قال «ديكلان والش»، مدير مكتب صحيفة «نيويورك تايمز» بالقاهرة، إنّ ما يرتكبه عبدالفتاح السيسي من انتهاكات في مصر يرجع في الأصل إلى تجاهل الإدارة الأميركية، وتراجع الخطاب الأميركي فيما يتعلق بحقوق الإنسان وقيم الديمقراطية إلى حد كبير؛ بالرغم من أنه كان خطابًا انتقائيًا طيلة السنوات الماضية، وهذه الحقيقة أصبحت واضحة للعيان في عهد ترامب.
وأضاف، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ عبدالفتاح السيسي لم يترك أمر توليه ولاية ثانية في رئاسة مصر للصدفة، وسارع إلى تهميش المرشحين المحتملين، سواء بالسجن أو تهديدهم؛ بمساعدة الوسائل الإعلامية المصرية التي تمكّن من السيطرة عليها.
وبذلك؛ سيضطر المصريون إلى الاختيار بين السيسي ومرشح آخر غامض لا يعرف عنه أحد شيئًا؛ فقط لتفادي إحراج الحكومة المصرية من إقامة سباق انتخابي فيه متسابق واحد فقط: عبدالفتاح السيسي.
والسيسي غير متخوف من اللوم الأجنبي، خاصة بعد أن أشاد به ترامب ووصفه بأنه «الصديق الرائع»، بينما صمت باقي القادة الغربيون عما يفعله السيسي؛ وممارسته هذه منتشرة بين القادة الأوتوقراطيين في جميع أنحاء العالم، ويضاف إليها تزوير الأصوات واضطهاد المعارضين وخنق وسائل الإعلام.
ويرجع سبب صمت الدول الأوروبية إلى المشاكل والقضايا المتورطة فيها، مثل قضايا اللاجئين والهجرة والتمييز الاقتصادي؛ وهو ما أكّد لقادة مثل عبدالفتاح السيسي أنه لن يتعرض لتوبيخ بسبب تصرفاته.
وهناك مثال آخر: رئيس الوزراء الكمبودي «هون سن»، الذي حكم البلاد 33 عامًا، وقاد حملة واسعة النطاق ضد المعارضين الذين اتهموه بتزوير الانتخابات في الصيف الماضي، وعبّر ترامب عن رأيه فيه بالإشارة إلى إصبع إبهامه، في دلالة على أنه رئيس جيد؛ وهو ما مثّل الضوء الأخضر لارتكاب انتهاكات حقوقية أكثر.
وفي هندوراس، افتتح الرئيس «خوان أورلاندو» ولايته الثانية وسط اتهامات من المعارضين بتزوير نتائج الانتخابات، بالرغم من دعوات دولية لمنظمة الدول الأميركية بإجراء انتخابات جديدة، ومثله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي منع منافسه الرئيس والمقرر خوض الانتخابات ضده مارس المقبل.
وبالرغم من حديث أميركا لعقود عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، فإنها أعطت الأولوية للأمن الداخلي الأميركي، الذي بدأ تقريبًا من بعد هجمات 11 سبتمبر.
ولم تكتف الإدارة الأميركية بذلك، بل سارع ترامب بعد توليه الرئاسة إلى احتضان الديكتاتوريين من أمثال السيسي والرئيس الفلبيني وغيرهم. ويقول «ستيوارت باتريك»، الباحث في مجلس العلاقات الخارجية، إنّ خطوات ترامب تجاه الرؤساء الاستبداديين مثل السيسي وبوتين وغيرهم لم تشجع سوى انتهاكات قيم حقوق الإنسان.
أيضًا، المسؤولون في إدارة ترامب يدعمون هذا الاتجاه؛ فوزير الخارجية الأميركي «ريكس تيرلسون» أكّد أنّ سياسة بلده تدعم حقوق الإنسان في الخارج، لكنها «تخلق عقبات في سبيل النهوض بالمصالح الأمنية والاقتصادية لأميركا».
وأكد كذلك أنّ ترامب يستخدمها من ناحية أخرى لمواجهة دول معادية لأميركا، كإيران على سبيل المثال وكوريا الشمالية وفنزويلا؛ وبذلك يتخلى ترامب -بحسب المحللين- عن نفوذ أميركا القوي على هذه البلدان وغيرها. ويقول «توم مالينوفسكي»، مساعد وزير الخارجية لشؤون حقوق الإنسان في إدارة أوباما، إنّ الحكومات السيئة تتصرف بشكل سيئ؛ لكنهم كانوا من قبل يأخذون في حسبانهم رد الفعل الأميركي، وهو ما لم يعد موجودًا الآن.
وبالنظر إلى الخطاب الأميركي بشأن حقوق الإنسان على مدار المدد الماضية وجد أنه انتقائي، لكنّ هذه الحقيقة أصبحت واضحة للعيان في عهد ترامب؛ فأثناء الحرب الباردة تحالفت الولايات المتحدة مع «موبوتو سيسي سيكو» في جمهورية الكونغو الديمقراطية، كما عبّر أوباما عن قلقه من سجل حقوق الإنسان في مصر، لكنه استمر في إعطاء السيسي مليار دولار سنويًا.
وقالت «هبة مرايف»، من منظمة العفو الدولية، إنّ هامش الحريات في دولة كمصر تقلّص إلى حدٍ كبير؛ بسبب تجاهل الإدارة الأميركية. وفي رد فعل صامت على ما حدث للمرشحين المحتملين، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية إنّ مسؤولي بلدها يراقبون الوضع عن كثب، وأوضحت العضو بالمنظمة أنها أطلقت هذا التصريح فقط دون اتخاذ أيّ إجراءات لمنع هذا.