أثناء تواجدهما في شقتيهما بطهران، اقتحم عناصر من جهاز المخابرات الإيرانية، شقة مراسل صحيفة «واشنطن بوست» وزوجته، طالبين منهم تفتيش محتويات المنزل، وأجبروهم على تسليم كلمات المرور الخاصة بحساباتهم على البريد الإليكتروني ومواقع التواصل الاجتماعية، وفقا لما نشرته شبكة «إيه بي سي» الأميركية.
وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، يكشف ذلك الاقتحام التهديد الذي تراه الحكومة الثيوقراطية الإيرانية في الإنترنت، وهي التي سعت منذ وقت طويل إلى فرض رقابة صارمة على الفضاء الإلكتروني ووسائل الإعلام الاجتماعية، وبالتبعية تدفق المعلومات إلى الجمهور.
إلا أن العلاقة بين الجمهورية الإسلامية والشبكة العالمية، أكثر تعقيدا من مجرد قمع بسيط، فعلى مدى السنوات الأربع الماضية، شجعت السلطات على توسيع استخدامات الإنترنت بين المواطنين الإيرانيين، على أمل تحقيق عوائد اقتصادية اكثر حداثة؛ ونتيجة لذلك فإن ما يقرب من نصف السكان يمتلكون أدوات تمكنهم من التحايل على القيوم التي تفرضها الحكومة في المقابل.
وساعدت الهواتف الذكية، في الاحتجاجات الشعبية الأخيرة التي بدأت في مطلع العام الجاري، إلا أن الحكومة نجحت في قمعها جزئيا عبر إغلاق وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الرسائل الرئيسية كالواتس آب، وكان واضحا من البداية أنها استطاعت إلى حدٍ ما من منع الأكسجين الذي تتنفسه الثور الوليدة.
وكان حل السلطات الإيرانية، هو إنشاء شبكة جديدة تُسمى «شبكة الحلال» وهي النسخة الإيرانية المحلية من الإنترنت، من أجل تقييد وصول المعلومات إلى الجمهور، وبينما تقترب إيران من الذكرى الأربعين للثورة الإسلامية، فإن كيفية التعامل مع الفضاء الإلكتروني سيكون حاسما في تحديد هيئة مستقبلها، وتحديد ما إذا كانت تنوي التحرك نحو الانفتاح أم إلى الانغلاق والانعزال عن العالم.
يقول «سانام فاكيل» الزميل في معهد «تشاتام هاوس»، أن الجمهورية الإسلامية لا تتبع سياسة الأبيض أو الأسود، وبها عددا لا يحصى من التناقضات، وسياسة الإنترنت أحد تلك التناقضات، حيث سمحت باستخدامه لأغراض خاصة للغاية، إلا أنها من ناحية أخرى تدرك كم المخاطر في ذلك.
فمنذ الثورة الإسلامية وتملك الحكومة الإيرانية آلية للسيطرة على كل ما يتم تداوله عبر وسائل الإعلام، وجميع قنوات البث التلفزيوني والإذاعي داخلها خاضعا للحكومة، ولا يزال استخدام الأقمار الصناعية هناك عبر الصحفيين غير قانوني رغم أنها تمتلك كما وفيرا منها وتستخدمه في احتياجاتها الخاصة، ويواجه الصحفيون هناك قيودا حول ما يمكنهم تغطيته أو في التنقل من محافظة إلى أخرى.
إلا أن الإنترنت ساعد على انهيار تلك المسافات، فخلال الاحتجاجات الإيرانية في 2009، شكلت وسائل الإعلام الاجتماعية عاملا مهما في شدتها، وتناقل الإيرانيون مقاطعا وصورا تصور ما يجري، بل ودعوة بعضهم البعض إلى المشاركة.
وقامت الحكومة الإيرانية والخاضعة للمرشد الأعلى، بقمع التظاهرات بطرق عنيفة للغاية، وأسفرت حملتها حينها عن سقوط الشعرات من الضحايا وآلاف السجناء وتعرضهم للتعذيب، وحتى قبل احتجاجات 2009، منعت إيران الوصول إلى قناة «اليوتيوب» والفيسبوك، كما فعلت ذلك مع مواقع أخرى، في وقت لاحق بدأ الإيرانيون يستخدمون شبكات افتراضية خاصة تسمح لهم بتجاوز الرقابة الحكومية.
والفارق الرئيسي بين تلك الاجتجاجات واحتجاجات 2018، هو كم الانتشار الهائل للهواتف الذكية، وحتى عام 2014 لم يكن هناك سوى مليونا إيراني يمتلكون هواتف، وتشير التقديرات اليوم إلى أن 48 مليون إيراني يمتلكونها.
ويرجع هذا النمو الهائل في امتلاك الهواتف الذكية، إلى الرئيس المعتدل نوعا ما حسن روحاني، والذي سمح لمسؤوليه بمزيد من مزودي خدمات الهاتف وتقديم خدمات الإنترنت من الجيل الثالث والرابع، وانتشرت الرقيات الرقمية في إيران كالنار في الهشيم، واستخدمت في المعاملات التجارية والحملات السياسية وغيرها من الأنشطة.
وفي الاحتجاجات الأخيرة، استخدم المتظاهرون «تليجرام» في تبادل المعلومات حول الاحتجاجات ومقاطع فيديو عبر 75 مدينة مختلفة، وهتف المواطنون علنا «الموت لخامنئي»، وصدم الكثيرون من ذلك الهتاف والذي يجلب حكومة الإعدام هناك.
وعندما حظرت الحكومة «تليجرام وأنستجرام» ساعدت على خنق الاحتجاجات في غضون أيام قليلة، إلا أنه بعد الاحتجاجات رأى روحاني أنه لا داعي لغلق قنوات اتصال تفيد في الحياة الحديثة، وقال إذا أردنا أن يكون الفضاء السيبراني مفيا للجميع علينا ان نستخدمه في نشر الثقافة بدلا من حجبه، مشيرا إلى الحكومات الإيرانية السابقة التي منعت الناس حتى من الاستماع إلى الراديو.
المخاطر وراء تكنولوجيا الاتصالات في إيران
وفي ذروةا لتوترات بين إيران والغرب حول البرنامج النووي، بدأت آلاف أجهزة الطرد المركزي التي تعمل على تخصيب اليورانيوم في التوقف فجأة بسبب فيرس «ستوكسني» والذي يعتقد على نطاق واسع أنه شن بواسطة الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية.
كما كشفت الوثائق السرية التي سربها «إدوارد سنودن» العضو السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكي، أن الحكومة الأمريكية تمتلك برامج تجسس عالية المستوى استخدمتها في تعطيل مساعي إيران ودول أخرى.
وابتداءا من 2011 عملت إيران على استخدام الهجمات الإلكترونية بدورها لتحقيق مساعيها، مثل ما فعلته مع السعودية في 2016، حيث أطلقت فيروسا ألحق الضرر بأكثر من 30 ألف حاسوب سعودي، كما اتهمت الولايات المتحدة الإيرانيين بالقرصنة على عدد من البنوك الأمريكية في 2012 وفي 2016، اعتقد مسؤولون أمريكيون لأن إيران هاجمت مرة اخرى عشرات البنوك الأمريكية الكبرى واستهداف حسابات وسائل الإعلام الاجتماعية لعدد من مسؤولي إدارة أوباما.
ويعتقد المحللون وخبراء الأمن أن العديد من القراصنة يحصلون على دعم من الحرس الثوري الإيراني، وهو قوة شبه عسكرية وقوة اقتصادية قوية في البلاد لا تخضع إلا لخامنئي نفسه، كما يستخدم الحرس وسائل مباشرة أكثر، مثلما ما حدث مع الصحفي في «واشنطن بوست» وزوجته وطلبهم كلمات المرور بشكل مباشر.
وبالمثل، استولت على حسابات الفيسبوك والبريد الإلكتروني الخاصين بالإيراني الأمريكي «سياماك نمازي»، والذي لا يزال محتجزا هناك مع والده «باكتوري الثماني»، ثم ادعى الحرس الثوري بأن الاثنين راسلا مسؤولين حكوميين أمريكيين وصحفيين.
ووفقا لتقرير معهد «كارنيجي للسلام» اُستخدم التجسس الإلكتروني في منافسات إيران الداخلية، في الهجمات بين المسؤولين وبعضهم البعض، كما حدث بين المسؤولين التابعين لروحاني والمسؤولين التابعين لجواد ظرف، وقال تقرير صادر، إن استخدام التجسس الإلكتروني على أشخاص مسؤولين، يعكس مدى أهمية المراقبة السيبرانية في إيران.
انتقل إيران إلى استهداف الإنترنت نفسه
جاءت فكرة إنشاء إيران لشبكة «حلال» الخاصة بها، لأول مرة في 2011 في أعقاب احتجاجات 2009، وتكورت إلى ما يعرف بـ«شبكة المعلومات الوطنية»، ووصفت الشبكة الأمر بالكابوس، حيث تتمكن الحكومة من إبطاء وتسريع خدمات بعينها وإغلاق ما تريد إلاقه والسماح لما تريد السماح به.
ويعد أحد المصممين الرئيسيين للشبكة، عضوا فاعلا في الحرس الثوري الإيراني نفسه، ويشبه الأمر «سور الصين العظيم» في نظم الحماية ومنع الآلاف من المواطنين من الوصول إلى مواقع يسهل الوصول إليهها في أي مكان آخر بالعالم.
ويقترح متشددون في إيران منع افنترنت تماما عن المنازل، ويقول رجل دين شيعي متشدد، إن الإنترنت طريق من طرق جهنم.
ووسط الاحتجاجات، قالت إدارة ترامب إنها تريد مساعدة الإيرانيين على الوصول إلى الإنترنت، واجتمع مسؤولون كبار في الإدارة الأمريكية مع جوجل والفيسبوك وتويتر وغيرها من شركات التكنولوجيا الرائدة لطرح ما يمكن القيام به أكثر لمساعدة الإيرانيين وغيرها من الدول الاستبدادية في الوصول بحرية إلى المعلومات.
إلا أن الخوف من شبح العقوبات الموقعة على إيران جعل بعض الشركات تتخوف من تقديم المساعدة.