وجّه عبدالرحمن يوسف القرضاوي رسالة إلى المرشح الرئاسي المحتمل الفريق سامي عنان، رئيس الأركان السابق، فيها شروط للفوز بالانتخابات الرئاسية؛ أبرزها الحصول على الدعم الشعبي عبر شخصيات سياسية، إضافة إلى كتلة المصريين (والمنفيين) في الخارج؛ لحماية الصناديق بكثافة التصويت، وبمراقبة التجاوزات، لافتًا إلى احتمالية دعمه للتخلص من السيسي «الشيطان».
وقال عبدالرحمن إنّ رسالته تعبّر عن «كتلة ضخمة في المجتمع المصري»، ونشرها على صفحته في «فيس بوك»، ووصق اختياره المستشار هشام جنينة (رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق) والدكتور حازم حسني نائبين له بـ«المحترمين»، مؤكدًا أنه «أول من قدم تنازلات باختيار شخصيات مدنية لها شعبية رغم نظرة العسكريين للمدنيين».
وطالب عبدالرحمن من سامي عنان ضرورة تقديم مزيد من التنازلات في سبيل تحقيق التوافق الذي يؤدي إلى تغيير الوضع الحالي وإنقاذ مصر مما هي فيه، مؤكدًا أنّ «عنان ليس المرشح المفضل له، مرجحا أن يدعم ترشحه؛ معللا ذلك لامتلاكه فرصة حقيقية في الفوز، مشيرا إلى أن خيار المقاطعة هو الأجدى؛ لأن المراهنة على من لا يملك أي فرصة في الفوز ليس أكثر من شرعنة للوضع الحالي، وإحراج محلي ودولي للمعارضة، وإظهار للعصابة الحالية وكأنها البديل الوحيد لمصر».
وجاءت رسالة عبدالرحمن يوسف كالتالي:
«فقد نما إلى علمي، من خلال الفيديو الذي أذعتموه مساء الجمعة 19 كانون الثاني/ يناير 2018، عزمك النهائي الترشح لانتخابات الرئاسة المزمع إجراؤها خلال الأسابيع القادمة، وهي شجاعة أقدرها لك، فمجرد إعلان الترشح في مثل هذا الظرف ومن داخل مصر يعتبر مخاطرة لا حدود لها.
وفي بداية هذه الرسالة، لا بد أن أوضح عدة أشياء – لك ولكل من يقرأ هذه الرسالة العلنية – لكي لا تلتبس الأمور، ولكي يعلم الجميع المعنى والمغزى منها.
***
أولا: في طبيعة المرحلة القادمة
نحن أمام مرحلة خطيرة من عمر مصر، تقتضي أن يتعاون الجميع من أجل طرد هذا الكابوس الجاثم على صدر الدولة. وحين أقول “الجميع”، أعني هذه المكونات غير المتجانسة التي ربما تكره بعضها، وتحمل ضغائن تجاه بعضها البعض، فهذه معركة الخلاص من العميل الموجود في سدة الحكم، وليست معركة من أجل أي شيء آخر.
وفي سبيل ذلك سيقدم الجميع تنازلات مؤلمة، ولعلك أول من قدم هذه التنازلات حين أعلنت عن نائبين مدنيين محترمين لرئيس الجمهورية (نحن نعلم جيدا نظرة العسكريين للمدنيين)، وأعلم أنك لا بد أن تقدم المزيد في سبيل تحقيق التوافق الذي يؤدي إلى تغيير الوضع الحالي، وإنقاذ مصر مما هي فيه.
لذلك أقول لك مخلصا إن غالبية الطيف السياسي – ولا أبالغ إذا قلت غالبية الشعب المصري – مهيأ لتقديم هذه التنازلات لإنهاء هذا الكابوس، ولكن تأكد أن التنازلات ستكون من الجميع (خصوصا ممن يطمح للوصول إلى الحكم)، وأن كثيرا من القوى لن تتنازل في العلن، وأن المزايدات من كثيرين لن تنتهي.
***
ثانيا: في مسألة فرص الفوز بالانتخابات…
لست مرشحي المفضل، ولكني قد أدعم ترشحك برغم اختلافي معك؛ لأنك تملك فرصة حقيقية في الفوز، وإلا فخيار المقاطعة هو الأجدى، لأن المراهنة على من لا يملك أي فرصة في الفوز ليس أكثر من شرعنة للوضع الحالي، وإحراج محلي ودولي للمعارضة، وإظهار للعصابة الحالية وكأنها البديل الوحيد لمصر.
في نهاية الأمر لن يتحقق لك فوز – أو تمثيل مشرف – إلا بثلاثة شروط..
- الدعم الشعبي… وهذا الدعم لن يأتيك إلا من خلال شخصيات عامة تملك رصيدا لدى الناس، ومن خلال تيارات سياسية لها جذورها الاجتماعية في المجتمع، بالإضافة إلى كتلة المصريين (والمنفيين) في الخارج، وتأكد أنك دون هذا الدعم – الذي سيخلق لك رصيدا شعبيا له اعتباره – لا فرصة لديك، الناس هم من سيحمي الصناديق بكثافة التصويت، وبمراقبة التجاوزات. وتأكد أنك إذا دخلت الانتخابات وحيدا لن تحقق أي نتيجة تذكر (حتى التمثيل المشرف لن تحصل عليه)، وتأكد أن أي دعم خفي داخل بعض أجهزة الدولة لن يفيدك دون هذا الدعم الشعبي… الموضوع باختصار كل عوامل نجاحك ليست أكثر من عوامل مساعدة، والظهير الشعبي هو العامل الأساس والحاسم.
- عدم اعتراض مؤسسات القوة داخل الدولة المصرية، وهو أمر قد يتحقق بالنسبة لك بسبب خلفيتك العسكرية المعروفة، فأنت في النهاية لست عدوا للدولة (من وجهة نظر بعض الأجهزة التي تتخيل بعض أبناء الوطن أعداء للوطن).
- القبول الدولي والإقليمي… وهو أمر يمكن تحقيقه أيضا، فأنت تملك تاريخا من العمل داخل دولاب الدولة المصرية ولفترة طويلة، مما يطمئن غالبية القوى المؤثرة دوليا وإقليميا.
ثالثا: في مجالات التعاون
حين تستوفي أوراق ترشحك سيمكن حينها أن نتحدث عن اتفاق سياسي يتيح لك خوض هذه المعركة نيابة عن الأمة بكل مكوناتها، الصالحة و”الفاسدة”، ضد العصابة التي اختطفت مصر وفعلت ما لم يفعله حاكم في تاريخ هذا البلد!
سيحاول البعض الحصول على مكاسب خاصة، ولكن كاتب هذه السطور – ومن يمثلهم – لن يكون حديثه منصبا إلا على حقوق الناس بمعناها الاجتماعي الواسع، وبمعناها السياسي الذي لا لبس فيه.
نحن أمام دولة على رأسها شيطان، يحركه شياطين في الداخل والخارج، وهو يقتل أهلنا ليل نهار، ويسجن عشرات الآلاف، ويعذب الملايين، ويحكم بالنفي على مئات الآلاف، ويحطم جميع مؤسسات الدولة تحطيما منظما.
لذلك تأكد أنك لا بد أن تكوّن رأيا واضحا، وأن تخرج بالتزامات محددة بشأن مئات المصريين الذين يواجهون أحكام الإعدام، وبشأن القتل خارج إطار القانون، وبشأن الاختفاء القسري، والسجون السرية، والزج بالنساء في السجون لأتفه الأسباب، والقوانين سيئة السمعة، ومصادرة الأموال وإلى آخر هذه المصائب…!
لا بد من إعادة محاكمة كل هؤلاء الذين وصموا بمخالفة القانون في محاكمات عسكرية أو مدنية… إنهم أشرف رجالات ونساء مصر!
السيد المرشح المحتمل سامي عنان…
لقد أحسنت باختيار نائبين مدنيين من ذوي السمعة المحترمة، ولكن تأكد أن الوطن كله ينبغي أن يكون شريكا في إعداد ملف العدالة الانتقالية.
وتأكد أن هناك جروحا لا بد أن تعالج بشكل فوري، من أهمها هذا الرجل القابع في السجن منذ سنوات دون أن يراه أحد.. الدكتور محمد مرسي يشهد له الجميع – حتى من انقلبوا عليه – بأنه رئيس منتخب في انتخابات لم تشهد لها مصر مثيلا، ويجب معاملته معاملة رئيس سابق في حال ثبوت عدم جدية القضايا التي يحاكم بها وبأقصى سرعة، هو ومئات الآلاف من الذين دخلوا السجون والمعتقلات لمجرد كونهم يرونه رئيسا شرعيا، أو يرون ما حدث ضده في الثالث من تموز/ يوليو 2013م انقلابا عسكريا.
سيكون لزاما عليك أن تكوّن رأيا واضحا حول كيفية التعامل في ملف الاستقلال الوطني المنتهك، وعلاقات مصر الخارجية بأصدقائها وأعدائها، وجميع الاتفاقيات الدولية التي وقعت منذ الثالث من تموز/ يوليو 2013م.
السيد المرشح المحتمل “سامي عنان”…
بإمكانك أن تعتبر هذه الرسالة رسالة من فرد، ولكني أؤكد لك أنها تعبر عن كتلة ضخمة في المجتمع المصري!
وفي نهاية هذه الرسالة، أذكرك بأني قد نصحتك بقراءة السيرة الذاتية للسيدة “بيناظير بوتو”؛ لأن هناك تشابها ما في لحظة وحالة الترشح، وإني أنصحك اليوم مخلصا وبكل أمانة نصيحة أخرى… لا تعتبر نفسك مجددا لسيرة الرئيس الراحل أنور السادات…!
نحن جيل لن يقبل بمجرد الخروج من السجون، الزمن غير الزمن، والدنيا قد تغيرت، وتأكد أن جيلا جديدا من المصريين لن يتنازل عن تحقيق أهداف ثورة يناير، وسوف يقاتل بكل الطرق السلمية من أجل إنهاء الظلم والظلمات التي تعيشها مصر منذ عشرات السنين.
لذلك كن مهيأ للتعامل مع هذا الجيل بحكمة، وتأكد أن هذا الجيل يملك من سعة الأفق، وسداد الرأي، وحسن النوايا، والقدرة على الصبر، ما يمكنه من تجاوز أي شخص أو مرحلة مؤقتة ليصل إلى أهدافه النبيلة التي استشهد من أجلها آلاف من أبناء هذا الجيل.
السيد المرشح المحتمل “سامي عنان”…
أمامك فرصة لدخول التاريخ من باب واسع من أبواب الخير، وأنت رجل سيبلغ السبعين بعد أيام، والمرء في نهاية الرحلة قد يلهمه الله أن يكون مفتاح خير لنفسه ولأهله وأمته… فلا تضيع هذه الفرصة!
أعانك الله ما دمت تريد الخير… وحفظك من كل شر ما دمت ضد الشر!».