التقى وزيرا الخارجيتين الألماني والتركي أمس السبت في مدينة غوسلار (شمالي ألمانيا)، وأعربا عن رغبتهما في استئناف حوار وثيق بعد سنوات من التوتر في العلاقات الثنائية، في الوقت الذي أبدت فيه برلين ترحيبًا لإلغاء وقف صادرات الأسلحة إلى تركيا مقابل تحرير الصحفي دنيز يوسيل، من صحيفة «دي فيلت» الألمانية، المحتجز لدى أنقرة منذ أوائل عام 2017.
وفي مؤتمر صحفي مشترك، قال جاووش أوغلو: «لدينا اختلافات في بعض المواضيع مع ألمانيا. ولكن، بواسطة الحوار نأمل حل كل المشكلات»؛ مشددًا على ضرورة اتخاذ خطوات «ملموسة» لإعادة الثقة بين البلدين.
وقال إنّ هناك توافقًا بين البلدين بشأن ملفات سوريا وليبيا واليمن ضمن حلف شمال الأطلسي (ناتو)، فضلًا عن الجهود المشتركة لمحاربة الإرهاب، مثمنًا جهود ألمانيا في ملف المهاجرين واللاجئين.
خطوة للحوار
ولم ينكر جاووش أوغلو وجود خلاف مع برلين بشأن قبول تركيا في الاتحاد الأوروبي، لكنّه أكد أنّ ذلك ليس عائقًا أمام تحسين العلاقات. وقال: «نختلف مع برلين بخصوص عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، ولكن يمكننا تحسين العلاقات الاقتصادية. لسنا ملزمين بأن نتوافق في القضايا كافة؛ ولكن نضعها بين قوسين ونمضي قدمًا».
وشدّد «أوغلو» على أنه لا ألمانيا ولا تركيا «يمكن أن تخضع للضغوط أو التهديدات أو أي وسائل مشابهة». وأضاف: «إنها ليست الوسائل الجيدة برأينا»، مؤكدًا ضرورة إحياء التعاون الاقتصادي بين البلدين عبر «الحوار والتفاهم المشترك والتعاون».
وبدوره، أكد «غابريال» أنّه اُتّفق في اللقاء، على بذل أقصى جهد لتجاوز الخلافات؛ فـ«أنقرة تتوافق مع ألمانيا في كثير من قضايا المنطقة، كالملف السوري والوضع في اليمن وقضية إيران»، معربًا عن القلق حيال الأحداث في اليمن، آسفًا لكون هذا البلد «يشهد انتهاكات في حقوق الإنسان لا تتناولها وسائل الإعلام».
وتأتي زيارة أوغلو إلى برلين ضمن الجهود التي تبذلها أنقرة للخروج من عزلتها بعد الانقلاب الفاشل عام 2016، ولاستئناف الحوار الذي تراجع إلى حد كبير مع الاتحاد الأوروبي.
صفقة مثيرة للجدل
وقبيل اللقاء، تخوّفت أوساط سياسية، وفق ما أفادت وسائل إعلام ألمانية، من أن تنتهي زيارة جاووش أوغلو إلى موافقة غابريال على إلغاء وقف صادرات الأسلحة إلى تركيا، في صفقة مثيرة للجدل، مقابل تحرير الصحفي دنيز يوسيل، الذي يشكّل مصيره مصدر الخلاف الرئيس بين البلدين.
ووجهت إلى الصحفي تهم «الانتماء لمنظمة إرهابية، وترديده دعاية إرهابية وإساءة استخدام البيانات»، بعد نشره تقريرًا عن محتوى رسائل مسرّبة من البريد الإلكتروني لوزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي بيرات البيرق، زوج ابنة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في سبتمبر 2016.
وقد تستأنف ألمانيا تصدير الأسلحة إلى أنقرة بعد تعليقها وفرض قيود صارمة عليها، على الرغم من أنّ تركيا دولة حليفة وشريكة في حلف شمال الأطلسي (ناتو).
وأمس الجمعة، قال غابريال، في حديث مع مجلة «دير شبيغل» الألمانية: «إذا كان الحل لإطلاق يوسيل توريد الأسلحة مرة أخرى إلى تركيا فإطلاق يوسيل أولوية»؛ ما واجه انتقادات من قبل حزبي «اليسار» و«الخضر».
ودافع «غابريال» عن اجتماعه مع جاووش أوغلو بالقول: «إذا لم نتحدّث مع بعضنا بعضًا فالوضع بالتأكيد لن يكون أفضل لبلدينا ولا للأشخاص المحتجزين»؛ فثمّة سبعة مواطنين ألمان حاليًا في السجون التركية لأسباب سياسية، وفقًا لوزارة الخارجية الألمانية.
تقدّم في العلاقات بين البلدين
ولفت «غابريال» إلى أنّ العلاقات الثنائية بين ألمانيا وتركيا تتقدّم منذ لقائه جاووش أوغلو في أنطاليا بتركيا مطلع نوفمبر الماضي.
وكتب جاووش أوغلو مقالًا لمجموعة «فونكه» الإعلامية الألمانية، نُشر أمس الجمعة، شدّد فيه على أهمية زيادة التعاون والتفاهم بين البلدين، وذكر أنّ «الطرفين لديهما مصلحة في بداية جديدة للعلاقات؛ لأنّنا نعيش في عصر التحديات»، و«من العقلانية مواصلة علاقات الصداقة وتعزيز التعاون الاقتصادي؛ لا سيما في مجالات الطاقة المتجددة».
ورأى أنّ «الأمر يسهل حدوثه عند كسر الطرفين دوامة الأزمة الراهنة»، معتبرًا أنّ «دبلوماسية السقف العالي لن تجدي نفعًا، والحاجة تبقى للغة أكثر تعاطفًا وفهمًا للجانب الآخر».
نقاط الخلاف
ونقاط الخلاف بين ألمانيا وتركيا عديدة، لكن برلين شعرت باستياء كبير بعد توقيف عدد من مواطنيها في تركيا، وتتهم أنقرة برلين بالتساهل مع الانفصاليين الأكراد ومشتبه بتورطهم في المحاولة الانقلابية.
وكانت الأزمة حادة بشكل خاص في الأشهر الأخيرة، مع انتقاد أنقرة بشدة لتوقيف عدد من رعاياها، بعضهم يحملون جنسيتي البلدين. وحذرت برلين الصيف الماضي رعاياها من السفر إلى تركيا وشركاتها من الاستثمار في هذا البلد. كما جمدت صادرات الأسلحة إلى تركيا، العضو مثلها في حلف شمال الأطلسي.
وأرسلت الحكومة التركية منذ نوفمبر مؤشرات تهدئة عديدة إلى برلين، خصوصًا عبر الإفراج المشروط أو الكامل عن أشخاص يحملون الجنسية الألمانية في تركيا؛ لكن 7 ألمان بينهم أربعة يحملون الجنسيتين لا يزالون مسجونين في تركيا لأسباب «سياسية»، بحسب برلين.
واتهم أردوغان المستشارة الألمانية بممارسات تعود إلى حقبة «النازية»؛ بعد منع نواب أتراك في الربيع الماضي من إجراء حملة في ألمانيا من أجل الاستفتاء بِان تعزيز صلاحيات الرئيس التركي. وهاجم أردوغان (الجمعة) في باريس «هؤلاء الذين نعتبرهم رجال فكر، بينما يدعمون المتطرفين عمليًا».