بعد سبع سنوات على ثورة يناير التي أطاحت بالديكتاتور حسني مبارك، والتي مهدت لثورات أخرى في المنطقة العربية، ظلت تطلعات مصر تتضاءل إلى أن وصلت إلى انتخابات «الرجل الأوحد» في مارس المقبل، كما وصفت عدد من الصحف الأجنبية، والمرشح الوحيد الفعلي فيها هو عبدالفتاح السيسي حتى لو ترشح أمامه آخرون، فإن ترشحهم من أجل الحفاظ على الشكل الإجرائي للانتخابات فقط، والجميع يعلم النتيجة مسبقا.
ووفق ما ترجمت شبكة رصد، أكدت صحيفة «لوس أنجلوس تايمز»، في مقال للكاتبة «لورا كينج» التي رأست مكتب الصحيفة في القاهرة، إنه رغم ذلك فإن الأمر محرج لمؤيديه، فحتى لو فاز السيسي بشكل شبه جماعي، فإنهم يعرفون جيدا أن العملية بعيدة كل البعد عن شكل الديمقراطية المتعارف عليه.
وسلطت الكاتبة الضوء على القمع الذي تعرض له منافسي السيسي بدءا مما حدث مع العميد أحمد قنصوة والفريق أحمد شفيق ورئيس الأركان السابق سامي عنان حتى انسحاب خالد علي المحامي الحقوقي، الذي وصف العملية بالمهزلة السياسية، بجانب انسحاب ابن شقيق الرئيس الراحل محمد أنور السادات.
وأرجعت الصحفية، ما يحدث إلى ما أسمته «تجزأة المعارضة» وعدم اتفاقها على رأي واحد، فالعديد من الأطراف المعارضة ترفض وصف النتيجة المؤكدة بفوز السيسي بأنها غير صادقة أو نزيهة، ليس إلا محمد أنور السادات وخالد علي واثنين من مساعدي عنان، لكنها عادت وقدمت أعذارا لهم بسبب حملات القمع المُشار إليها، حيث يوجد خلف السجون حاليا أكثر من 60 ألف سجين سياسي، مضيفة أن المرشيحن ليسوا وحدهم من يواجهون حملات قمع وخوف، بل مؤيديهم أيضا.
وتعرض المستشار هشام جنينة، أحد أفراد حملة سامي عنان، إلى اعتداء من قبل مجهولين، يُرجح بقوة أنهم تابعين للنظام، وأصيب بكدمات وجروح وكسور، وتدعي الحكومة أن ما حدث بسبب حادث مروري ليس إلا.
وأوضحت أيضا، أن النظام منزعج للغاية من الانتقادات التي تشوب العملية الانتخابية برمتها، وهو ما يفسر ما تعرض له مؤيدي المرشحين والمرشحين أنفسهم، مسلطة الضوء أيضا على الانتقادات التي أصدرها السيناتور «جون ماكين» الأسبوع الماضي لأوضاع حقوق الإنسان في مصر، مضيفا أن مصر تراجعت في السنوات الأخيرة، بشكل خطير إلى الوراء، فيما اعتبرت وزارة الخارجية أن بيان ماكين، اتهامات لا أساس لها من الصحة.
وسلطت الكاتبة أيضا، الضوء على الطريقة التي استولى بها السيسي على السلطة بعد إطاحته بالرئيس السابق محمد مرسي، وهو أول مرشح يفوز في انتخابات نزيهة وديمقراطية في مصر.
وتوقعت «لورا» أن يوفر النظام «مرشح صوري» لخوض الانتخابات أمام السيسي في اللحظات الخيرة، مضيفة أن تقارير تحدثت الأسبوع الماضي عن أن السيد البدوي رئيس حزب الوفد سيترشح أمامه، إلا أن حزبه رفض ذلك.
وهو ما حدث بالفعل، حيث تقدم رئيس حزب الغد «مصطفى موسى مصطفى»، اليوم وقبل إغلاق باب الترشح بلحظات، ترشحه للانتخابات الرئاسية، خلفا للسيد البدوي، وهو ما يشير إلى إصرار النظام بالفعل على جعلها عملية صورية ليس إلا.
خدعة الانتخابات
من جانبها، وصفت صحيفة «بيزنس إنسايدر»، الانتخابات المصرية المقبلة بـ«الخدعة»، مؤكدة أنها لن تكون حرة أو عادلة، مدللة على ذلك باعتقال سامي عنان، ومضيفة أيضا أن التصويت المقبل والذي سيفوز فيه الرئيس الحالي، لن يدل بأي حال من الأحوال على شعبية السيسي.
وأكدت الصحيفة أيضا، أن الحملة الانتخابية المقبلة، هي امتداد لصراع داخلي على السلطة، بين الجيش والأجهزة الأمنية للنظام، ولا علاقة لها بآليات الديمقراطية، مشيرة في ذلك إلى ترشح سامي عنان، والذي حذر فيه أجهزة الدولة صراحة بعدم الانحياز إلى مرشح بعينه، على حساب آخرين.
وردا عليه، وصفه السيسي في أحد مؤتمراته بالفاسد الذي يريد الوصول إلى السلطة، ثم اعتقل عنان إثر ذلك، ووجهت له اتهامات بالتحريض ضد الجيش وإحداث الوقيعة بين القوات المسلحة والشعب المصري، وهو ما يؤكد بحسب الصحيفة أن هناك صراعا دائرا بين رجال الأجهزة الداخلية.
وأشارت إلى أن السنوات الأربع التي حكم فيها السيسي مصر، شهدت حملات اعتقال غير مسبوق وحملات تصفية خارج نطاق القانون بجانب الأحكام الجماعية بالإعدام فيما يتوق المصريون إلى بديل بسبب ذلك وبسبب ارتفاع الأسعار بطريقة فاقت قدراتهم.
صراعات أجهزة الدولة
ورغم أن رجال الجيش يتمتعون بوضع مميز للغاية، وحصنين من المساءلة العامة والبرلمانية منذ انقلاب 1952، إلا أن خطاب عنان كان متماسكا واكثر إقناعا من خطابات السيسي، رغم المصير المؤلم الذي لاقاه.
وأخذت في سرد المؤشرات على ما أكدته من انقسام بين رجال الجيش والمخابرات، مؤكدة أن الطريقة المفاجئة التي ترشح بها سامي عنان، تشير إلى انقسامات بين الجيش والمخابرات الحربية والمخابرات العامة، ومن الدلائل أيضا الإطاحة بمدير المخابرات المصرية اللواء خالد فوزي، قبل أيام من ترشح عنان.
وكان السيسي مديرا للمخابرات الحربية منذ فترة طويلة، قبل ان يصبح وزيرا للدفاع ثم رئيسا للجهورية، وتعهد العديد من المراقبين بأن هناك صراعا على السلطة بين الموالين والمعارضين للسيسي في المخابرات الحربية والمخابرات العامة، بيد أنه يبدو أن السيسي تمكن من الانتصار بالموالين له، ويذكر أن لديه ابنان يشغل منصبا في جهاز المخابرات العامة.
وأوضحت الصحيفة أنه من الصعب معرفة تفاصيل الصراعات بالضبط بين الأجهزة الأمنية والعسكرية، نظرا لانعدام الشفافية في مصر بشكل عام، إلا أنه رغم ذلك فإن سلسلة الأحداث الأخيرة لا يمكن تجاهلها، لكن من المؤكد أنه حصل على بعض التأييد من داخل دوائر السلطة، قبل إعلانه الترشح بشكل رسمي.
إلا أنه في كل الأحوال لا تعكس عملية خوضه الانتخابات أية منافسة ديمقراطية، ويبدو أن المؤسسة العسكرية تصر دائما على الدفع بأي مرشح من خلالها لتجنب مواجهة انتخابات ديمقراطية.
وحاول مجموعة قليلة من النشطاء التمسك بديمقراطية الانتخابات، إلا أنهم فشلوا، مشيرة إلى حملة خالد علي، والتي كانت ترمي إلى استخدام الانتخابات لفتح المجال السياسي المعطل، وخلق مساحة للشباب، إلا أن اعتقال عنان دفع المرشح للانسحاب من السباق الانتخابي، وكانت حملته واجهت بالفعل بعض العراقيل والتحديات خلال جمع التوكيلات، غير أن شعبيته محدودة أيضا، وكان حصل على أقل من 1% في الانتخابات التي أجريت في 2012.
غير أن شعبيته ارتفعت نوعا ما بعد الدعوى القضائية التي كسبها ببطلان اتفاقية تيران وصنافير.
في النهاية فإن اعتقال سامي عنان يؤكد أنه لا يوجد أي أمل في أي ديمقراطية، دون تفكيك النظام الحالي وإدخال إصلاحات جذرية على الأجهزة الأمنية والحربية، وفتح مجال الرقابة العامة على المؤسسات وطرح الخطط للمناقشة، مضيفة أن الجميع يدرك الآن بشكل واضح، أن «الأجهزة العسكرية نقيض للديمقراطية.