو وطهران، فلا يزال صناع السياسة الإيرانيون يشعرون بالقلق إزاء ارتفاع حدة العلاقات الروسية؛ وبالتالي سيجعل هذا التعاون روسيا تنأى بنفسها عن طهران، كما فعلت في السنوات الأولى لإدارة أوباما.
وبالرغم من أنّ التحالف الروسي الإيراني يبدو قويًا، فالرؤى الاستراتيجية المتباينة بين البلدين يمكن أن تجعل الشراكة غير مستدامة على المدى الطويل، ولإضعاف المواءمة بين روسيا وإيران، يجب على المسؤولين الأميركيين الامتناع عن تنفيذ أنشطة انتقامية مفرطة ضد موسكو وطهران، وإذا ما طبّق صناع السياسة في الولايات المتحدة هذه الاستراتيجية فالشراكة بين موسكو وطهران ستضعف بشكل كبير بمجرد أن تنتهي الأنشطة العسكرية في سوريا؛ ما قد يعزز نفوذ واشنطن في الشرق الأوسط لسنوات قادمة.