خطاب إعلامي جديد يسلكه عبدالفتاح السيسي في قضية حل أزمة سد النهضة، فبدلا من الحديث عن خطة الحكومة في التفاوض، وكيفية حفاظ مصر على حصتها التاريخية من مياه النيل، بدأ النظام في الحديث عن بدائل جديدة للنيل، وكأن انخفاض حصة مصر من مياهه أصبحت أمرا واقعا.
مياة الصرف الصحي
فقد كشف عبدالفتاح السيسي، عن خطة القاهرة للتعامل مع المشكلات التي قد يسببها بناء سد النهضة الإثيوبي في المستقبل.
وأشار السيسي، خلال افتتاحه مشروعات قومية بمدينة العاشر من رمضان، إلى أنه يجري حاليا إنشاء محطة كبرى لمعالجة مياه الصرف؛ تجنبا لأزمة قد تطرأ في المستقبل، في إشارة إلى احتمال تأثير السد في إثيوبيا على حصة مصر من مياه نهر النيل.
وقال السيسي: «حجم المياه مكناش بنستفيد منه الاستفادة القصوى، نحن نعيد تحلية المياه مرة واتنين وتلاتة، معالجة ثلاثية، بحيث أن تكون المياه اللي يشربها المواطن لا تؤثر على صحته بأي شكل».
وأكد أن برنامج تحلية المياه التي تعتمده الدولة حاليا هو الأعلى فى تاريخها، بتكلفة تتعدى الـ60 مليون جنيه، متابعًا: «نعمل على تنفيذ أكبر مشروع لمعالجة مياه الصرف لحل أي مشكلة متوقعة»، قد تطرأ مع احتمال انخفاض حصة مصر من مياه النيل أثناء فترة ملء خزان سد النهضة.
ولم يحدد السيسي حجم المحطة أو كمية المياه التي ستوفرها ولكنه قال: «ليس ممكنا أن نسمح بمشكلة مياه في مصر. لا بد أن يتم تأمين المياه للكل»، وتابع: «لكي نستفيد من المياه بشكل كبير، نقوم بعمل محطة، نحن مدركون لكل الاحتمالات وجاهزون لمواجهتها».
تصريحات سابقة عن استخدام الصرف الصحي
في 28 ديسمبر الماضي، قال وزير الري، محمد عبدالعاطي، أمام البرلمان، إن مصر تحتاج 114 مليار متر مكعب من المياه؛ لتحقيق الاكتفاء الذاتي، في استهلاك مياه الشرب، وري الأراضي الزراعية، في حين تبلغ حصتها من مياه النيل، مضافة إليها المياه الجوفية، نحو 60 مليارا.
وكان السيسي قال، خلال افتتاحه عددا من الوحدات السكنية بمدينة 6 أكتوبر في 7 فبراير 2016، إن المصريين بإمكانهم شرب مياه الصرف الصحي بعد معالجتها وفقا للمعايير الدولية، وإن مصر تحتاج لنحو 23 مليار جنيه؛ لكي يتم إنجاز وحدات المعالجة الثلاثية خلال العامين المقبلين.
وفي 13 أغسطس 2016، أعلن السيسي عن بداية ضخ 3.5 مليار متر مياه صرف صحي في محطات مياه الشرب لمعالجتها.
وفي 28 نوفمبر الماضي، قال وزير الإسكان، مصطفى مدبولي، أثناء لقائه مسؤولي شركة «شنايدر إليكتريك»: «لدينا خطة للسنوات الخمس القادمة لإنتاج مليون م3 يوميا من مياه البحر المحلاة».
فنكوش جديد
من جانبه، استنكر الدكتور مصطفى شاهين، الخبير الاقتصادي، تصريحات عبدالفتاح السيسي، حيث أوضح أن هذه التصريحات تدخل ضمن إطار سلسلة التصريحات الوهمية التي يطلقها، ويوضح طريقة تفكير في حل الأزمات.
وأضاف «شاهين»، في تصريح خاص لـ«رصد»، أنه كيف يتحدث عن تحلية مياه البحار والصرف الصحي، ونحن شعب يصل تعداده إلى 100 مليون نسمة، ويعتمد بشكل كامل على مياه النيل، مشروع مثل تحلية مياه البحر سيستغرق فترة طويلة ويمثل عبئا اقتصاديا لا تستطيع مصر تحمله.
وأوضح أن اعتماد مصر على مياه الصرف الصحي في الشرب وزراعة المحاصيل الزراعية أمر خطير، فبدلا من أن كنا نروي المحاصيل بمياه النيل، سوف نرويها بمياه الصرف الصحي، مؤكدا أن حديث السيسي يكشف عن الوضع التفاوضي لمصر وخطورة الموقف، وأن نظام السيسي قرر أن يعلن استسلامه.
وتابع: «مقبلون في مصر على أزمة اقتصادية شديدة متوقعة، ستؤثر في كل مجريات الاقتصاد، والحديث عن مشاريع بحجم تحلية مياه البحر والصرف الصحي من دروب الخيال».
وتعجب السفير إبراهيم يسري من تصريحات السيسي وطريقة معالجته لأخطر أزمة يمر بها المصريون، قائلا عبر تويتر: «شرب مياه الصرف الصحي بدلا من مياه النيل، ونأكل لحم الحمير»، ساخرا بقوله: «يا سعدك يا مصر».
وقال المراقب العام في الجهاز المركزي للمحاسبات، أشرف شعبان، عبر تويتر: «الصرف الصحي بديلا عن ماء النيل، أحد الحلول الفنكوشية التي ابتلينا بها نتيجة الاستهتار والمفاوضات العبثية مع إثيوبيا والسودان»، مضيفا «لا للتفريط في حقوقنا»، و«النيل خط أحمر».
من جانبه، شكك الخبير الهندسي، الدكتور عماد الوكيل، في إمكانية الاستخدام الآمن لمياه الصرف المعالجة، وقال عبر «فيسبوك»: «هل تعلم أنه لا توجد مواصفة أو كود يسمح بشرب مياه الصرف الصحي المعالجة، ولا يوجد مواصفة تسمح حتى بخلط الخرسانة بهذه المياه، ولا يوجد مواصفة تسمح بري الخضراوات منها، فقط يسمح بري الأشجار الخشبية غير المثمرة، والباقي يستخدم في غسل الشوارع».
فشل مفاوضات سد النهضة
وتخشى القاهرة أن يؤدي بناء سد النهضة الإثيوبي إلى انخفاض تدفق مياه النيل الذي يوفر نحو 90 بالمئة من احتياجات مصر.
وأعربت مصر، في ديسمبر الماضي، «قلقها البالغ من التعثر الذي يواجه المسار الفني المتمثل في أعمال اللجنة الفنية الثلاثية» المتعلقة بسد النهضة والتي تضم القاهرة والخرطوم وأديس ابابا.
وحذر وزير الخارجية المصري سامح شكري، خلال زيارة إلى إثيوبيا، في 26 ديسمبر الماضي، من أن هذا الأمر «من شأنه أن يعطل بشكل مقلق استكمال الدراسات المطلوبة عن تأثير السد على دولتي المصب في الإطار الزمني المنصوص عليه في اتفاق المبادئ».
كما اقترح شكري «وجود طرف ثالث له رأي محايد وفاصل يشارك في أعمال اللجنة الفنية الثلاثية يتمثل في البنك الدولي».
وفشلت اللجنة الفنية الثلاثية المشتركة لسد النهضة، التي تجتمع في القاهرة والخرطوم وأديس أبابا، في التوصل لاتفاق بخصوص نتائج تقرير مبدئي قدمته شركتان فرنسيتان في مايو الفائت حول التبعات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للسد على مصر والسودان.
ومن المتوقع أن يصبح السد الذي تقدر كلفته بنحو 5 مليارات دولار، ويتم تشييده على النيل الأزرق أكبر سد لتوليد الطاقة الكهربائية في إفريقيا، وقد أعلنت إثيوبيا اكتمال بناء 63% منه أواخر نوفمبر الماضي.