سلطت صحيفة «ذا ناشيونال» الضوء على الخسائر التي أصابت أميركا تجاه تحول سياستها الخاصة بالشرق الأوسط وتراجع هيمنتها، ودخول دول وشركات أخرى لتحل محلها، ومحاولتها التأثير على مجريات الأمور في المنطقة، التي تعد من أكبر أماكن إنتاج النفط في العالم.
ووفق ما ترجمت «شبكة رصد»، يعود السبب في هذا التراجع، إلى سياسة العنجهة التي اتبعها ترامب، منذ أن تولى حكم الولايات المتحدة، والتي تسببت في أن تحتل الصين والهند ودولا أخرى ومجموعة من الشركات مكانة وتأثير على الدول في الشرق الأوسط، وفقا للاقتصادي الأمريكي «شون إيفرز»، الاقتصادي الأميريكي والشريك الإداري في «غالف إنتليجانس»، والذي دعا الكونجرس للنظر في سلبيات سياسات أميريكا الأخيرة والتي كان لها أثرا اقتصاديا سلبيا غير الأثر السياسي، وداعيا شركات الطاقة الأميركية أن تعاود الاستثمار من جديد هناك، وألا تترك الفرصة للشركات الأخرى كي تستفيد من موارد الشرق الأوسط.
وإلى نص المقال:
نريد أن نطرح سؤالا «هل يمكن القول أن عقيدة ترامب فيما يتعلق بالاستقرار العالمي، هي نفس العقيدة التي اتبعها منذ أن جاء إلى رئاسة الولايات المتحدة، من استخدام الفتونة والإهانة والتباهي، لمحاولة تذكير العالم بأنه وبلده يمتلكان قدرة رهيبة؟»
فبجانب عبارة «ابنوا جدارا» استخدم ترامب عبارتي «روكيت مان أو الرجل الصاروخ» و«لا تختبروني!»، والعبارتان تعبران عن سياسته الجديدة، والتي ساهمت في إسقاط مكانة أمريكا في العالم العربي وفي دولا أخرى.
وعلى الجانب الآخر، يرتبط العام الحالي 2017 في الصين بعام الديك، والديك في الثقافة الصينية مثال على الإخلاص والالتزام بالمواعيد، وكان مفيدا للأجداد في الاستيقاظ من أجل بدء العمل، فقد كان لهم بمثابة المنبه في وقت لم يكونوا يمتلكون فيه ساعة.
أما الدجاجة فلها معنى رمزي آخر وهو الأرواح الشريرة، ومع قليل من «النار والغضب» والقليل من الرجل الصاروخ، فإن ترامب «الدجاجة» ينطلق بنا من مكتبه إلى الشاطئ ثم يعود بنا مرة أخرى دون شئ- العبارة في كناية على الصوت العالي لترامب دون تنفيذ أي تهديد أو وعيد.
وفي الأشهر الأخيرة هدد ترامب بشن حرب نووية في آسيا، في الوقت الذي اندلعت فيه زلازل وحرائق وأعاصير دمرت أماكن في الأمريكتين، وأغرقت رابع أكبر ولاية أمريكية، وفي الخلفية كانت هناك مانشيتات تتحدث عن الآف الأشخاص الذين لقوا مصرعهم بسبب الفيضانات والانهيارات الأرضية في شمال الهند ونيبال وبنجلاديش، والتي تحاول بدورها امتصاص الآلاف من اللاجئين الفارين من الإبادة الجماعية في ميانمار.
ومع ذلك فإن أجراس الإنذار مازالت تدق.. لماذا؟
تدق لأن أسواق الأسهم العالمية خصوصا في العالم الغربي، مازالت راغبة في الرقص على الموسيقى لتحقيقها قفزة من رقمين في سجلاتها بشكل أسبوعي، في حين تتعالى الأصوات محذرة من أن معظم البنوك ترفض التخلي عن الأصول المالية المخزنة لديها، وما تفعله هو فقط طباعة أوراق تسمى أموال، في الوقت الذي ترتفع فيه إمكانية كون العام المقبل 2018 بالنسبة لأميريكا أقل استقرارا، بسبب قرار ترامب بانتزاع القدس من الفلسطنيين.
ربما التعطش للبيتكوين هو السبب في كل تلك الغطرسة.
وفي الممر الموازي، يبدو أن النفط الخام في النهاية يستجيب لبعض التقلبات الجيوسياسية، حيث قفز سعره إلى ما فوق الـ60 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ عامين، بجانب عدم الاستقرار في أجزاء من الشرق الأوسط وتحذيرات ضرب كوريا الشمالية والتي اختبرت قنبلة هيدروجينية بشكل مفاجئ في الربع الثالث من هذا العام، والتي من قوتها تسببت في ثلاث موجات من الهزات الأرضية.
الناس الذين ولدوا في عام الديك وفقا للبرج الصيني، لديهم العديد من الخصائص والصفات الممتازة، مثل الصدق والإشراق والطموح، ومعظمهم كما تقول الأساطير يولدون جميلين ووسماء ونادرا ما يعتمدون على الآخرين، غير ذلك أنهم بجانب حماسهم سرعان ما يصابون بالسلبية.
في كلا الحالتين يفاجئني أننا نحتاج إلى مثال الديك، لكن بطريقة أخرى، كي ننده بصوتٍ عال كصوت الديك، على هؤلاء الأطفال في الكونجرس الأمريكي، وأن ننبههم بأن العام المقبل 2018، هو عام العمل.
عصر «الجي زيرو» ومنافسة أميريكا
والآن ندخل عصر «جي زيرو – مصطلح يشير إلى الفراغ الناشئ في السلطة السياسية الدولية وتراجع التأثير الغربي» فلا أمة أو مجموعة واحدة حاكمة للعالم بعد أميريكا، والفلسفة الحمائية التي أطلقها ترامب «أميريكا أولا» والتي تصدرت استطلاعات التصويت في مطلع العام الجاري 2017؛ كان لها تأثيرا كبيرا على الشرق الأوسط، وهو أمر غير مستغرب، فترامب الذي لا يمكن التنبؤ به والمعروف بخطه العدائي تورط مع العالم العربي في أكثر وقت حساسية تمر به المنطقة، وجرب كلمة «لا تختبروني» مع دول هي الأكثر إنتاجا للنفط، والتي تعرضت لتوترات بعد ثورات الربيع العربي، فيما دخلت دولا أخرى في حروب أهلية وصراعات ودوامات فقر.
ونتيجة لذلك يواجه ترامب حاليا منافسات شديدة على تحالفات الطاقة في الشرق الأوسط، حتى لو زادت استقلالية الطاقة في أميريكا من قدرته على المساومة، حيث يستمر الزحف الناتج عن مبادرة «الحزام والطريق» التي بدأته الصين في المنطقة، وسياسة التفكير الغربي التي تتبعها الهند، ووجود شركتا «برايس ووترهاوس كوبرز» والتي من المتوقع أن تصبحا من أكبر الاقتصادات في العالم بحلول عام 2050، والتي توسع تأثيرهما على شبه الجزيرة العربية.
وغير ذلك وقعت الرياض وبكين صفقات بقيمة 70 مليار دولار في أغسطس وحده، في حين ارتفعت التجارة بين الهند والخليج إلى 137.7 مليار دولار في 2014-2015، من 5.5 مليار دولار في عام 2001.
والشركات الروسية أيضا بدورها، تحاول تعميق نفوذها في السوق الشرق أوسطي، وهناك أكثر من 10 مليارات دولارات ومشاريع تجارية بين روسيا والسعودية، ومؤخرا عقدت صفقة مع إيران بقيمة 30 مليار دولار، وما ذكرناه مجرد غيض من الجليد الجيوسياسي المتزايد باستمرار.
لذا فإن شركات الطاقة الأمريكية يجب أن تكون هي سفير أميريكا في الشرق الأوسط في اللحظات الراهنة، والتي يجب أن تستعيد السيطرة مرة أخرى، أو كما قال الممثل الأميريكي «ويل روجرز» يجب ان نبقى هناك، حتى لو كنا جالسين فقط، يكفي أن تكون أعيننا مفتوحة.