قال المحلل السياسي الإيراني «ماهان عابدين» إنّ طهران تدعم ضمنيًا الهجوم التركية في منطقة عفرين، الموجود فيها الأكراد السوريون، وبالرغم من إدانتها لها؛ فنتائجها تأتي في صالحها، خاصة إذا تدخلت القوات الأميركية ونشب صراع عسكري مع أنقرة، كما إنّها تعزز بشكل غير مباشر من موقف دمشق في المفاوضات المستقبلية مع الأكراد السوريين.
وأضاف، في مقاله بصحيفة «ميدل إيست آي» وترجمته «شبكة رصد»، أنّ الرئيس السوري بشار الأسد أدان الهجوم العسكري التركية في عفرين، وقال إنه جزء من خطة تركيا في مساعدة الجماعات المتطرفة، وتخشى دمشق من هذه التصريحات أن تستخدم تركيا المخاوف الأمنية لتغطية نفوذها المتزايد في سوريا وتعزّز مكانتها الجغرافية والسياسية والإقليمية.
كما إنّ سوريا لديها مخاوف أعمق بشأن تأثير الهجوم التركي على مجموعة معقدة من علاقات القوة والصراع، لا سيما تأثيرها على المواقف الروسية والأميركية والإيرانية. وتحقيقًا لهذه الغاية؛ تشعر دمشق بالجزع إزاء موقف روسيا الواضح، الذي سمح لتركيا بقيادة الهجوم العسكري؛ وهو ما تراه سوريا «إيواء مفرطًا من روسيا للمطالب التركية، لا سيما الترسيخ شبه الدائم للمتمردين السوريين الموالين لتركيا في شمال غرب سوريا».
ولا تحظى شرعية هذه الفصائل بتأييد جماهيري كبير، كما إنّها تضرّ بخطط دمشق لاستعادة سيطرتها الكاملة على أراضيها. لكنّ الجانب الإيراني انشغل عن هذه الأمور وركّز فقط على النزاعات داخل كردستان، وأصيب موقفها بـ«سوء تقدير في النشاط الجيوسياسي المعقد». وبالرغم من أنّ موقفها صعب تحليله؛ عبّرت إيران عن قلقها رسميًا تجاه الهجوم التركي في عفرين. لكن، يمكن تسمية الموقف الإيراني بأنه «حذر تجاه استراتيجية تركيا الجديدة».
كما تشاطر إيران تركيا مخاوفها الأمنية إزاء تمكين القوات الموالية لحزب العمال الكردستاني في سوريا، وبالرغم من أنها عبّرت عن قلقها إزاء ما تفعله أنقرة؛ فإنها على استعداد لاستيعاب مخاوفها الأمنية المشروعة. إضافة إلى ذلك، إذا اندلع صراع عسكري بين تركيا وأميركا فهو ما ترغب فيه طهران بشدة.
موقف إيران الغامض
يرجع صعود حزب العمال الكردستاني في سوريا جزئيًا إلى قرار واعٍ من الحكومة السورية بالانسحاب من المناطق التي يسكنها الأكراد في البلاد عام 2012، وكان هذا القرار متأثرًا بآراء الاستشاريين السياسيين الإيرانيين للحكومة السورية الذين قدموا دعمًا سياسيًا وعسكريًا واستراتيجيًا لها.
وكان القرار السوري مبنيًا على منطق بسيط؛ فبدلًا من إهدار الموارد في المناطق التي يسكنها الأكراد سيركز الجيش العربي السوري وقوات الأمن السورية ضد الفصائل المتمردة المختلفة.
وتفاعلت وحدات حماية الشعب مع الدولة السورية منذ قرابة عقد من الزمان قبل بداية الانتفاضة السورية في 2011، ودعمتهم دمشق أيديولوجيا، وقبل اعتقاله في نيروبي في فبراير 1999، كان مقر زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان في سوريا منذ 15 عامًا؛ لكنّ سوريا اضطرت لسحب الدعم جزئيًا من حزب العمال الكردستاني بعد تهديدات موثوقة للعمل العسكري من قبل الأتراك.
وفي الوقت الذي تجنّبت فيه القوات السورية وحزب الشعب الشعبي بشكل عام الاشتباكات المباشرة، تحالف الأكراد مع الوجود العسكري الأميركي المتزايد في سوريا؛ وهذا مصدر قلق عميق لدمشق، كما تدرك سوريا تمامًا اتجاه تركيا إلى الخلط بين شواغلها الأمنية الوطنية المشروعة وبين الطموحات الجيوسياسية الإقليمية. وفيما يتعلق بهجوم «غصن الزيتون»، من الصعب التخفيف من خطر وجود عسكري تركي طويل الأمد وما يترتب على ذلك من تجنيد الفصيل الموالي لتركيا من الجيش السوري الحر.
كما يتشارك معها في هذه الناحية طهران، المتشككة في نوايا تركيا، وتساءل محللون إيرانيون بصوت عال إذا ما كانت إيران أحد الخاسرين من التوغل التركي الأخير؛ معتمدين في ذلك على ما فعله مسعود بارزاني، الذي حاول الاستقلال بكركوك عن الحكومة المركزية في بغداد بالعراق.
من ناحية أخرى، الهجوم العسكري التركي مفيد لسوريا في تعزيز موقف دمشق بشكل غير مباشر في المفاوضات المستقبلية مع الأكراد السوريين. ووفقًا لهذا السيناريو، من الممكن أن يتخلى الأكراد عن بعض أراضيهم لصالح دمشق؛ لتجنب حرب خاسرة مع تركيا.
استراتيجية مشتركة
وأصّل وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون لوجود عسكري أميركي طويل الأمد في سوريا لمكافحة النفوذ الإيراني، ومن المقرر أن تسعى طهران في ضوء هذه الاستراتيجية إلى تأمين نتائج تشغيلية واستراتيجية تتعارض مع الخطط الأميركية المعادية؛ فدمج تركيا في عمق المحور الإيراني الروسي يمكن أن يكون استراتيجية فائزة لطهران في النهاية.
وفي ضوء هذا الواقع، فالطريقة الأكثر فعالية لسد الفجوة بين أنقرة ودمشق هي البدء في حوار بشأن استراتيجية مشتركة تهدف إلى احتواء إضراب وحدات حماية الشعب حزب الاتحاد الديمقراطي في شمال سوريا وشرقها وهزيمتها في نهاية المطاف.
في الأسابيع والأشهر المقبلة، سيكون العامل الحاسم درجة المقاومة الأميركية لهدف أنقرة المعلن، المتمثل في الإطاحة بالأكراد من عفرين ومنبج القريبة. لكن، في نهاية المطاف، وبالإهمال بوجود عسكري طويل الأمد في سوريا، قد تكون الولايات المتحدة عاجزة عن تخريب الحوار التركي السوري بشأن حلّ مشكلة الإدارة الذاتية الكردية في شمال سوريا.